"أوبك" تتهيأ لاستقبال 3 أعضاء جدد لأول مرة منذ 3 عام
يتزايد الحديث عن احتمال قيام ثلاث دول، هي: أنجولا، السودان والأكوادور، بالتقدم لاكتساب عضوية منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، وهي خطوة إذا اكتملت ستكون الأولى من نوعها في غضون ثلاثة عقود من الزمان، فآخر مرة تقدمت فيه دولة منتجة بطلب لدخول نادي الدول المصدرة للنفط كانت عام 1975 عندما اكتسبت الجابون تلك العضوية.
وجاء التأكيد على احتمال انضمام أعضاء جدد من قبل القائم بأعمال الأمين العام للمنظمة محمد باركندو، النيجيري الجنسية، الذي صرح قائلا إن أنجولا تتهيأ فعلا للانضمام، والسودان قريب إلى حد ما، لكنه أضاف أنه ليس هناك إطار زمني لإكمال تلك العملية.
وزير الطاقة والتعدين السوداني الدكتور عوض أحمد الجاز أبلغ خدمة "داو جونز"، إبان حضوره مؤتمرا لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط "أوابك" في القاهرة، أنهم في السودان أكملوا بعض الإجراءات وأنهم الآن أقرب إلى الانضمام من أي وقت مضى. من جانبها قالت فنزويلا، (وهي عضو مؤسس، وضمان موافقة الأعضاء الخمسة المؤسسين ضرورية لقبول أي عضو جديد)، إنها ستدعم طلبات الانضمام الجديدة.
عملية الانضمام لا تتطلب مجهودا كبيرا، فكل المطلوب وفق اللوائح الإجرائية للمنظمة أن يكون للدولة طالبة العضوية قدرات تصديرية معقولة من النفط الخام، وأن تكون مصالحها الأساسية متسقة مع مصالح الدول الأعضاء، وأن تحظى بقبول أربعة أخماس الدول الكاملة العضوية بما في ذلك الأعضاء الخمسة المؤسسون. ومن المعروف أن "أوبك" تأسست في اجتماع استضافته العاصمة العراقية بغداد بين 10 و14 أيلول (سبتمبر) 1960، وضم كلا من السعودية، العراق، إيران، فنزويلا، والكويت. ويلاحظ أنه لم يتم تحديد مستوى تصديري معين كحد أدنى لقبول أي عضو.
وفي واقع الأمر فإن قطر، التي كانت أول دولة تنضم إلى "أوبك" في العام التالي لتأسيسها، أي في 1961، ظلت إلى وقت طويل تصدر في حدود 300 ألف برميل يوميا، وهو الرقم الذي تجاوزته الدول الثلاثة التي يدور الحديث عن أنها ستتقدم بطلب للعضوية. فأنجولا مثلا تنتج في الوقت الحالي نحو 1.5 مليون برميل يوميا وتتهيأ لرفع إنتاجها إلى مليوني برميل في غضون عامين، وتستهلك منها كمية طفيفة في حدود 60 ألف برميل يوميا. أما احتياطياتها النفطية المؤكدة فتقدر بنحو 5.4 مليار برميل، معظمها في المياه المغمورة.
السودان من جانبه ينتج في الوقت الحالي نحو نصف مليون برميل يوميا يسعى إلى رفعها إلى 750 ألفا العام المقبل، ويخصص منها نحو 100 ألف برميل يوميا للتكرير الداخلي لمقابلة الاستهلاك المحلي وتصدير بعض المشتقات إلى الخارج. وتقدر احتياطيات السودان المؤكدة بنحو 6.3 مليار برميل وفقا للكتاب الإحصائي السنوي لشركة "بي. بي".
الإكوادور من الناحية الأخرى بلغ متوسط إنتاجها العام الماضي 538 ألف برميل يوميا تستهلك منها 162 ألفا، كما يقدر حجم احتياطيها المؤكد بنحو 4.6 مليار برميل.
والإكوادور بالمناسبة كانت عضوا في "أوبك" لفترة 20 عاما بين 1973 و992، حيث آثرت الانسحاب في ذلك الوقت مخلفة وراءها ديونا في حدود 4.2 مليون دولار بسبب عضويتها في المنظمة، فالمنظمة في النهاية ناد للمصدرين له تبعات. والإكوادور بما أنها مصدر صغير وجدت أنها لا تستطيع تحمل تلك التبعات، خاصة أن فترة عقد الثمانينيات شهدت أكبر تدهور في سعر برميل النفط كانت بدايته قيام المنظمة بأول خفض رسمي في تاريخها لسعر برميل الإشارة الذي كانت تعتمده في ذلك الوقت، وهو خام "العربي الخفيف"، بلغ 15 في المائة عام 1983، ولم ينتصف العقد إلا وكانت المنظمة داخلة في حرب أسعار بين أعضائها وضد المنتجين الآخرين، وذلك في مسعى لاستعادة حصتها في السوق التي سيطر عليها المنتجون من خارج "أوبك" من ناحية وقيام الأعضاء بتجاوز حصصهم المخصصة لهم من ناحية أخرى، الأمر الذي أثر في أولئك الملتزمين أمثال السعودية، التي تراجع إنتاجها إلى أقل مما كانت تنتجه بريطانيا من بحر الشمال صيف عام 1985، وأدت هذه التطورات إلى دفع سعر البرميل إلى أقل من عشرة دولارات.
هذه المرحلة تعتبر واحدة من أربع مراحل ميزت تاريخ المنظمة حتى الآن. فالمرحلة الأولى كانت بدايتها الفعلية عملية التأسيس عام 1960 وذلك في رد فعل على قيام الشركات النفطية بخفض سعر البرميل حتى من دون استشارة الدول المنتجة، ورأت عواصم تلك الدول أن الخطوة تعكس صلفا وعدم حساسية تجاه الدول صاحبة الحق في النفط الذي تتحكم فيه الشركات. واستمرت هذه المرحلة طوال عقد الستينيات ودون حدوث تقدم يذكر في اتجاه أن يصبح للمنتجين رأي في إدارة الصناعة النفطية، على أن هذا العقد شهد نمو عددية العضوية في المنظمة إلى عشر دول.
مطلع السبعينيات جاء بأسلوب مشاركة الدول المنتجة في عملية تحديد سعر البرميل إثر مفاوضات طويلة وشاقة مع الشركات الأجنبية، لكن القفزة الرئيسية في الصناعة تمت عام 1973، الذي شهد عمليتين متزامنتين: قيام الدول العربية بتنفيذ حظر نفطي على الولايات المتحدة وهولندا بسبب دعمهما لإسرائيل، وكذلك تفرد المنتجين بتقرير سعر البرميل ودون مشاركة للشركات، وهو ما أدى إلى مضاعفة سعر البرميل أربع مرات إلى نحو 12 دولارا للبرميل.
هذه التطورات دخلت تاريخ الصناعة على أساس أنها تشكل الصدمة النفطية الأولى، وذلك في إشارة إلى الصدمة النفطية الثانية التي انتهى بها عقد السبعينيات، حيث تزامن اشتعال الثورة الإيرانية مع إضراب لعمال النفط وخوف الأسواق من حدوث انقطاع في الإمدادات، الأمر الذي رفع سعر البرميل إلى قرابة 40 دولارا، وهو ما يعود إلى حالة الذعر والرغبة في الحصول على إمدادات من النفط بأي سعر أكثر من وجود أزمة إمدادات حقيقية.
عقد الثمانينيات جاء بصدمة نفطية من نوع جديد تمثل في تراجع الأسعار ثم انهيارها عام 1986، الأمر الذي دفع المنظمة للتخلي عن استراتيجية الدفاع عن معدل سعري معين والاستعاضة عنها باستراتيجية زيادة حصتها في السوق، وهي الاستراتيجية التي ظلت تتبعها لفترة عشر سنوات متصلة تمكنت خلالها من زيادة نصيبها في السوق بمعدل مليون برميل كل عام حتى عادت إلى فكرة الدفاع عن السعر مرة أخرى إثر أزمة عام 1998 وتراجع الأسعار بصورة كبيرة بسبب الأزمة المالية الآسيوية، الأمر الذي دفع "أوبك" إلى العمل على إدارة السوق بالصورة التي تمكنها من توجيه دفته وبمرونة تضع في الاعتبار أنها لا يمكنها تحمل العبء لوحدها.
العقد الحالي يؤذن للمرحلة الرابعة، حيث برز نمو قوي في الطلب خاصة في عامي 2004 و2005 بسبب الطفرة التي تعيشها الاقتصادات الآسيوية خاصة الصين والهند، الأمر الذي أدى بالمنظمة إلى الإنتاج بأقصى طاقة متاحة لديها، وهو ما لم يحدث منذ نحو ثلاثة عقود من الزمان، ووصول سعر برميل النفط بالقيمة الاسمية للدولار إلى معدل لم يبلغه قط من قبل وهو قرابة 80 دولارا.
لكن هذه المرحلة بدأت تلملم أطرافها بدليل عودة المنظمة إلى سياسة خفض الإنتاج لدعم الأسعار. وقيامها الشهر الماضي بتنفيذ خفض في حدود 1.2 مليون برميل يوميا، كما أن موضع المزيد من الخفض سيكون مطروحا على جدول أعمال الوزراء عندما يجتمعون الأسبوع المقبل في أبوجا (نيجيريا).
والأمر كذلك، فما الذي يدفع دولا جديدة لاكتساب عضوية منظمة تتجه إلى تقليص إنتاج الأعضاء فيها؟ بالنسبة للإكوادور فالأمر يعود إلى تطورات سياسية خاصة بقارة أمريكا الجنوبية وبروز تكتلات سياسية يسارية تتزعمها فنزويلا وتشمل الإكوادور، وترى في "أوبك" مؤسسة يمكن أن تلعب دورا في التأثير في النظام الاقتصادي العالمي القائم حاليا وتهيمن عليه الدول الصناعية.
أما بالنسبة لكل من السودان وأنجولا فيبدو أنهما تنطلقان من الإحساس بتأكيد وجودهما على خريطة الصناعة النفطية مثلما تفعل الدول حديثة الاستقلال بالانضمام إلى الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية.