هل تلعب البنوك المحلية دورها القيادي في معالجة البيئة الاستثمارية؟
ثمة إجماع بين كافة المعنيين بالشأن الاقتصادي عموما والمالي على وجه الخصوص، بأن البنوك السعودية تغط في العسل لأنها تنعم بحماية مؤسسة النقد العربي السعودي التي تتشدد في اتخاذ الاحتياطات كافة للحفاظ على متانة النظام المالي السعودي من الوقوع في أي أزمة حتى ولو كانت إفلاس بنك واحد سيئ الإدارة، نعم بنوكنا تنعم بالتدليل الكامل من قبل مؤسسة النقد، كما تنعم بمجتمع ذي ثقافة دينية تحذره من الوقوع في الربا بشكل دفعه لإيداع أمواله دون فوائد، مما جعلها تمد أرجلها على العملاء وعلى المجتمع وعلى الاقتصاد وحتى على الدولة حينما لجأت للاقتراض منها حيث وضعت بنوكنا خدمة دين عالية (نحو 9 في المائة) يمكن للدولة أن تحصل على أقل منها بكثير لو أنها اقترضت من بنوك خارجية، ولكنها لم ترغب في ذلك.
وثمة إجماع أيضا بأن بنوكنا لم تنخرط في العملية التنموية كما هو متوقع منها كشركات قيادية قادرة على التصدي للعوائق لإيجاد بيئة استثمارية تمكنها من تحقيق أهدافها بتحقيق أهداف كافة الأطراف ذات الصلة (المودعين والمستثمرين والحكومة) لا على حساب أي منها كما هو حاصل الآن، حيث لعبت دورا سلبيا في التنمية بتعزيزها الاستهلاك على حساب الإنتاج، حيث قامت في الفترة 2003 - 2005م بأكبر حملة إقراض وتسهيلات طالت أغلب المواطنين بضمان رواتبهم وهي تعلم علم اليقين أن معظم هذه القروض ستتجه إلى سوق الأسهم المتشبع بالسيولة، حتى وصل حجم القروض الاستهلاكية إلى رقم فلكي، فقد بلغ حجم هذا النوع من القروض 160 مليار ريال في نهاية عام 2005م.
ولا ألوم الدكتور عبد الله الفايز في مقالة له في صحيفة "الاقتصادية" وهو يتساءل بلسان حالنا جميعا، حيث يقول ماذا قدمت البنوك للاقتصاد الوطني غير محاولة الاستفادة من الودائع والقروض أو التقسيط وبعمولات عالية لا يستفيد منها إلا البنوك التي تقوم باستثمارها في صناديق دولية لتستفيد أرباحا عالية لا ترد للمستهلك منها كعائد إلا القليل، وأضيف ليتها وهي تعلن أرباحها الجنونية التي تشير إلى مدى امتصاصها لدماء المساكين حتى الجفاف، أقول ليتها توضح ماذا فعلت لتسهم في تنمية البيئة التي تنشط فيها؟ وما القيمة المضافة التي تقدمها لأفراد المجتمع السعودي الذين يشكلون المصدر الرئيسي لأموال تلك البنوك وأرباحها؟
لا شيء يستحق أن يذكر، نعم لا شيء يتناسب وحجم الفرصة التي تقدمها الحكومة والمجتمع لتلك البنوك، حيث انعدام الضرائب وتحريم الفوائد (أموال دون تكاليف)، ذلك أن بنوكنا كما يقول الكاتب نواف مشعل السبهان تسعى فقط إلى الاستثمار السريع وجني المكاسب الأسرع على قاعدة "كل الفطير وطير"، وأقول نعم هذا ما نشعر به جميعا حيث لا نرى نظرة استراتيجية لتلك البنوك تجعلنا نطمئن إلى مستقبل اقتصادنا لوجود بنوك تساند قوى الإنتاج برفع قدراتهم وإمكانياتهم المالية بما يعزز قدراتهم التنافسية والإنتاجية، سواء كانت هذه القوى الإنتاجية مؤسسات صغيرة أو متوسطة أو كبيرة.
وأكاد أجزم أن بنوكنا تعاني من ضعف شديد في إداراتها، حيث تعاني من قصور واضح في الإدارة الاستراتيجية القادرة على خلق الأسواق المستمرة المحققة لمصالح الجميع، فما نراه أمامنا إدارة كما يقول الكاتب الاقتصادي الفضل بوعينين إدارة تعتمد على خبراتها السوقية لا إدارة متخصصة تعتمد على تخصصها العلمي في نهجها الاستثماري، والإدارة التي أقصدها هنا هي الإدارة على جميع المستويات، ومن شاء أن يتأكد من ذلك الضعف فليتحاور مع ثلة من مديري الإدارات ليرى مدى الضعف والهزال الإداري لديهم، حتى تسأل أحد المتعاملين مع البنوك عما إذا كان هناك فرق عمل مخفية تدير تلك البنوك من خلف الكواليس، وفي ظني أن هذا الضعف يتضح أكثر وأكثر في الإدارات المسؤولة عن تمويل المؤسسات Coorporate Finance حيث تتضح ضآلة الابتكار والإبداع بشكل واضح جلي.
وللعلم، إن بعض بنوكنا من خلال إدارة تمويل المؤسسات تتحرك بكل همة ونشاط لشراء ديون الشركات المستوردة للسلع (خاصة شركات السيارات)، تلك الديون المضمونة التي لا تعاني من نسب عالية في التخلف عن السداد، وهي تعلم علم اليقين أن هذا النوع من التمويل ما هو إلا دعم للمصدر الأجنبي، حيث تسهل البنوك شراء منتجاته من قبل المواطن والمقيم من خلال إيجاد دورات مالية متتالية بين المصنع والمستورد والبنك والمستهلك، وأقول ليتها فعلت مثل ذلك مع المنتج المحلي، ليتها فعلت ذلك مع شركات التطوير العقاري لتغطية الطلب المتزايد على الإسكان على الأقل، لوقفنا لها احتراما وتقديرا لأنها أسهمت في تعزيز قدرات المطور المحلي وعززت العرض على حساب الطلب بما يشكل استقرارا لأسعار المساكن وإيجاراتها التي يعاني المواطن المسكين منها اليوم أشد معاناة.
ماذا نريد من البنوك؟ نريد أن تلعب دورها المطلوب في معالجة البيئة الاستثمارية التي جعلت من عوائقها سببا رئيسيا للعزوف عن دعم التنمية الشاملة والمستدامة في البلاد، وهي تعلم علم اليقين مدى تأثير هذا العزوف على الحركة الاقتصادية ذات الآثار البالغة على الحركة الاجتماعية والثقافية، نريدها أن تحول العوائق إلى تحديات ثم تضع وتطبق الخطط الاستراتيجية والتكتيكية الكفيلة بالتغلب عليها بالتعاون مع شركاء التنمية في البلاد سواء كانوا من القطاع العام أو الخاص أو النفع العام غير الربحي، لتكون البنوك عنصر دعم وتعزيز لقدرات الأفراد والمؤسسات لتحقيق النجاحات المستهدفة بكافة أنواعها وأشكالها وصورها.
نريد أن نرى البنوك وهي مؤسسات مالية قيادية أن تكون صانعة قانون بدل أن تكون مطبقة قانون فقط، نريد أن نراها تتحمل مسؤولياتها في رفع جودة منتجاتها بما يسهم في رفع قوة النظام المالي ليكون داعما قويا لقدرات مؤسساتنا الاقتصادية التنافسية والإنتاجية، نريد أن تدعم الإنتاج والتصدير على حساب التوريد والاستهلاك وإن كان هذا الطريق شاقا نوعا ما مقارنة بسهولة الطريق الآخر، نريد من بنوكنا أن تحول التخمة المالية إلى قوة دفع للإنتاج والابتكار والإبداع ولا أظن أن ذلك صعب إذا خلصت النيات واستحضرت الهمم وأعملت العقول النيرة.
ختاما، أقول كلنا أمل في القائمين على مؤسسة النقد والقائمين على بنوكنا بالتعاون والتكامل في إعادة خريطة عمل البنوك المحلية عن طيب خاطر وحسن نية ـ لا خوفا من المنافسة فقط ـ فالمواطن يعرف من يقف معه وقت الشدة فيسانده وقت شدته، أما إذا وجدنا أن بنوكنا أصيبت بإسهال التنازلات خوفا من المنافس، فإننا سنتجه للمنافس لأنه صاحب المبادرة في دفع المتقاعس للعمل والجد والاجتهاد.