البعد النفطي في تقرير بيكر- هاملتون
غطى النقاش السياسي على الجانب النفطي في تقرير لجنة بيكر- هاملتون. ومن بين التوصيات العديدة التي طرحها معدو التقرير تقوية الحكومة المركزية وتكليفها أمر الإيرادات النفطية وكذلك تأجيل الاستفتاء الخاص بوضع كركوك المقرر له العام المقبل، وذلك لما يرونه من انعكاسات سلبية على مجمل الوضع، إلى جانب أعمال الشفافية وتطبيق برنامج إسعافي بمعاونة الحكومة الأمريكية لإقالة الصناعة النفطية من عثراتها المتمثلة في ضعف القدرة الإنتاجية عما كان عليه قبل الحرب بل وبما يمكن استهدافه وضعا في الاعتبار الاحتياطيات النفطية الضخمة في البلاد.
التقرير لم يحظ حتى الآن بمساندة تذكر، لا من قبل البيت الأبيض الذي ينتهز كل فرصة ممكنة لإبعاد نفسه عن تقرير اللجنة وتوصياتها، ولا من العديد من القوى العراقية المتصارعة وعلى رأسها الأكراد. وكان أول الرافضين بلسانهم رئيس الجمهورية جلال الطالباني، بل وحتى دول الجوار التي رأى كل منها الأمور من زاويته ولم يعجبه الحال فأدلى بانتقادات سرا وجهرا.
والحال هكذا يبدو أن الوضع يسير في الاتجاه الذي حذر منه التقرير في أول صفحة وهو أن الولايات المتحدة لا يمكنها الحفاظ على الوضع الحالي، الأمر الذي يتطلب تغييرا على الأقل في التكتيكات المستخدمة.
لكن في غياب ذلك وحتى تتضح الرؤية على الأقل عندما يطرح الرئيس جورج بوش وجهة نظره لما سيقوم بعمله، يمكن الافتراض أن الوضع سيظل كما هو، وهو ما يتطلب من ناحية ما العودة إلى جذور الحرب.
فإلى جانب الأسباب المعلنة لغزوة العراق للإطاحة بنظام الرئيس السابق صدام حسين الحقيقي منها والمفتعل، مثل أسلحة الدمار الشامل أو نشر الديمقراطية وتغيير منطقة الشرق الأوسط إلى الأفضل، يظل العامل النفطي واحدا من الأسباب الأساسية لدى جماعة المحافظين الجدد، الذين استظلوا بنائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع وقتها دونالد رمسفيلد، ونجحوا عبر هذين الموقعين في اختطاف السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وكان من أهدافهم استخدام نفط العراق وسيلة لتحقيق خططهم لكل المنطقة. ولم يخف بول وولفتز هذا التوجه، إذ رد مشيرا إلى حقيقة أن العراق يعوم فوق بحيرة من النفط عندما سئل لماذا لم تهاجم الولايات المتحدة كورية الشمالية التي اعترفت ببرنامجها النووي. وولفتز للعلم كان الرجل الثاني في وزارة الدفاع في ذلك الوقت وصاحب نظرية الهجوم على العراق وإطاحة صدام حسين منذ أيام عمله في إدارة جورج بوش الأب، وطرحه لهذا الاقتراح في أول اجتماع للقيادة الأمريكية عقب أحداث 11 من أيلول ( سبتمبر).
وتتلخص الخطة في أنه يمكن استخدام الاحتياطيات النفطية العراقية لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: إضعاف منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) من خلال إغراق السوق بكميات من النفط يصعب معه على المنظمة إدارة السوق من خلال التأثير على الأسعار، وكذلك فتح الباب أمام الشركات الأجنبية والأمريكية تحديدا للعمل في ميدان العمليات الأمامية من استكشاف وتنقيب وإنتاج، الأمر الذي يمهد إلى الهدف الثالث وهو الضغط على السعودية وبقية المنتجين ليفتحوا أبواب بلادهم أمام الشركات الأجنبية كذلك بعد أن خرجت الشركات من هذا الميدان قبل ثلاثة عقود من الزمان. ويمكن لهذا كله أن يسهم في تقليل تأثير العامل النفطي على السياسة الأمريكية.
تجربة السنوات الثلاث الماضية من السيطرة الأمريكية الكاملة على العراق أوضحت عدم القدرة حتى على بسط الأمن ناهيك من تنفيذ عمليات لإعادة هندسة الوضع وتكييفه بما يوافق الأحلام الأيدلوجية للمحافظين الجدد.
والنتيجة أن العراق الذي كان يفترض أن يكون مختبرا للشرق الأوسط الجديد يبدو أقرب إلى حالة من الفوضى تعم المنطقة ساحبة معها النفوذ الأمريكي للقوة العظمى الوحيدة في العالم، وبكل ما يعنيه هذا الوضع من تداعيات.
فمنذ اكتشاف النفط في فارس القديمة في القرن التاسع عشر وفي العراق مطلع القرن العشرين، ظل النفط يلعب دورا مقدرا في الترتيبات السياسية والاستراتيجية للمنطقة وكان حاضرا بصورة أو أخرى في كل الأحداث الجسام التي شهدتها هذه المنطقة. ومع النمو المتصاعد في الطلب على النفط وعدم حدوث اختراق يذكر في توفير مصادر بديلة للطاقة ودخول مستهلكين جددا من الدول الآسيوية أقل اهتماما بالقضايا التي تثيرها الدول الغربية حول ترشيد الطاقة والأوضاع البيئية وفوق ذلك عدم انشغالها بالأوضاع السياسية الداخلية للدول المنتجة، كل هذا يمكن أن يفتح الباب أمام نقلة جديدة سيساعد تدهور النفوذ الأمريكي واضمحلاله ابتداء من العراق في الدفع بها إلى الأمام، خاصة والنغمة السائدة الآن في واشنطن أن الولايات المتحدة فعلت ما يمكنها فعله والباقي على العراقيين.
لكن يبقى السؤال عن البديل وهل هي الفوضى الشاملة أم أن المصلحة الذاتية لدول المنطقة في توليد نظام إقليمي تطغى على ما عداها؟