علم القانون .. تدريس النظرية أم الواقع ؟

علم القانون ليس علماً نظرياً فقط رغم أن الجامعات والمعاهد تقتصر في الغالب على تدريس الجانب النظري فمن يطلع على المناهج المعتمدة لتدريس القانون وخصوصاً في الوطن العربي يجد أن تدريس النظريات القانونية هو المنهج المعتمد في التعليم بكليات الحقوق وأقسام القانون والأنظمة حتى في الدراسات العليا التي يفترض أنها تعطي شيئاً في الاهتمام بتدريس الواقع. وإذا كان هذا النهج مقبولاًَ في مرحلة التعليم الجامعي وفي السنوات الأولى فإنه يبدو إغراقاً في الجانب النظري ليس له مايبرره خصوصاً بعد أن يكون الطالب قد حصل على الإلمام الأساسي بنظرية الحق ونظرية القانون ونظرية العقد ونظرية الجريمة ونظرية الدعوى وغير ذلك في النظريات التي تلازم الطالب طيلة الدراسة الجامعية.
إن أساتذة القانون في الجامعات يصرون على التزام التعليم النظري البحت, ويبدو أن ذلك هو الأسهل حيث أن لكل فرع من فروع القانون نظريات يقوم عليها وهي بضع نظريات مع دراستها وتكرار تدريسها أصبحت محفوظة عن ظهر قلب مما يخفف عبء نقل المعلومة من الأستاذ إلى الطالب وفي حدود المنهج المقرر فقط بعيدا ً عن نصوص التشريعات السائدة وبعيدا ً عن واقع التقاضي وتنفيذ الأحكام والإجراءات المتبعة ومعوقات مهنة المحاماة في الجنايات وقضايا الحق الخاص وتفاصيل دعاوي التحكيم وبمعنى آخر بعيدا ًعن تلك المهارات التي يجب أن يكتسبها الطالب في مرحلة الدراسة الجامعية.
إن كليات الحقوق وأقسام القانون لا تدرس شيئاً عن الواقع فهي تقتصر على تدريس القانون فقط وهو ما يطرح تساؤلاً عن نتائج المقارنة حول الأفضلية بين ذلك المنهج التعليمي وبين المنهج المعمول به في كليات ومعاهد القانون التي تتبع النظام الإنجلو أمريكي الذي يعكس طريقة تقديم المعلومة حيث يتم نقيض ما هو معمول به في النظام اللاتيني, وذلك أن الفكر الأنجلو أمريكي يؤمن بأن أفضل طريقة لتعليم القانون يعتمد على دراسة القضايا والحالات والدعاوى وذلك باستعراض الوقائع وطلبات الخصوم وإجراءات التقاضي التي اتبعتها المحكمة أو هيئة التحكيم وأخيراً قرار المحكمة الذي أصدرته.
إن هذا النهج يؤدي في نهاية المطاف إلى إلمام الطالب بالنظريات القانونية حيث أن تدريس الواقع بهذه الصورة العملية يكسب الطالب أولاً القدرة على التعامل مع القضايا وإعمال الذهن والنقاش من خلال قاعة الدراسة مع زملائه وممارسة النقد واكتساب مهارة النقاش وتأييد فكرته بما هو منصوص عليه في التشريعات وإذا تصورنا الكم الهائل للقضايا التي يدرسها الطالب أو يساهم في مناقشتها فإننا نجد أنه يندر أن يبقى موضوعاً ذا أهمية في علم القانون لا يتم دراسته من خلال تلك الوقائع التي تتناول الجوانب الموضوعية في الحقوق العامة والخاصة والجوانب الإجرائية في المرافعات والإجراءات الجزائية.
لقد أثبت الواقع أن كثيراً من خريجي القانون وأيضاً كليات الشريعة يفتقرون إلى المهارات الأساسية التي يجب أن يكتسبها من اختار طريق العمل الحقوقي سواءً كان قاضياً أم مدعياً عاماً أم محققاً أم مستشاراً أم محامياً, ولعل المقدرة والملكة الذهنية التي محورها إعمال الذهن والتفكير المنطقي أبرز تلك المهارات التي يجب التأٍسيس لها وبناء قاعدتها في مرحلة الدراسة الجامعية. فهل نشهد نمطاً متميزاً لتدريس القانون في جامعتنا يعطي الواقع ما يستحقه من عناية ليس لأنه الواقع فحسب بل ولأنه الميدان العملي للنجاح أو الفشل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي