رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


صندوق تكافلي لتفادي آفات خسائر الأسهم

[email protected]

تؤكد الحقائق أن معظم المواطنين السعوديين البالغين رجالا ونساء قد فتحوا محافظ استثمارية في سوق الأسهم ووضعوا فيها ما استطاعوا أن يضعوا من الأموال سواء تلك التي ادخروها لسنوات طويلة أو تلك التي ورثوها أو اقترضوها أو اكتسبوها من الاكتتابات الأولية، أو جمعوها نتيجة بيعهم حليهم ومنازلهم ومشاريعهم الرابحة، بل حتى مهور بناتهم.
وتؤكد الحقائق أيضا أن معظم هؤلاء قد خسروا جُل أموالهم في تلك السوق عالية المخاطر رغم التحذيرات وحملات التوعية ذلك أن التيار كان شديدا لا يصمد أمام إغراءاته إلا النزر القليل من أصحاب العقول الراجحة والعزائم القوية القادرين على اتخاذ القرارات العقلانية في قمة اعتمال العواطف، ومن الحقائق كذلك أنه من أصل 184 مليار ريال تمثل حجم القروض التي منحتها البنوك المحلية للأفراد ذهب نحو 134 مليار إلى سوق الأسهم (أشار تقرير مؤسسة النقد إليها بعبارة تمويل أمور أخرى) ومعظم هذه القروض تم الحصول عليها بفترة سداد تمتد لعشر سنوات قبل أن تتخذ مؤسسة النقد قرارا بإيقاف مثل هذا النوع من القروض.
وإذا جمعنا هذا التأكيدات ومزجناها بالقصص المؤلمة التي نسمعها هنا وهناك عن أخوة لنا باتوا يعانون الأمرَين من انهيارات سوق الأسهم المتتالية، وأضفنا لها ما أشارت له بعض الجهات الأمنية حول انتشار الحوادث الجنائية بسبب الأسهم حيث فَقَدَ المواطنون ثقتهم بأنفسهم وبمن حولهم، وما أشارت له بعض مصادر العيادات النفسية إلى أن 37 ألف مواطن راجعوا العيادات النفسية بسبب الأسهم لأدركنا حجم المشكلة التي ستواجهنا جميعا شئنا أم أبينا.
وحيث إننا شعب أقام الإسلام بين أفراده تكافلا يعبدون الله فيه، فإنني أعتقد أنه علينا أن نفكر بحلول ابتكارية تنطلق من هذا المفهوم السامي (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاونهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) لمعالجة الآثار السلبية لتلك الكارثة التي تكاد تكون قد أصابت كل بيت.
أقول هذا ونحن ـ ولله الحمد والمنَة ـ ننعم بقيادة حكيمة وضعت المواطن السعودي في قمة أولوياتها، كما ننعم بفوائض مالية كبيرة تعزز مقدرتنا في وضع الحلول الناجعة، كما ننعم بأخوة لنا ميسورين يعز عليهم أن يروا إخوانهم المواطنين وهم يعانون من الآثار السلبية للخسائر المالية التي أصابتهم كحالة اجتماعية عامة، كما ننعم أيضا بمؤسسات مالية وغير مالية تلتزم بالقيام بمسؤولياتها الاجتماعية تجاه عملائها والبيئة التي تنشط بها وتحقق من خلالها الأرباح الكبيرة، وكل ذلك يشكل أرضية خصبة لوضع الحلول المبتكرة وغير المألوفة والتي تتناسب وثقافتنا وهويتنا الإسلامية التي تحضنا على التكافل والتعاون أفرادا وجماعات (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
وبالتالي بإمكاننا تطبيق مقصد التكافل الاجتماعي الذي يحث أفراد المجتمع على المشاركة في المحافظة على المصالح العامة والخاصة ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية بحيث يشعر كل فرد فيه أنه إلى جانب الحقوق التي له أن عليه واجبات للآخرين وخاصة الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهم.
ومن الأفكار التي أعتقد أنه يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وتطور لتصبح واقعا، فكرة إنشاء صندوق تكافلي للمتضررين من سوق الأسهم تكون موارده من الدولة بحيث تساهم بملياري ريال مثلا، والبنوك بحيث تساهم بمبالغ مالية وتسوي أوضاعها مع المقترضين ومن قدمت لهم تسهيلات على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، ومن هيئة السوق المالية بحيث تدعم الصندوق من خلال ضخ أموال الغرامات المالية التي أوقعتها وستوقعها على المخالفين، ومن الميسورين أصحاب الأيادي البيضاء الذين يرجون ثواب الله برفع المعاناة عن إخوانهم المتضررين.
وأعتقد أنه بكل سهولة ويسر ومن خلال التعاون بين مؤسسة النقد وهيئة السوق المالية والبنوك يمكن تحديد الأشد ضررا بحيث تكون الأولوية لمساعدتهم بمبالغ مالية معقولة تخفف من معاناتهم وبما يوفر لهم سبل الحياة الكريمة، بمعنى أن يكون هذا الصندوق لمساعدة الحالات الصعبة وليس لتعويض الخاسرين، فهناك من يخسر وما زال قادرا على العيش بكرامة، وهناك من خسر بعضا من أمواله ليتحول من الطبقة الغنية إلى الوسطى وهؤلاء يستطيعون تجاوز تلك الأزمة والصبر على تلك المصيبة.
ختاما، قد يقول قائل: هل من المعقول إنشاء صندوق تكافلي لتعويض كل من تاجر وخسر؟ وأقول: لا بدون أدنى شك، ولكن هذه الحالة عامة جرفت الجميع ولم يستطع أحد مقاومتها إلا القلة القليلة. وآثارها السلبية قد تصيب المجتمع بآفات كبيرة، وبالتالي علينا أن نتكافل في معالجتها لنقي إخواننا المواطنين أصحاب الحالات الصعبة الضرر الذي قد يصيبهم وأسرهم، خاصة الأطفال الذين لا ذنب لهم في كل هذا. وكلي ثقة بأن هذا الاقتراح سيجد آذانا صاغية من قيادتنا الحكيمة الكريمة والإخوة ومؤسساتنا الحكومية والخاصة المعنية ومن الإخوة المواطنين الأعزاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي