رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التدوير إذا أصبح (تدويخا) إداريا فهو أحد معوقات التنمية

<a href="mailto:[email protected]">fah_arab@yahoo.co.uk</a>

لقد حاول الإعلام في وسائله كافة إبراز محاور قضية العشوائية الإدارية والفساد الإداري والمالي بوجوه متعددة وفي مناسبات مختلفة، وقد سجل التاريخ أننا لسنا الوحيدين الذين نعاني من هذه المشكلة, فكل دول العالم تعاني من هكذا قضية على مر الأزمان الماضية وفي الوقت الحاضر أيضا. ولكن لو أصابنا ما قد أصاب غيرنا ممن لم يعتبروا واتخذوا العشوائية في تنفيذ أعمالهم, فهذا يعني أننا لا نتعلم ولا نريد أن نتعلم في زمن العولمة وتوافر كل سبل التعلم, والأهم أن ضاعت جهود كل من أراد أن يلقي الضوء على قضية بهدف الإصلاح وإرساء أسس التنمية المراد استدامتها. إن العشوائية الإدارية والمالية كلفتنا وستكلفنا الكثير وبالتالي ستؤثر في الاستقرار العام للأنظمة الاقتصادية التي ستعرقل كثيرا من القرارات المهمة والحساسة في مسيرة التنمية. فعدم تحديد الأولويات, والتأخر في إنجاز كثير من المشاريع, والتشدق بعدم وجود البديل دون السعي للتأهيل, وعدم تفعيل جهاز الرقابة والمتابعة الداخلية بشكل إيجابي ومنتِج, واستشراء المحسوبية في تنفيذ الإجراءات الإدارية والمالية, وإدارة شؤون الجهاز من قبل فرد من المنظومة مع حجب الحقائق عن المسؤول الأول في الجهاز, وانعدام أساس ومتطلبات سياسة المكاشفة والشفافية بين مستويات الإدارة أو القطاع... إلخ, كل ذلك مدعاة لتفكيك النظام الإداري ومن ثم بعثرة مقومات النجاح فيستحيل معه بعد ذلك أي إصلاح أو تطوير. وإذا ما حصل ذلك فستتراكم المشاريع غير المنفذة وتُعطل موازنات كبيرة كان يمكن أن تجعل كثيرا من القطاعات في طريقها لتغطية تكاليف تشغيل بعض مرافقها ذاتيا على الأقل. ولكن بالطبع لا يوجد غير المواطن المحتاج ليدفع قيمة هذا الخلل الكبير بالمعاناة واللجوء إلى تسهيل وتسيير مصالحه بالأساليب الملتوية المباشرة وغير المباشرة لنيل الرضا وقضاء حاجته والحصول على الخدمة الضرورية.
لقد مرت شعوب العالم بالفساد في كل الميادين, ولكن أين نحن من الدول التي تسجل أكثر من ألفي اختراع يوميا, والتي يصدر فيها ألف إلى خمسة آلاف كتاب يوميا, وفي دول يفقد الأبوان طفلهما من الوصاية والتربية إذا لم يتلق التعليم الأساسي والعام. هذا عدا ما تنقل الوسائط الإعلامية من أخبار استقالة وزراء ومستشارين من مناصبهم إذا شعروا أن جهودهم لم تعد تقدم أو تؤخر أو تسيء لوضع الجهاز المشرفين عليه. إن رسالة الملك الصالح خادم الحرمين الشريفين - أيده الله ونصره - هي أن لا فصل بين الدولة والمواطن في الحياة المعاصرة، فالمواطن هو الذي يرعى الدولة ويصونها ويحافظ على مكتسباتها لا العكس, لأنه هو المكون الأساسي فيها. لذلك فالإحساس بالمواطنة من أهم متطلبات الحياة المعاصرة.
