الصين تدق أبواب الحوار مع "أوبك"
في المنتدى الاستراتيجي الذي استضافته دبي في الأسبوع الأول من هذا الشهر، جذب زهاي جوون مساعد وزير الخارجية الصيني، الانتباه بتصريحاته التي تحدث فيها عن رغبة بلاده في إجراء محادثات مباشرة مع منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، في قضايا حددها بالعمل على تحقيق الاستقرار في السوق النفطية، والحصول على نصيب عادل من إمدادات المنظمة إلى السوق، وداعيا في الوقت ذاته إلى تطوير آلية تفاوضية مع المنظمة للإسهام في عملية التسعير.
الاهتمام الذي لقيه حديث المسؤول الصيني يعود إلى المكانة التي تتمتع بها بلاده على الساحة الدولية، كونها أصبحت ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة، وذلك بعد أن أزاحت اليابان من هذه المرتبة منذ أكثر من عشر سنوات. ثم إن الطلب الصيني شكل عنصرا بالغ الأهمية لتحديد مستوى النمو في الطلب على النفط في العالم، مسجلا نسبة تبلغ 40 في المائة في بعض الأحيان من حجم النمو السنوي على النفط.
كذلك فإن الصين والدول الآسيوية عموما أصبحت تمثل السوق الرئيسية للصادرات النفطية لدول "أوبك". وكمثال فإن السعودية، وهي أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، تذهب 60 في المائة من صادراتها إلى السوق الآسيوية، وللصين حصة مقدرة في هذا.
وأخيرا فإن الصين قوة سياسية كبرى تتمتع بحق الفيتو بحكم عضويتها الدائمة في مجلس الأمن، الأمر الذي يجعل لأقوالها وأفعالها ثقلا متميزا. وإذا صدقت تقديرات بيت الخبرة "جولدمان ساكس"، فإنه بين عامي 2030 و2040، فإن الاقتصاد الصيني سيتجاوز رصيفه الأمريكي وسيبلغ حجمه منتصف القرن، أو 2050، نحو 48 تريليون دولار من تريليوني دولار حاليا، بينما سيكون حجم الاقتصاد الأمريكي في تلك الفترة 37 تريليونا، أي أنه سيقل عن الاقتصاد الصيني بنحو عشرة تريليونات دولار، وأنه في الوقت الذي تحقق فيه الصين والهند مثلا نموا بمعدل 22 مرة خلال هذه الفترة، فإن الدول الغربية الغنية ستحقق نموا في حدود مرتين ونصف المرة فقط في الفترة ذاتها، وأنه خلال فترة ربع القرن المقبل، فإن الناتج المحلي الإجمالي لكل من الصين والهند سيتجاوز مجموع الناتج المحلي لكل من الدول السبع الغنية التي تقود العالم حاليا.
هذه متغيرات على الجبهة الجيوبوليتيكية بعضها بدأت بوادره والآخر على الطريق، لكن المهم في المدى القصير أن الصين تتبع أسلوبا مغايرا لما كانت وظلت الدول الغربية تتبعه باستمرار، وهو تجنب الحديث مع "أوبك" كمنظمة وبصورة أكثر تحديدا البعد عن قضايا الأسعار والتسعير.
وللدقة، فإن الدول الغربية المستهلكة الرئيسية قطعت شوطا طويلا خلال فترة السنوات العشر الماضية بقبول فكرة الحوار بين المنتجين والمستهلكين. ثم إن قضايا الأسعار لم يعد تناولها يتميز بتلك الحساسية والالتزام بالقناعة اليقينية أن السوق هو أفضل محدد لمستويات الأسعار، وبالتالي ليس لـ "أوبك" أو غير ها حق التدخل لتحديد السعر عبر آلية الإنتاج وتحديد حجمه.
فالتجارب المعاشة أوضحت بما لا يدع مجالا للشك أنه لا يمكن ترك الأمور لقوى السوق لتقرر وحدها. ويظهر هذا في أن فترات التراجع السعري شكلت في واقع الأمر الأرضية التي حققت فيها معدلات الأسعار قفزات غير محمودة، كما أن "أوبك" تظل مرجعا يعتد به وإلا لما بذل وزراء الطاقة الأمريكان تحديدا جهودا بعضها علني وبعضها سري لحث المنظمة على فتح صنابير إمداداتها النفطية للسوق العطشى. وإذا كان للمنظمة دور في تلبية احتياجات السوق بالإمدادات، فإن لديها قطعا دورا مشابها في التأثير على الأسعار بصورة ما.
معدلات الأوضاع الاقتصادية والحاجة إلى إنتاج النفط في مناطق نائية أو في المياه العميقة، كما في خليج المكسيك، تحتاج إلى معدل سعري لخام ويست تكساس الأمريكي لا يقل عن 40 دولارا للبرميل كي يكون العمل مجزيا. ولتأمين مثل هذا السعر تحتاج الصناعة النفطية الأمريكية إلى تعاون من "أوبك" كذلك.
الحديث الصيني عن الحوار مع "أوبك" ليس الأول من نوعه، فقبل عام بالضبط قام رئيس منظمة "أوبك" وقتها ووزير النفط الكويتي الشيخ أحمد الفهد، بزيارة إلى الصين، حيث التقى المسؤولين هناك وجرى الحديث في عمومياته عن ضرورة القيام بتعاون مستقبلي بين الجانبين.
تصريحات مساعد وزير الخارجية الصيني في دبي تدق على الوتر نفسه، لكنها لا تزال في إطار العموميات، بينما المطلوب التحرك خطوة أبعد من ذلك، وحبذا لو كانت هذه الخطوة في إطار استراتيجية متفق عليها بين الطرفين، بداية بمستوى أقل من المهنيين لتحديد خارطة طريق متضمنة القضايا التي سيشملها الحوار، وأسلوب التعامل الذي يمكن اعتماده بعد ذلك من قبل الوزراء وربما رؤساء الدول.
ويبدو المناخ الحالي الذي تعيشه السوق مهيأ لمثل هذا الحوار، خاصة والسوق تعيش فترة من الاستقرار النسبي، والاهتمامات ليست مختطفة بارتفاع أو انهيار سعري.