مستقبل الأرض في جامعة العلوم
<p><a href="mailto:[email protected]">fah_arab@yahoo.co.uk</a></p>
ماذا فعلنا لهذه الأرض وقد بدأت تشتكي؟ تقول إن في كل مائة عام يقوم البشر بتغيير منظورهم في العيش بأسلوب جديد ولا يجدون سوى بيئة هذه الأرض ليقوموا باستغلال مكوناتها. فهم يعملون في نبش مخزونها لكسب عيشهم, ومن ثم يقتاتون منها ليحققوا سلامة الأبدان ورفاهية العيش دون رد الجميل بالحفاظ عليها. وهم لا يألون جهدا أن يمارسوا ذلك في الليل وفي النهار وفي الشتاء والصيف وفي الشمال والجنوب والشرق والغرب. ولأن أكثر من سبعة مليارات نسمة يسعون لتملك أكبر حيز منها يمكنهم من ديمومة العيش أو بقاء النوع, فمع تفاوت أهدافهم ومستوى متطلباتهم, لم يتمكن أحد منهم من جلب السعادة لنفسه أو غيره برضا تام. هذا قول الأرض فما نحن بقائلين؟ نحن نقول للأسف, سنظل نعمل على تشغيل العقول في كيفية الإفادة من مقدرات الأرض لأنها لا تنضب بل يعاد تكرار استخدامها لتبدو في كينونة مختلفة جديدة تساعد على التعايش معها بأسلوب مختلف في زمن مختلف ولتستمر حياة الكائنات عليها وتكمل دوراتها إلى أن تقوم الساعة. وفوق ذلك فلن تقوم الساعة إلا إذا ازدانت الأرض بأحلى حللها, فاصبري يا أرض على ساكنيك, لأن المولى عز وجل قال في محكم آياته: (حَتّى إذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازّيّنَتْ وَظَنّ أَهْلُهَا أنّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا, أتاها أمرنا لَيْلاً أو نَهَاراً)*. بهذا القول الكريم سيصل أهل الأرض إلى مدى يعتقدون فيه أنهم يستطيعون تحويل أي أرض صحراوية إلى غابات, وأي مادة إلى مادة أخرى, وفعل أي شيء من فرط الثقة بقدراتهم للتمتع بمكنون هذه الأرض. وإذا ما لبست هي أحلى الحلل بما عمّره الإنسان من مدائن وحضارات عليها, واخترع من آلات وأدوات, وظن أنه تمكن منها, أتى الله سبحانه وتعالى ليأخذ ما بدأ ويبدأ حياة سرمدية في الأفق الأعلى. فلماذا ننجرف لتخوف, أو نرتعد لمقولة يرسلها من يعتقدون أنهم سادة الأرض فيجعلوننا نصدق ما ذهبوا إليه من نضوب النفط وحتمية استخدام طاقات أخرى كبدائل، فقط لأنهم لا يريدون أن يتحكم في مصيرهم أحد؟ لماذا التخوف ممن يهذي ولا يَعقِل, والقرآن بين أيدينا يرينا كيف كانت البداية وكيف ستكون النهاية؟ إذاً ما عسانا فاعلين؟ إن ما يخيف هؤلاء هو الأخذ بالأسباب وتشغيل الألباب, لأن العالم الإسلامي قادر على زخرفة الأرض بالإيمان والعلم من جديد. فبشارة الملك الصالح خادم الحرمين الشريفين أيده الله بافتتاح جامعة للعلوم والتقنية في مدينة جدة, ترسيخ جاد للتنمية المستدامة والمستقبل الواعد لكل فرد في هذا المجتمع, والمجتمع الإسلامي بشكل عام, فجزاه الله عن الأمة خير الجزاء. في هذه الجامعة ستلتقي الأفكار وتتحاور العقول, مما يلقي على المسؤولين في مشروع الجامعة الكبرى عبئا كبيرا, ولكن قد نلجأ إلى تبسيط أهداف المشروع بتبسيط الرسائل التنموية ومفرداتها ليتفهم العامة أدوارهم فيها فيشاركون بمرئياتهم, وبإتاحة الجامعة الفرصة لرجال الأعمال, سيكون إسهامهم في تشييد بيت نهضة الأمة بدعم دراسات أرّقت العالم العربي والإسلامي خلال سباته ولم يكن له سوى اللجوء للغرب.
إن قضية مثل الاحتباس الحراري Global Worming الذي ظهرت تأثيراته البيئية في حياتنا أصبحت محورا مهما في الدراسات البيئية Ecological Studies. الظواهر والمؤشرات تؤكد أن الأسوأ بيئيا قادم وسيكون هادرا كما مرت الأرض بالزلازل والعواصف البحرية Tsunami في مختلف المواقع من الأرض, والعواصف التي هبت على الولايات الجنوبية لأمريكا, والحرائق المندلعة من وقت لآخر في شرق الأرض وغربها, وذوبان بعض الجبال الجليدية في القطبين. بالتمحيص والدراسة سنتأمل في عظمة الله ونأخذ بالأسباب ونستعد لاتقاء تأثيرات التغيرات البيئية على الكون والبشرية عامة. أما الطاقة Energy بكافة أنواعها ومختلف أنواع الدراسات فيها النظرية منها والعملية، فهي الآن وستظل محور اهتمام الاقتصاديين والسياسيين والاجتماعيين والمثقفين وتوجه الأكاديميين, لما لفروعها العلمية المستحدثة من تأثير نوعي في استخداماتها واشتقاقاتها والتوسع في دراسات أخرى بهدف الوصول إلى البدائل والاستفادة منها في استمرارية الحياة بالفاعلية والإنتاجية نفسيهما. وبتداخل علوم الطاقة مع علوم التقنية الحيوية Biotechnology فقد أصبحت التجارب تتيح للعالم أن يستخدم البكتيريا في إيجاد بدائل الطاقة بتوليد شحنات إلكترونية بأسلوب هندسي تقني في محاولة للانتقال لاستخدام بدائل جديدة غير مكلفة ويمكن أيضا أن تنتقل بتقنية الاتصالات إلى مراحل متقدمة جدا. وفي هذا السياق فالنانو Nano أصبح شغل العلماء الشاغل لتطوير حياة الفرد وجعله يؤدي التزاماته بأقل تكلفة وأقل جهد وفي أسرع وقت ممكن في ظاهرة ستكون فريدة من نوعها. علم الوراثة Genetics ومختلف التخصصات المتفرعة منه شكلت ثورة علمية بعد التوصل لاستنساخ الخلايا والتعرف على أسرار خريطة الجينات الوراثية للكائنات الحية, ومن ثم التحكم في خصائص الأجنة, الذي قاد بعض العلماء إلى التفكير في إيجاد فئة من الكائنات أو البشر تكون لها مناعة ذاتية قادرة على حماية الجسم من الأمراض, أو مجموعة من البشر لهم القدرة على العمل دون تعب. من ناحية أخرى ففي ظل انتشار الأمراض المعدية Infectious Diseases في الأرض وتحول أنماطها مع تغير عدة عوامل مؤثرة, فعلم الأمصال Serology يتربع الآن على منصة تأمين أهم العلاجات الناجعة للأمراض المعدية, والأمراض السرطانية.
نريد أن نتعدى أسوار الجامعة لتكون مركزا أكاديميا، ومولدا للمعارف، ومجموعة حاضنات للأنشطة البحثية العلمية الدقيقة. وليت المسؤولين يتبنون فيها أنظمة التعليم عن بُعد، والانتظام الجزئي، والتعليم المسائي, لإبراز الإبداع والابتكار في جامعة بمعايير ومقاييس تخولها أن تكون أكبر واحة علمية تجمع العلماء من كل مكان, وخصوصا العالم الإسلامي والعربي, فالعديد منهم ينتظر إتاحة الفرصة ليفيد العالم بعلمه, لفتح آفاق جديدة في هذا العالم نعيد بها مجد الرازي وابن النفيس وابن الهيثم وابن حيان وغيرهم. لنكن لأجيالنا المقبلة قدوة, فيكونون خير خلف لخير سلف بإذن الله.