العنف الأسري يهدد بالقضاء على الوئام الاجتماعي
يمثل العنف الأسري سلوكا شاذا في المجتمع المسلم يخالف الحماية التي جعلتها الشريعة للأسرة المسلمة، وقد تزايدت في الآونة الأخيرة حالات العنف الأسري وأصبحت خطرا يهدد المجتمع برمته، فمن إيذاء للأطفال إلى التعرض للزوجات، إلى التحرش الجنسي إلى ما لا نهاية، وهذا ما يحتم علينا التصدي للمشاركة في علاج هذه الظاهرة المؤلمة التي بدأت تتزايد بشكل يدعو للقلق، ويقع على عاتق الجهات المختصة الاهتمام بضحايا العنف الأسري من الأطفال والفتيات بأن تقوم بتعهدهم بالرعاية الكافية لتحويلهم إلى عناصر تسهم في بناء المجتمع، ليتحولوا إلى قوة فاعلة لها عطاؤها وخدمتها لمجتمعها، والمسؤولية لا يمكن انتزاعها من الأبوين إذا كانا على قدر من الاهتمام بالبنات والأولاد وفقا لقوله صلى الله عليه وسلم "ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وهما أي الزوجان مسؤولان عنهم، وفي الوقت ذاته رسم الإسلام حدوداً للتعامل وإطارا للتعايش بالمعروف ولا سيما في العلاقة الزوجية. "... وعاشروهن بالمعروف..." ـ النساء 19، فلا بد من التنبه لذلك.
ممارسة غير أخلاقية
وحول هذه الممارسة غير الأخلاقية والمتنافية مع شريعتنا الغراء كان هذا التحقيق عن العنف الأسري فماذا قال عنه ضيوفنا؟
في البداية تقول فاطمة القرني (تربوية)، إن قضية العنف ظاهرة اجتماعية تتزايد وأعتقد أنه لا يمر يوم دون أن تتعرض إحدى النساء لشكل ما من أشكال العنف سواء كان العنف جماعياً أو فردياً جسدياً أو نفسياً أو جنسياً، والتنبه لهذه الظاهرة ومعالجتها أمر مطلوب خصوصا إذا علمنا أن المرأة أو الطفل يحتاجان لأساليب معينة للتعامل بعيدا عن العنف.
وتضيف أم عبد الله العلي (معلمة) أن المرأة أصبحت مستهدفة للنيل منها وتجد من يساند فعلها الخاطئ إن وجد، ولذا فإن التفاهم ومحاولة استخدام الأساليب التربوية غير العشوائية في التعامل يكون لها أثر كبير في تقليل العنف الأسري.
النسق الأسري
من جانبه يرى ناصر الشهري أن العنف والعنف الأسري يمارس في جميع المجتمعات المتقدمة والمتأخرة وقد عرف العنف من قبل جهات وتخصصات عدة ومنها العنف هو سلوك مشوب بالقسوة والقهر والإكراه هو سلوك بعيد عن التحضر والمدنية تحركه الدوافع العدوانية والطاقات الجسمية ويضر الأشخاص وممتلكاتهم لقهرهم.
والعنف الأسري ينتج من أفراد ضد أفراد في داخل النسق الأسري مثل عنف الأزواج ضد بعض الزوجات وعنف الزوجات ضد الأزواج وعنف الآباء ضد الأبناء وعنف الأبناء ضد أحد الوالدين.
ويعتبر العنف الأسري أحد أنواع العنف من حيث القدم والانتشار وأن مؤشرات قياس هذا العنف قد طورت لتضم الضرب بأنواعه بما فيه البسيط والتهديد بالضرب والرمي بشيء حاد والتهديد باستخدام الأدوات المختلفة بما في ذلك السكاكين والأسلحة والاستخدام الفعلي لهذه الأدوات المختلفة والطرد وحبس الحرية الحرمان من الحاجات الضرورية والإرغام على القيام بأفعال ضد الرغبة الخاصة والشتم والتوبيخ.
والإسلام قد أعطى لكل إنسان حقه وأعطى الحيوان حقه وأعطى الصغير حقه وأعطى الكبير أيضا حقه.
والأسرة إذا لم تكن مستقرة فهي في عذاب ولن يستقر لها الحال ويؤثر العنف الأسري في استقرار الأسرة وتكيفهم في بيتهم داخل الأسرة، وترى في مجتمعنا عدة أشكال من مظاهرهذا العنف التي بدأت تنتشر وخاصة بين الأبناء الصغار والعنف ضد المرأة أخذت تنتشر وأيضا، وهذا ناتج لخلل في العلاقة وعدم تكافؤ في كثير من الزيجات.
ولمعالجة هذا العنف الأسري يجب على الجهات المختصة التصدي لهذه المشكلة وذلك يوضع الحلول الهادفة والعاجلة ومنها:
ـ إنشاء مراكز لرعاية المعتدى عليهم وتكون تحت حماية مشددة وآمنة.
ـ توعية المجتمع من خلال رسائل الإعلام بأشكال المختلفة ومن خلال خطباء المساجد.
ـ تشديد العقوبات على مرتكب هذه السلوكيات الخطيرة والمؤذية للأفراد إناثا وذكورا وأطفالا وخدما وكبار السن.
ـ إصدار تشريعات ونظم تحد من هذه المشكلة والتصدي لها وذلك نتيجة ازدياد هذه المشكلة وتفاقمها من خلال الدراسات التي توضح ذلك.
ومن جهته قال الدكتور محمد بن عبد الله الشباني الأمين العام للهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل: بداية لا بد أن نحرر مفهوم العنف الأسري ماذا نقصد بالعنف؟ هل الإيذاء الجسدي نتيجة لأسباب أو أخرى تجعل ولي الأمر يتعدى على أطفاله أو بناته بالضرب المبرح، أضف إلى ذلك أن هناك عنفا آخر غير أخلاقي مع الأقارب، وعموما فإن العنف بأي شكل من أشكال الواقع يعود إلى عوامل متعددة من أهمها:
ـ ضعف الإيمان أو انعدامه والانعدام لا يعني أن يكون خارجا عن الدين بل يمكن أن يكون نتيجة لعدم تكيف الفرد مع أخلاقيات ومبادئ وتوجيهات الإسلام ليصبح هناك انفصام بين المعرفة الدينية.
والسلوك الذي يصدر منه وربما يؤدي إلى التفسخ الديني الذي هو في الواقع ما قد يغلب على سلوك الشاب أو الفتاة بسبب التأثر ببعض الأفكار الوافدة باسم الحرية ويؤدي إلى الفجوة الثقافية بين الآباء والأبناء، وهذا قد ينتج عنه عنف جسدي مضاد ومتبادل بين رب الأسرة والأبناء الذين يوجد عندهم رغبة للتخلص من القيود الاجتماعية التي يرونها غير ملائمة لهم نتيجة لما ذكرنا سابقا من تشربهم بأفكار مغايرة لما يؤمن به الآباء وهذا قد يؤدي لردة الفعل التي تسهم في وقوع جريمة العنف من أحدهما وهو فعل غير منضبط ويتنافى مع الأسس التربوية الإسلامية.
ومن العوامل المؤثرة أيضا ظهور التفكك الأسري الذي له مظاهر متعددة منها:
ـ خروج المرأة للعمل وإهمال تربية الأبناء والاعتماد على الخادمات.
ـ الميل للترف الاقتصادي الذي يدفع بعض الأبناء إلى أن يطالبوا آبائهم وأمهاتهم بمصروفات لا يتحملونها مما يؤدي إلى نفرة بين الآباء والأبناء.
ـ إسهام بعض وسائل الإعلام بشكل كبير من خلال ما يبث من أفلام الكرتون والأفلام السينمائية في غرس فكرة المصادمة بين الآباء ضد الأبناء ونشر ما يعرف بالتحرر.
ـ وجود قصور في النظام القضائي يتمثل في عدم تطبيق الشريعة الإسلامية في بعض الممارسات ومنها حماية حقوق المرأة من حيث صرف نفقة للمرأة من زوجها عند وجود خلاف بينهما وكذلك المرأة المطلقة والأرملة، فليس هناك تنظيم يعمل على حل مشكلاتهم الأسرية. يمكن وضع تنظيم مثلا في حال الطلاق ملزما للأب، لا عدم تمام ذلك إلا من خلال إقامة دعوى. ونخلص إلى أن النظام الاجتماعي لا يستبق الأمر، وإلزام الأزواج بها فتبقى النفقات متروكة لا تتم إلا بمطالبة من الآباء أو الأمهات والأبناء والزوجات، والنظام الذي يوجب ذلك غير موجود وهذا خلل في تطبيق الشريعة.
وأرى أنه يجب أن يكون هناك حملة إعلامية توعوية سواء ما يتعلق بجانب الأطفال وغرس الفضائل الحميدة في نفوسهم ليكونوا مطيعين لوالديهم ومتمسكين بأهداب الدين، ويكون ذلك من خلال بث برامج كرتونية التي يحبها الأطفال في صغرهم وغيرها من الوسائل المناسبة لإبراز القيم الاجتماعية الإسلامية حتى يتشبع بها أفراد الأسرة، ويضاف إلى ذلك الاهتمام بحقوق المرأة وأعطاؤها حقها الذي كفله لها الإسلام لأن هناك من يظلم النساء ولا يعطيهن الحقوق المشروعة لهن، وأخيرا آمل أن يكون هناك محاولة فاعلة للقضاء على البطالة وعلى تدني الأجور حتى يمكن لرب الأسرة تلبية احتياجات الأسرة ويمكن للشباب الحصول على وظائف مناسبة قد تبعده عن التمرد على أسرته.
ومن جهته أوضح الدكتور فهد العصيمي الأستاذ في كلية المعلمين في الرياض، أن العنف الأسري لا يقتصر على جانب واحد معين بل يشمل الضرب والإيذاء (الجسدي والنفسي والتحرش والاغتصاب والإهانة...) وغير ذلك، وعلى الرغم من انتشار هذه الظاهرة فإنه يصعب التعرف عليها ما لم يكن هناك متابعة من جهات ذات علاقة بها. وقال: عندما نتحدث عن هذه الظاهرة فلا بد أن نضع في الاعتبار أمورا مهمة، أولها ألا يكون هناك إلغاء للعقوبة التي منحها الله للأب والزوج في حال أصبحت تصرفات الابن أو الزوجة غير منضبطة، بل يجب أن يكون هناك تطبيق تدريجي لهذه العقوبة وهي الضرب غير المبرح عند الحاجة لذلك والله سبحانه وتعالى "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا" فيلاحظ التدرج في القرآن في التعامل مع الزوجة مع ضرورة عدم استغلال ذلك بالاعتداء الجسدي المبرح الذي يتنافى مع ديننا، وبالنسبة للابن فيقول صلى الله عليه وسلم "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع" ولذلك فإن العقوبة يجب أن تكون متوافقة مع الأوامر الشرعية أما التهور والاعتداء الجسدي المبرح فهذا مخالف للشرع وعلى الأب أو الزوج أن يسلك طرقا تربوية في التعامل مع الزوجة والأبناء للحفاظ عليهم ويستعين بالدعاء فهو خير معين، يقول سبحانه وتعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" ـ سورة البقرة، وهو أعظم الحلول التي تحقق السعادة للأسرة وتقيها المشكلات.