إنجاز مشاريع الخطة الثامنة في مرحلة الحسم (2/2)
استكمالا للحديث عن أهمية إنجاز مشاريع الخطة الثامنة دون تجاوز فترة التنفيذ, أحاول هنا تسليط الضوء على الأهداف المحددة لأهم القطاعات الخدمية. وفي قطاع تنمية القوى البشرية العاملة, الذي لم يفتأ مسؤول أو مفكر سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي إلا ووضعه هدفا أساسيا في الخطط التنموية على مستوى المملكة والخليج أيضا. وذكر في الخطة أن القوى العاملة الوطنية تزداد سنويا بنسبة 5.13 في المائة, فهل هذا يعني أنه بعد عامين من بداية الخطة الحالية وصلت نسبة الزيادة 10.26 في المائة؟. ثم أنه في المقابل ذكر أن العمالة الوافدة ستتناقص بنسبة 1.17 في المائة فهل فعلا وصلت لنسبة 2.34 في المائة وبالتالي تحققت المعادلة بين زيادة نسبة العمالة الوطنية مقابل تناقص العمالة الوافدة, أي ارتفعت نسبة العمالة الوطنية إلى العمالة الوافدة لنسبة 4 في المائة مثلا؟. وفي ذات السياق ففي خطة وزارة التربية والتعليم ذكر أن متوسط عدد الطلبة المستجدين في المرحلة الابتدائية سنويا سيكون 2.1 في المائة مما يعني أن متوسط التخرج من المرحلة الثانوية سيكون تقريبا مجاورا لهذه النسبة نفسها - ولكن لا توازيها - لعلمنا أن هناك نسبة تسرب تحسب على مدى مراحل التعليم العام الثلاثة. هذا يقودنا للتساؤل: وهل تم التنسيق بين وزارتي التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي لاستيعاب الخريجين من دون أن تتعذر الجامعات بضعف الإمكانات ومحدودية السعة في القبول الفصلي أو السنوي؟. أما من ناحية المباني المدرسية فللأسف لم تتطرق الخطة إلى مدى زمني أو آلية محددة للتخلص من المباني المستأجرة مع إنها تبلغ 60 في المائة من المباني المدرسية إجمالا, مما يجعل عملية الإحلال مع تنامي الأعداد مستحيلة. من ناحية أخرى في ظل عدم تحديد إطار زمني ونوعية معينة من المباني وللبنات أو البنين فسيستمر أبناؤنا وبناتنا في السنوات الـ 20 المقبلة بين المطابخ وغرف الجلوس وغرف النوم, وهذا وضع غير صحي يستوجب تدخل الإدارات العليا لرسم حدوده من الآن.
وفي مراجعة للشؤون الصحية فقد تقدمت وزارة الصحة بخطة حوت فيها افتتاح وإنشاء مراكز صحية ومستشفيات ومعاهد وكليات صحية لترتقي بالخدمة وتواجه بها حجم الطلب المتزايد على الخدمات الصحية, إلا أن عملية الزيادة لابد أن ترتبط بخطة سنوية يتوقع بها تحقيق الأهداف المحددة, فهل إنجاز المشاريع يسير وفقما خطط له فعليا؟. ما يدعو للقلق هو موضوع التوسع في برنامج الضمان الصحي الذي لم يحدد بنسب تغطية أو حجم انتشار مما يعني أن معايير تحديد إنجاز البرنامج تظل في مكاتب الوزارة إلى أن تبدأ الحديث عن النظام على الشبكة العنكبوتية في نشر التقارير السنوية والدورية بانتظام مشتملة على مستوى الإنجاز. من ناحية أخرى، تظل هناك خطة طويلة المدى للتوعية الصحية التي هي من مهامها الأساسية, لذلك يحتمل أن نرى في الصحف ملامحها, وفي مراكز الرعاية الصحية آثارها, وعلى الإصحاح العام مفعولها. فإعلامنا لا يفتأ ينقل لنا أخبارا عن تفشي أمراض معدية, وازدياد حالات التسمم الغذائي, وزيادة السمنة, وشراهة التدخين, وضعف متابعة النساء الحوامل للحمل, وإهمالهن الفحص الخاص بسرطان الثدي, مع زيادة الحاجة للمصحات النفسية لمواجهة ما عصف بالمجتمع من مشاكل خلال العقود الثلاثة الماضية. فهل بلغت نسبة إنجاز المشاريع مداها المتوقع السنة الثالثة من هذه الخطة؟.
أما زراعيا فوزارة الزراعة في أحد فصول الخطة وضعت أهدافا محددة متوقعة بها نموا سنويا للقطاع يبلغ نحو 3.2 في المائة لتنجز فيها ثمانية أهداف رئيسة وكل منها بأهداف فرعية لتكون على مشارف نهضة زراعية غير مسبوقة, نكون فيها قد تحولنا من زراعة الحبوب والأعلاف إلى زراعة الخضراوات والفواكه, وشيدنا سدودا و(عقوما) واستخدمنا الصرف الصحي للري وعززنا القدرة التنافسية للنشاطات الزراعية. فما هو مستوى الإنجاز خصوصا وأن الأخبار دائما ما تبشر بمستقبل زراعي جيد للمملكة, ولكن لعدم ذكر نسب مستهدفة في هذا القطاع, فلا أدري كيف سنستطيع قياس التقدم في إنجاز مشاريع الوزارة دون تحويل النصوص إلى أرقام. مثله مثل قطاعات النقل والكهرباء والاتصالات... إلخ. والتساؤل سيتكرر عن معيارية العرض ونسبة الإنجاز وتحقيق الأهداف المحددة بنهاية الخطة الحالية, فمتى سيخرج لنا أول تقرير عن مستوى إنجازها؟ إما شبابيا وهذا ما يهم أكثر من نصف مجتمع المملكة, فقد حوت الخطة آمالا عريضة في أهدافها العامة والمحددة ولكن لأن الأهداف المحددة هي ما يركز عليه المواطن فلم يشر إلا إلى إنشاء 15 ناديا ستفتتح خلال الخطة الثامنة مما يعني انفراجا كبيرا في زيادة قاعدة التنمية الرياضية مع عام 29/30هـ. وإذا ما تطرقنا إلى الحديث عن الرياضة خلال الخطط الخمسية الثلاث المقبلة، فالإجابة مازالت لدى الرئاسة العامة لرعاية الشباب!.
إن الخطة الخمسية الحالية تتميز بأنها منعطف تاريخي في إنجاز المشاريع والإفادة منها على مستوى الفرد والمجتمع. فقد جُعل الإنسان في هذه الخطة هدفها الأساسي في تحقيق متطلباته المادية، والثقافية، والروحية، لأنه بلا شك جوهر القضية. وتميزت ولأول مرة بتخصيص أبواب مستقلة للاستثمار، والخدمات المالية، والاتصالات وتقنية المعلومات، والمعلومات الإحصائية, لاعتبارها المرحلة الأولى من استراتيجية تعزيز الاقتصاد السعودي المكونة من أربع مراحل كاملة مقبلة، بإذن الله. من الطبيعي أن تركز المرحلة الأولى على التوسع الكمي والنوعي في الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية, وتنويع القاعدة الاقتصادية لتحسين إنتاجيته وتعزيز قدراته التنافسية محلياً وعالميا. ولكن لابد أن تكون المراحل الثلاث المقبلة ترجمة لتجويد وتطوير كلما تم إنجازه لتحقيق النمو المطرد بتوازن يكفل ديمومة النماء على قواعد صلبة وواعدة. بقي أن ننوه إلى أن الخطة افتقدت في كثير من القطاعات الأهداف المحددة ونسب التطور المتوقعة والمستهدفة مما يدعونا إلى وضع هذه الملاحظة أمام وزارة الاقتصاد والتخطيط لتكون الخطة الخمسية التاسعة نموذجية الأعداد مبنية على مشاركة المناطق في إعدادها ليتحمل المجتمع تحقيق متطلبات التنمية الشاملة كافة؟.والله من وراء القصد.