رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


افعل شيئا .. يا بيكر

هذا العنوان على غرار المسرحية العالمية "افعل شيئا .. يا مت" للكاتب التركي عزيز نسين، ولأن الرئيس بوش جاء على خشبة نجاة أسعفه بها وزير خارجية والده السيد جيمس بيكر في سباق الانتخابات الرئاسية التي تنافس فيها كل من "الجور" نائب الرئيس السابق بيل كلينتون ممثلا للحزب الديمقراطي، وبوش الابن ممثلا للحزب الجمهوري، حيث أسفرت عمليات فرز الأصوات في جميع الولايات عن فوز "الجور" غير أن لغط فرز الأصوات في ولاية فلوريدا التي يحكمها "جيب" أخو بوش أدخل إلى المشهد جيمس بيكر للمعاضدة القانونية والتحكيم الذي انتهى بإعلان بوش الابن فائزا برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بقرار من المحكمة العليا التي كان يرأسها قاض كان بوش الأب هو من سعى إلى وضعه في هذا المنصب.
إذاً.. دخل بوش البيت الأبيض على خشبة نجاة صنعها له جيمس بيكر بكلمته المشهورة: عدم تغيير شروط اللعبة.
اليوم يستنجد بوش الابن بجيمس بيكر للمرة الثانية لعله يصنع له خشبة خلاص تنجو به من الغرق في مستنقع الحرب في العراق. فالشارع الأمريكي وتوجهات مجلسي الكونجرس (البرلمان ومجلس الشيوخ)، اللذين أصبحا أكثرية في جانب الحزب الديمقراطي يضغطان في اتجاه التحقيق في المبررات التي تم على أساسها شن الحرب على العراق وتوريط الجيش الأمريكي هناك بما يعنيه من خسائر بشرية ومالية وعتادية، فضلا عن سمعة تزداد سوءا بالنسبة لأمريكا في العالم. بل تتجه النيات للنواب والشيوخ ومعهما الإعلام إلى فتح ملف عهد بوش برمته وما أحاط به من قضايا الفساد والانتهاكات غير الأخلاقية وفي مقدمتها فضائح سجن أبو غريب وجوانتانامو والسجون السرية الأمريكية في بقاع أخرى من العالم.
من هنا يبدو أن إدارة الرئيس بوش الآن تصرخ بالحاح: "افعل شيئا .. يا بيكر!!"، فالرجل الذي امتلك القدرة على السير في الشبكة المعقدة لفرز الأصوات وما يحيط بها من أفخاخ سياسية وقانونية ووضع الرئيس بوش الابن في المكتب البيضاوي لا بد أنه أيضا يمتلك قدرة على إيجاد صيغة ما لحفظ ماء وجه إدارة بوش وتأمين غطاء مستساغ لتبرير الانسحاب دون شماتة إلحاق عار الهزيمة بجيش الدولة العظمى في عهده.
الغريب أن بوش لم يتردد رغم شعار "افعل شيئا .. يا بيكر" عن الإشادة بدور وزير دفاعه المستقيل رامسفيلد وخلع مأثرة الخلود عليه باعتبار أن التاريخ سيسجل له إنقاذ العالم من الإرهاب بشنه حربا غاشمة على شعب تحت مزاعم أكذوبة الدمار الشامل والعلاقات مع القاعدة .. بينما العالم كله وقف شاهدا على فظاعة التضليل والافتراء اللذين أغرقا العراق في مذبحة مروعة اجتذبت إليه المتطرفين وتجار الحرب فخلطوا شنائعهم بكفاح المقاومة الوطنية فأصبحت أرض الرافدين مسرحا للقتل والرعب والدمار، لأن رامسفيلد المنقذ من الإرهاب تفتق ذهنه العبقري عن حل فصائل الجيش وقوات الأمن والشرطة في العراق، وأسلم البلد لسعير الفوضى فلم يستطع لا جيشه الغازي ولا الحاكم العام بريمرز ولا خليفته ولا غيره من السيطرة على الفلتان الدموي الرهيب.. فهل يفلح بيكر في إيجاد مخرج سحري من هذه الكارثة يحفظ لأمريكا ماء وجهها، إن كان قد بقي فيه ماء؟!
لقد حدث في أوائل السبعينيات مثل هذا الموقف لإدارة الرئيس ريتشارد نيكسون فقد حاول في مباحثات باريس مع الفيتناميين الوصول إلى اتفاقية سلام ينسحب بموجبها الجيش الأمريكي كما لو كان قد قرر ذلك بنفسه حفظا لماء الوجه .. لكن العالم كله قد عرف بهزيمة أمريكا المنكرة قبل أن يجف حبر الاتفاقية.
إن مخرجا مثل هذا قد يوفق إليه السيد بيكر يضمن للجيش الأمريكي انسحابا مجدولا زمنيا وموضوعيا، لكن لن ينجو هذا الجيش مرة أخرى من دمغه الهزيمة وختم العار .. غير أننا نتطلع (رغم كون الانسحاب متى حدث هو هزيمة بالفعل)، بألا يكون مدعاة لما هو أخطر وأفدح على العراق والمنطقة .. لو حدث مثل هذا سيكون السيد جيمس بيكر هذه المرة أقرب للخلود في التاريخ وأحق به من رامسفيلد الذي أجج الإرهاب بدلا من لجمه!! ولو حدث هذا لربما غفر التاريخ لجيمس بيكر شطارته غير النظيفة في تمرير رئيس للبيت الأبيض كان منافسه أحق به وأجدر!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي