لنعط فرصة للقيادات الشابة للعب دور أكبر .." حضور بحث عن مكان"!
بداية فإن الجزء الأخير من العنوان أعلاه, الذي وضعته بين مزدوجين هو ليس من عندي، ولكنه كان عنوان ملتقى شباب الأعمال الأول الذي عقد برعاية كريمة من الأمير سلمان بن عبد العزيز وبتنظيم من لجنة شباب الأعمال التي أصبحت وخلال عمرها القصير عنصرا فاعلا في قطاع الأعمال ولها مشاركات جيدة في تحقيق ولو جزء من طموحات الشباب, وهي بقيادة عدد من الشباب الذين يخلصون في خدمة الوطن دون كلل أو ملل. وكان الملتقى الأول لشباب الأعمال إحدى نتائج جهود اللجنة, إضافة إلى مشاريع أخرى حققت نتائج جيدة, منها خلق حلقة وصل وتواصل بين الجيل المؤسس من رجالات الأعمال والجيل الجديد سواء جيل أبناء رجال الأعمال أنفسهم أو من الشباب الذين برزوا بجهودهم الذاتية. وكان بالفعل العنوان يعكس الواقع وكان اختيارا موفقا، حيث الحضور موجود، ولكنه لا يزال يبحث عن مكان له في هذا الزخم من التطورات التي تشهدها المملكة على مختلف الصعد. وفي تصوري أن هذه الورشة الكبيرة من الإصلاحات والتطورات المتلاحقة يجب أن يتحمل الشباب جزءا منها تفكيرا وتنظيما وتنفيذا! لذلك تعمل اللجنة حالياً على عقد الملتقى الثاني في الربع الثاني من عام 2007، وأعتقد أنه سيكون مميزا أكثر من التجربة الأولى.
كل ما هو حولنا شباب، وحسب الإحصاءات، فإن نحو 60 في المائة من المواطنين هو من الشباب. كما أن الأمم تخطط للأجيال اللاحقة بقدر تخطيطها للوضع الراهن. كذلك نحن نعيش في بدايات البدايات فيما يتعلق بتأسيس أمة بدأت تنتفض من تحت الرماد، ومسيرات الأمم المستقبلية تقاس بمؤشرات الحاضر، ومدى اهتمامها بالأجيال والبراعم. وأكبر دليل ما صدر أخيرا من نظام البيعة الذي يدل على قراءة المستقبل الذي يحمل رايته الشباب.
عنصر الشباب لدينا لا يقبل أنصاف الحلول فإما أن يكون ميزة لنا وإما تحديا يحسب علينا عدم الاستفادة منه. طبعا لا يمكن أن تكون الإجابة عن سؤال: أين نحن من هذا العنصر الرئيس في التركيبة الديمغرافية مطلقة، فلا هي نعم ولا هي أيضا لا، وما بينهما أمور متشابهات. وقد يظهر هذا الكلام تناقضا واضحا في كلامي ولكن تلك هي الحقيقة، وبالتالي علينا تعظيم الإيجابيات ليكون عنصر الشباب ميزة والحد من السلبيات حتى لا يكون عنصر الشباب سلبية وخطرا من جملة الأخطار التي علينا مواجهتها, لا سمح الله.
لا أحد يستطيع الإنكار أن هناك جهودا جبارة يقوم بها صانعو السياسة الاقتصادية للمملكة وعلى رأسها المجلس الاقتصادي الأعلى بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, حفظه الله, ونخبة من الخبرات الاقتصادية السعودية التي لديها من التراكم المعرفي والخبرة الطويلة ما يشفع لها بأن تقود اقتصادا ناشئا مثل اقتصادنا السعودي.
ولا أحد يستطيع إنكار الجهود التي تبذلها الجهات التنفيذية من وزارات وهيئات حكومية كل في قطاعه، وهي جهود بدأت تظهر بشكل واضح في الآونة الأخيرة ومن خلال إعلانها خططها واستراتيجيتها المستقبلية. ولكن ما يقلق ويريب أننا لا نرى الصورة الكاملة، بمعنى أنه لدينا صور كثيرة لا نرى بينها رابطا يأتي من جهات شتى كل يدعي أنه يسعى إلى خلق بيئة اقتصادية مناسبة للاستثمار والتنمية. وما نود قوله إنه من المناسب أن نرى الصورة الكاملة من خلال رؤية عامة لما نرغب أن نحققه ونصبو للوصول إليه. وذلك من خلال توظيف نقاط القوة الموجودة لدينا والعمل على تلافي نقاط الضعف الواضحة في اقتصادنا وفي بيئتنا الاقتصادية، وعلى رأسها الجانب البشري "الشباب" الذي يعتبر عمود الخيمة ومن دونه فلن نستطيع نصبها كما نريد ونتمنى. والواضح أن المعالجات المبعثرة هنا وهناك أن عنصر الشباب أصبح عبئا ومشكلة يجب التعاطي معها، بينما المفترض أنها ميزة يجب توظيفها بالشكل الذي يخدم الأهداف الوطنية.
يجب علينا الاهتمام بالقيادات الاقتصادية الشابة والعمل على تهيئتها لقيادة دفة اقتصاد شاب ويمثله 60 في المائة من شباب وما دون الشباب ولديهم تطلعات وطموحات يجب مواكبتها وإلا خسرناهم وخسرنا أهم ما يميز الشباب وهو الحماس والرغبة في لعب دور مهم في تنمية وطنهم ورفعته. وأرجو ألا يفهم من كلامي أن هناك مطالبة بتنحية الخبرات والكفاءات الموجودة التي لعبت ولا تزال تلعب دور الريادة في التنمية منذ عقود، ولكننا نقول إنه يجب أن يكونوا قدوة لشبابنا بما سبقوهم من تجارب, حيث نجد أن الخبرات لها أماكنها التي تؤدي من خلالها دورا لا يقل عن دور القيادات المباشرة. وهذا الدور يتلخص في وجودهم في مجالس الشورى والجهات البحثية ودور الدراسات والاستشارات حيث لا يمكن للقيادات الشابة أن تستغني عن نصيحة وخبرة هؤلاء الخبراء الذين عصرتهم التجارب وصقلتهم صنوف الحياة. وعليهم, أي القيادات الشبابية, أن يكون هؤلاء الخبراء نبراسهم والشمعة التي تضيء لهم دروب العمل الطويلة والشاقة، أما أن يتركوا الشباب دون إعطاء دور مناسب لهم وفي الوقت المناسب فإن ذلك يعني خطرا داهما علينا جميعاً, إذ سنخسر الخبراء والكبار وكذلك الشباب، فمن لم يعط الفرصة في وقتها المناسب فإنه سيذبل مثل وردة لم تكمل أيامها لغياب الضوء والماء عنها.
كذلك ينطبق الحال على القطاع الخاص سواء فيما يخص الشركات والمؤسسات العائلية أو فيما يخص الشركات العامة، التي هي في حاجة إلى إثبات أنها مصنع للشباب، وهو الأمر الذي لا يزال في حاجة إلى إثبات وتأكيد! ونقرأ ونسمع عن النقص الحاد في الكفاءات البشرية فما بالك بالقيادات في الوقت نفسه الذي نجد نسب البطالة عالية، أعتقد أننا فعلا في مرحلة يجب أن نجعل هذا الموضوع أولوية، ليس بالتوظيف ولكن بتأهيل القيادات الشابة قبل التأهيل للوظائف والمهن.