للأسف يلجأ المديرون عندنا وفي العالم العربي أجمع - من ذوي الصلاحيات النافذة في القطاع العام أو الخاص- إلى التدوير الوظيفي/الإداري رغبة في رفع كفاءة الأداء في المنشأة أو القطاع بأكمله, وهم بذلك يفترضون النيات الحسنة ويتوقعون تجديد الدماء, وزيادة حجم ونوعية اإنتاجية الفرد في المنظومة للوصول لرضاء الموظف ورضاء المستفيد في تحسين جودة الخدمة المقدمة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يتحقق الهدف دائما, أو أحيانا, أو لا يتحقق؟. في الواقع وعملياً فما يتحقق هو تنفيذ رغبة المسؤول فقط, ولكن إجمالا فمصير العملية عادة الإخفاق, وقد تظهر مشاكل أخرى وعثرات لم يحسب لها أي حساب من قبل. لقد أصبح التدوير الإداري غير المسبوق بدراسة جيدة سبب الكثير من النكسات الإدارية التي تنعكس على إنتاجية القطاع بأكمله. ولقد أصبح التدوير الإداري من وجهة نظر كثير من العاملين, "تدويخا إداريا" وبكل ما تحمله الكلمة من معان. فقد أصبح الموظفون يتزاورون في مكاتب بعضهم البعض ليس للاجتماع على تسهيل إجراء, أو تنظيم عمل, أو التوصل لقرار مشترك, وإنما للبحث عن إجابة على تساؤلاتهم التي صرفتهم عن أداء مهامهم الوظيفيه. فهم يتساءلون: كم ستكون مدة الدوران لفلان؟ وعلى من سيكون الدور المقبل في منصب عِلان؟ وهل المطلوب إيجاد المخلص الأمين أم مجرد قول آمين؟!. كما وصل الإحباط مداه فخرج آخرون يتساءلون: لماذا أعمل وأنا أنتظر تدويري في أي لحظة ولم أتمكن بعد من فهم العمل؟ ما الذي يجعل فلانا أكفأ مني؟ وهل هذه مجرد قرارات أم تصفية حسابات؟... إلخ. من المعروف أن التدوير الإداري إحدى الوسائل العلاجية لوضع الإدارة التي انخفض فيها مستوى الانتاجية, أو لم تعد تعرف ماهية أولوياتها, فتفقد قيمتها في المنظومة, وتحتاج عندها إلى حل ناجع, إلا أن ذلك لا بد وأن يرتبط بخطة مبنية على تقدير الوضع الحالي والتصور المستقبلي للإدارة. ففي القطاع العام مثلا خلص المختصون في علم الإدارة إلى أن البيروقراطية تتمثل في المصالح الحكومية لأنها السلطات الأكثر تحكماً في مصالح المواطنين, وبما أن التخطيط الاستراتيجي يغيب عن قاموس هذه المصالح في وجود الفجوات الواسعة ثقافيا بين المنسوبين, إضافة إلى اعتماد الإدارة العليا فيها على الثقة والتقدير متحولة إلى أهداف شخصية وعاطفية في اختيار شاغلي المناصب القيادية المهمة, فإن استمرار تراجع أداء المصالح حتما سيصل يوما إلى القاع ليكون صعوده مرة أخرى ضربا من المستحيل. لذلك لم كل هذا الإصرار على الاستمرار في إصدار القرارات اللحظية المبنية على الملاحظات اليومية؟ ولماذا لا نؤمن بأن التطوير مبني على تجارب الآخرين والدراسات التطويرية المنهجية؟ فمن البديهيات أن يتم التدوير بين الوظائف المتجانسة في المهام والمتماثلة في التخصصات مع إتاحة الفرصة لتبادل المعلومات والخبرات خلال الفترة الانتقالية بين هذا المدير وذاك. كما يميل معظم الإداريين المحنكين إلى تنفيذ القرار بعد استشفاف رضا الموظفين ومراعاة البعد الجغرافي لسكن وظروف المراد تدويرهم. وبالطبع إضافة إلى ذلك منح بعض المحفزات وأهمها المالية لأنه يعول عليهم العمل الدؤوب لتحسين الأداء وجودة المخرجات ولا يمكن تحقيق ذلك دون توفير الراحة النفسية لهم فهل نحن لذلك فاعلون أم على ما مضى مصرون؟
نأمل أن يكون المقبل نماء شاملا ومستديما يعكس توجهنا لنقلة نوعية تنموية للعمل والعاملين ولخدمة المواطنين, والاستفادة من وضعنا الاقتصادي الحالي فهو نعمة وجب حمد الله عليها وشكره في العمل بما ينفع الناس, حتى لا تزول. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي