تعلم الأطفال الادخار المبكر يؤدي إلى وجود جيل واع اقتصادياً (1)
عندما كتبت وتحدثت عن أهمية الادخار المبكر وفوائده المهمة لجميع المراحل العمرية كنت أحياناً أشير إلى الطفرة الاقتصادية الأولى في فترة السبعينيات والثمانينيات والتي أفرزت أجيالاً من الرجال والنساء الذين يتمتعون اليوم بقدر جيد من الرفاهية الاقتصادية. وقتئذ كان التعداد السكاني للمملكة يقل عما هو عليه اليوم بأضعاف كثيرة وكانت الظروف الاقتصادية على أبواب سلسلة من التحولات والتغيرات التي نشهد نتائجها اليوم من اختلافات كبيرة في مستويات وطرق المعيشة في العالم أجمع.
وفي سياق توعية الفرد وتثقيفه استثمارياً تندرج "السلوكيات الاقتصادية" كأحد أهم المواضيع التي لا يتم تناولها مبكراً في مجتمعاتنا، وهو أمر نعزوه جزئياً إلى ما شهدته المملكة من رفاهية على مدى العقود القليلة الفائتة.
ومسألة التربية المالية والسلوكيات الاقتصادية في سن مبكرة للأطفال والأجيال الناشئة تعتبر من الوسائل الفعالة والأساسية لإنشاء جيل واعٍ وناضج فكرياً ومادياً واجتماعياً ما يثري تقدير الذات self esteem ويمكنه من إدارة حياته باستقلالية ومهارة ويحرره فيما بعد من الإعتمادية الكلية على أهله في محطات الحياة الأساسية من تعليم وزواج وعلاج.
لذا أبدأ هنا باستعراض ما نشرته إحدى الندوات الأمريكية من توصيات وأساليب تربوية تتعلق بتعليم الطفل كيف يصبح ثرياً عندما يكبر. يذكر أن المبادئ والمثل التربوية التي قوامها ديننا الحنيف تظل خير ما يتبع لحماية النفس البشرية من الصفات السيئة كالجشع والتواكل والكسل، وكلها صفات استعاذ منها نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهجاها أغلب الفلاسفة والحكماء على مر العصور.
لذا سأستقي مما جاء في الندوة ما يمكن تطبيقه بمرونة في مجتمعاتنا (ولن أقول وفقاً "لتقاليدنا" لأن بعض التقاليد السلبية يجب أن تتغير للأفضل) بالإضافة إلى رؤيتي الشخصية في هذا المضمار.
1. تحديد نظرتك ورؤيتك الشخصية تجاه المال: هل تعتقد أن جني المال والدخل هو أمر ماتع ويثري روح التحدي والمضي قدماً أم أنه شر (ضرورة) لا بد منه؟ إذا كان جوابك هو الثاني فسوف يصعب عليك إقناع طفلك بأن الكسب وجني الثروة هو أمر إيجابي. وبصرف النظر عن رؤيتك تجاه المال فإنه من المهم تربية الطفل على تحمل المسؤولية المادية فيما بعد.
2. معرفة سلوكك الإنفاقي: إذا كنت ممن ينفق أكثر من دخله (وهو أمر يعتمد كذلك على تكاليف المعيشة الأساسية) وبشكل غير مسؤول فينبغي عليك أن تبدأ مباشرة بوضع ميزانية محددة والالتزام بها قدر الإمكان ومعرفة الجوانب السلبية في إنفاقك ومعالجتها فوراً. هذا التغير السلوكي سيسهم في جعلك مثالاً مباشراً يحتذي به أبناؤك.
3. مراجعة سلوكك الوظيفي والمهني: هل تكثر من تغيير عملك أو وظيفتك مع الشعور بعدم الرضا؟ في هذه الحالة يجب عليك مناقشة الأمر مع أبنائك لإفهامهم أنك ترغب ممارسة مهنة تحبها ليمكنك الوصول إلى أهدافك، فإذا أحب الإنسان عمله أصبح من السهل النجاح فيه.
4. تعريف الطفل بأهمية وأساليب التخطيط المبكر، فإذا كنت تحرص على أن يكون ابنك (أو ابنتك) طموحاً تشجعه على التخطيط والبناء التدريجي ولو ببداية متواضعة.
5. مراعاة ما نصف به الثراء والأثرياء أمام أطفالنا وما يفعلونه بأموالهم (من تبذير أو سفه) حتى لا تتوالد لديهم فكرة ارتباط المال بالفساد والشر، بل ينبغي إفهامهم أن المال هو نعمة إلهية ووسيلة لتحقيق الكثير من المنافع إذا أحسن الإنسان استخدامه.
6. قضاء "الوقت المفيد" مع أطفالنا لتعليمهم النماذج والمبادئ المعنوية المهمة في حياتنا. فللأسف يمضي العديد من الآباء وقتهم جله في العمل لتوفير المزيد من الرفاهية المادية لأبنائهم دون مراعاة القيمة المعنوية للتمتع بالنعم التي وهبنا الله إياها. ومن الطبيعي أن يقارن أطفالنا ما لديهم من ألعاب أو ملابس مع ما يملكه أصدقاؤهم وأقاربهم فنضغط على أنفسنا جسدياً وعصبياً لتوفير المزيد من المادة، بينما أن ما نحتاج إليه في الواقع هو تنوير بصيرة الطفل للتأمل في الأنعم الأخرى من صحة واستقرار عائلي وغير ذلك من النعم التي نملكها ولا "نراها". ويمكن ممارسة تذكر النعم أثناء "الوقت المفيد" بحيث نحكي لهم كل يوم قصة أو موقفاً مختلفاً يبين لنا نعمة جميلة لا نبصرها فتتوالد لديهم الطمأنينة والرضا والسعادة.
في المرة المقبلة –إن شاء الله- سأكمل حديثي في الموضوع نفسه من زاوية أطرح خلالها بعض الأساليب والأفكار التي يمكن استخدامها في تنفيذ ما جاء في هذا الجزء.