رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


صندوق المئوية لبنة أساسية في إعادة رسم منظومة قيم العمل ومفاهيمه

[email protected]

يقول الكاتب خالد أبو عرار في مقالة له بعنوان "الثقافة والمثقفون والحضارة", إن منظومة القيم والأفكار والمفاهيم لا تبقى نظرية بحتة، وإنما تتحول إلى قوة مادية حيوية في سياق التفاعل الاجتماعي، يقول ذلك بعد أن بين رأي المفكر الإيطالي جرامشي الذي وسع مفهوم المثقفين بعد أن اعتبر أن كل إنسان مثقف وإن لم تكن الثقافة مهنة له، ذلك أن لكل إنسان رؤية معينة للعالم، وخطاً للسلوك الأخلاقي والاجتماعي، ومستوى معيناً للمعرفة والإنتاج الفكري، حيث يملك كل إنسان مجموعة من القيم والأفكار والمفاهيم سواء كانت مأخوذة في سياق التعليم الأكاديمي أو المدرسي، أو كانت مكتسبة في إطار العلاقات الاجتماعية والتبادل الثقافي الاجتماعي العام.

وبما أن الثقافة من اكتشاف الإنسان باعتبارها مكتسبة وليست وراثية أو غريزية، وبما أن الثقافة تنتقل من جيل إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، من خلال العادات والتقاليد والقوانين والأعراف، وعملية النقل هذه تتم من خلال التعلم، مع إضافة كل جيل لما يكتسبه مما يطرأ على حياته من قيم ومبادئ وأفكار وسلوكيات جديدة نتيجة لتغير الظروف، وبما أن الثقافة قابلة للتعديل والتغير من جيل إلى آخر، حسب الظروف الخاصة بكل مرحلة، ويمكن للأجيال الجديدة أن تضيف قيماً ومفاهيم جديدة لم تكن موجودة لدى الأجيال السابقة، أقول بما أن الأمر كذلك فعلى المؤسسات الحكومية والأهلية أن تسهم كل من موقعها وفي مجالها لإحداث نقلة نوعية في منظومة القيم والأفكار والمفاهيم لدى أفراد المجتمع السعودي، وخاصة الشباب الذين يشكلون أكثر من 65 في المائة من السكان.
وفي اعتقادي أن ثقافة العمل, خاصة منظومة القيم والأفكار والمفاهيم المتعلقة بسلوكيات العمل (الانضباط، الاحترام، الإنتاجية، الصدق، والأمانة .. إلخ) يجب علينا الإسراع في معالجتها ذلك أن بلادنا تعاني بطالة هيكلية حيث يجد ملايين الوافدين أعمالا لهم, بينما يجلس عدد كبير من شباب البلد دون عمل (نحو 10 في المائة من طالبي العمل) لأسباب تتمحور جلها حول اختلالات في قيم وأفكار ومفاهيم الشباب تجاه العمل تمثلت واقعا في العزوف عن بعض الأعمال رغم عظم عائداتها مما أفسح المجال للوافدين لاستثمارها والاستفادة منها في تحقيق تلك العائدات التي تخرج غالبا من نظامنا المالي على شكل تحويلات بالمليارات من الريالات، كما تمثلت في اختلال في سلوكيات العمل، ما جعل الكثير من الشباب السعودي غير مرغوب فيهم لدى مجتمع الأعمال ما جعلهم يتجهون إلى الاعتماد على الوافدين كبديل ناجح أكثر انضباطا والتزاما وإنتاجا، ليبقى شبابنا يعاني البطالة ويعاني المجتمع إفرازاتها الخطيرة.
وفي ظني أن صندوق المئوية يمكن أن يكون لبنة أساسية في إعادة رسم منظومة قيم ومفاهيم العمل لدى الشباب السعودي, ذلك بأنه مؤسسة غير هادفة للربح تهدف للإسهام في تنمية الاقتصاد المحلي بتقديم الدعم المادي للشباب والشابات السعوديين لمساعدتهم على إنشاء مشاريعهم الخاصة وتوظيف سعوديين آخرين بدلا من البحث عن وظيفة، وتقديم خدمات مساندة لهم تتمثل في خدمات الإرشاد التي تمتد حتى ثلاث سنوات من بداية المشروع.
نعم, إن صندوق المئوية الذي أنشئ برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, يحفظه الله، ويعمل تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز يستطيع وهو يحظى بهذه الرعاية أن يسهم إسهاما فاعلا في إشاعة القيم المحفزة والمفاهيم السليمة والأفكار النيرة بين الشباب السعودي لتشكل دافعا داخليا يدفعهم للعمل والإنتاجية والعطاء بما يجعلهم عناصر منتجة فاعلة في التنمية لا عناصر معطلة خاملة تشكل عائقا أمام خطط التنمية وهدرا للطاقات والإمكانات.
صندوق المئوية الذي يهدف -بمساندة رجال الأعمال السعوديين- إلى مساعدة الشباب من المواطنين والمواطنات الذين يسعون إلى تحقيق استقلال اقتصادي ذاتي ولديهم الرغبة في مزاولة الأعمال التجارية الحرة، وحقق نتائج باهرة في هذا المجال رغم قصر عمره، يستطيع أن يضع هدفا مهما موازيا لمهمته الأساسية، حيث يستطيع أن يقوم الصندوق بإعادة رسم منظومة قيم ومفاهيم العمل لدى الشباب السعودي من خلال جميع الوسائل والأنشطة الاتصالية التي يستخدمها للتعريف بمهمته وتطلعاته وإنجازاته، نعم يستطيع أن يقوم بذلك كقيمة مضافة يستفيد منها كل شاب سواء أراد الاتجاه إلى التشغيل الذاتي أو أراد العمل لدى الغير.
دون شك أن ذلك سيجعل نتائج صندوق المئوية أكثر تأثيرا في بيئة العمل السعودية، خاصة إذا قام الصندوق بدراسة واقع منظومة القيم والأفكار والمفاهيم السائدة لدى الشباب السعودي حاليا ثم وضع خطة اتصالية متكاملة تتماشى مع خطته الاتصالية الأصلية لإشاعة القيم والأفكار والمفاهيم السليمة والمحفزة للسلوك الإيجابي للشباب السعودي, الذي بدوره يعزز قدراتهم التنافسية للفوز بالوظائف المتاحة لدى القطاع الخاص. وفي ظني أن هذا ممكن ومتاح وسيجد الدعم اللامتناهي من لدن خادم الحرمين الشريفين – أيده الله – والأمير عبد العزيز بن عبد الله, حفظه الله, ومن كل الداعمين والمتبرعين للصندوق والوسائل الإعلامية كافة.
ختاما, قد يبدو للبعض وللوهلة الأولى أن مهمة بناء منظومة القيم والمفاهيم مهمة كبيرة يجب أن تتصدى لها وزارة التربية والتعليم في المقام الأول والمؤسسات الثقافية في المقام الثاني. وأقول نعم, هي مهمة كبيرة وعلى جميع المؤسسات التعاضد للقيام بها على أكمل وجه، وستكون النتائج باهرة لو أن كل مؤسسة أسهمت في تعزيز القيم والمفاهيم ذات الصلة بنشاطها، لنحصل كمحصلة لتلك الجهود على مواطن يتمتع بمنظومة من القيم والمفاهيم المحفزة للسلوك القويم الإيجابي ليخرج من دائرة العجز إلى دوائر الابتكار والإبداع والعطاء بلا حدود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي