رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


"إنرون"... الدرس الثاني في العدالة

<a href="mailto:[email protected]">albadr@albadr.ws</a>

تصدًّر خبر الحكم بالسجن 24 عاما على جيفري سكلينج الرئيس التنفيذي السابق لشركة إنرون الأمريكية عناوين الصحف العالمية. وتداولت وسائل الإعلام تفاصيل القضية مرة أخرى بعد تورّط الرئيس التنفيذي للشركة في مخالفات وقضايا اقتصادية تسببت في انهيار الشركة وإفلاس المستثمرين فيها. ونذكر منها بعض التفاصيل للإفادة حيث إن قضية إفلاس شركة إنرون تعد من أشهر فضائح الإفلاس التي شهدتها الولايات المتحدة، إضافة إلى قضية ووترجيت الشهيرة التي أطاحت بالرئيس نيكسون منتصف السبعينيات الميلادية. وأعلنت إنرون شركة الطاقة الشهيرة إفلاسها ابتداء من شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 2001، بسبب تلاعب كبير في حساباتها وإخفاء لكثير من الحقائق المالية عن واقع الشركة المالي والاستثماري، وكذلك استغلال المعلومات الداخلية لكبار تنفيذيي الشركة في جني أرباح من تداول أسهم الشركة في السوق. والمصيبة أن رئيس الشركة كان ضمن عصابة من المتلاعبين داخل الشركة وخارجها أدت إلى انهيار تلك الشركة وإفلاس مساهميها، ليصل به الحال إلى محاكمة علنية استمرت لعدة سنوات انتهت بسجنه.

ولعلي هنا أذكر بعض العبر من هذه القضية، وهو ما أثار إعجابي ودهشتي وحزني في الوقت نفسه، هو ما ذكره القاضي عقب النطق بالحكم بقوله "إن جرائم بهذا الحجم تستحق عقوبة قاسية". ومصدر الإعجاب هو أن هذا القاضي يدرك حجم الجريمة وأبعاد ضررها على الاقتصاد والمجتمع الذي يمثله المستثمرون في تلك الشركة، وتأكيده أن هذه المحاكمة تستحق الإعلان كما لو كان قضية جنائية، إنها بالفعل جنائية أكثر من الجنائية. ولعل الدرس المستفاد هنا يكمن في أهمية أن يكون القاضي على اطلاع بالأبعاد الاقتصادية لمثل تلك التجاوزات المالية.

وجاءت دهشتي من القبول الكبير في الأوساط المالية العالمية للقرار والذي بدا لهم أنه عادل كتأكيد على الاتفاق العالمي الاقتصادي والمالي الكبير على التشريعات العادلة للجرائم المالية والاقتصادية كجزء مهم للحفاظ على استقرار اقتصاديات العالم المختلفة.

ومن هنا جاء حزني على مرحلتين، الأولى على الكثير من المستثمرين المحليين الذين ما زالوا يحلمون بمعرفة من المتسبب في خسائرهم والمتلاعب في أموالهم والمبدد لأحلامهم، وهذا لن يأتي من دون رفع أكبر لمستويات الشفافية في السوق المحلية. والمرحلة الثانية على مستويات الحوكمة الضعيفة للشركات المدرجة واستغلال أعضاء مجالس الإدارات معلومات داخلية بشكل يخدم مصالحهم ويخل بمصالح المستثمرين.

مع الاعتراف بأن هيئة السوق المالية لا تزال في خطواتها الأولى في طريق بناء سوق مالية على مستوى عال من المهنية والاحترافية، إلا أن هذا لا يعني الانتظار في سن تشريعات تحمي مصالح المستثمرين بالدرجة الأولى والحزم مع المتلاعبين، لأن هذا هو الطريق الأهم في بناء الثقة في السوق. نحن في حاجة إلى قرارات رادعة معلنة لمن يثبت عليه ممارسات غير عادلة في سوق الأسهم أو التداول بناء على معلومات داخلية. ومن جهة أخرى فإن تسريع إجراءات تطبيق حوكمة الشركات، التي لن نفرد هذا المقال لذكر آثارها الإيجابية على جميع المستويات، أصبحت حاجة ملحة، في ظل ما نشهده من تزايد مطرد لعدد الشركات المدرجة في السوق وتطبيق الحوكمة في ظل هذا العدد القليل هو أسهل بكثير من تطبيقه في عدد أكبر من الشركات، والأهم من ذلك ألاًّ نفرح بالتطبيق بعد أن يقع المحظور.
إن قرار المحكمة الأمريكية في حق من تسبب في خسارة الملايين لأموالهم والموظفين لأعمالهم وخسارة الاقتصاد للسيولة والإنتاجية من جرّاء إفلاس شركة إنرون، ما هو إلا دليل إثبات آخر على أن العدالة في الأسواق المالية هي حجر الأساس في بناء منظومة مالية احترافية تخدم الاقتصاد الكلي والجزئي وتؤثر في المجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي