رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إلى كل مدير متقاعس مع التحية..

[email protected]

هناك تقدم لكنه بطيء في زمن متسارع، هناك تقدم ولكنه كمي لا نوعي، هذا ما أسمعه من الكثير من الكفاءات السعودية التي تحلم أن تكون بلادنا في مصاف الدول المتقدمة خاصة وأن المال, وهو عصب التنمية, متوافر وبكثرة ولله الحمد، لماذا البطء؟ ولماذا التركيز على الكم على حساب النوع؟ لماذا رغم أن الجميع يعرف الحقيقة القائلة أن من لا يتقدم يتقادم؟ ومن يتقادم يخرج من حلبة المنافسة لينضم إلى مصاف الخاسرين الذين يحتاجون إلى الكثير من الجهد والوقت لعلاج جراحهم.
الأسباب كثيرة ومتعددة ولكنني أكاد أجزم أن الإدارة, وهي العنصر الحركي الحاسم في التنمية, هي بيت الداء وتنميتها دواء لكل داء، نعم الإدارة التي لم نعرف مكانتها ولم نعطها حقها من الاهتمام رغم أثرها البالغ في نجاح أو فشل المؤسسات أيا كان نوعها في تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها. الإدارة التي أهملناها حتى أصبح قانون الندرة منطبقا تماما على المدير الوطني الفعَال، حتى أصبح لدينا الكثير من الجياد الأصيلة بلا فرسان يستطيعون إطلاق طاقاتها للوصول لأهدافها في الوقت المناسب، نعم لدينا الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة والخيرية التي تتمتع بالكثير من الإمكانات والدعم الذي يحلم به كل مدير فاعل لتحقيق أهدافها لكنها مؤسسات متعثرة ضعيفة الإنجاز بسبب ضعف إدارتها، وكأني بقول دركر "لا توجد بلدان متخلفة ولكن يوجد مديرون متخلفون". ينطبق عليها تمام الانطباق.
المدير السعودي يعاني من عدة أمراض أهمهما في اعتقادي ثلاثة، الأول ضعف القدرات الإدارية بسبب ضعف التأهيل، والثاني التكاسل عن تنمية الذات بسبب ضعف التحديات أو انعدامها نتيجة اختلال عناصر الاختيار والتقويم إضافة للحماية التي يستشعرها كل موظف سعودي بصورة أو بأخرى، والثالث اختلال شديد في منظومة القيم والمفاهيم نتيجة ترسبات ثقافية معوقة شكلها الفكر والسلوك الاجتماعي السعودي.
هذه الأمراض الثلاثة جعلت معظم المديرين السعوديين عوامل تثبيط أكثر منهم عوامل تحفيز، ومن واقع تجربة أستطيع أن أقول إن معظم المديرين السعوديين يمكن تصنيفهم ضمن فئة الإداريين لا المديرين، الإداريين الذين يطبقون اللوائح والنظم التي يجدونها أمامهم دون أن يتساءلوا عن جدواها وفعاليتها وإمكان تطويرها كما يعمل المديرون، والأمَر من ذلك أنهم يطبقونها بروح الشك بالآخر مما جعلهم معسرين أكثر من كونهم موسرين، حتى بتنا نشتم البيروقراطية ظنا منا أنها المشكلة ونسينا أن المشكلة فيمن يطبقها بمفاهيم تختلف تماما عن المفاهيم التي استندت إليها البيروقراطية كنظام إداري يهدف إلى تقديم الخدمات الحكومية للمواطن والمستثمر بروح الثقة لتيسير حياتهم وأعمالهم.
المديرون أو بالأصح "الإداريون السعوديون", ونتيجة لانتفاء الحاجة إلى التفكير لدى معظمهم, أصبحوا يتقدمون بأفكار أكثر من عجيبة عندما يطلب منهم المشاركة في لجان للتصدي لقضية أو لمعالجة مشكلة معينة، لذا ما انفكت هذه اللجان عن تقديم المقترحات المعوقة للأعمال والمفاقمة للمشاكل خاصة إذا أضيفت لها استشارات الأكاديميين الذين يهيمون في كل واد دون تجارب واقعية. والقصص التي تثبت ذلك كثيرة ولا مجال لذكرها وأعرف من مقترحات وتوصيات بعض تلك اللجان ما صدر به توجيهات وقرارات من مستويات رفيعة لكنها بقيت حبيسة الأدراج بعد أن أدرك البعض كارثة نتائجها لو تم تطبيقها كما هو مقترح.
المدير السعودي لا يعلم أنه متواضع المعارف والمهارات والقدرات، وهذا ما تبين لي بعد الاحتكاك بالكثير منهم، ولقد كنت في زيارة لأحد المديرين السعوديين في القطاع الخاص وهو مدير بالوراثة لا بالكفاءة، ووجدت لديه دعوات للمشاركة في دورات تدريبية في التخطيط الاستراتيجي وإدارة الجودة الشاملة والتفكير الابتكاري والتنفيذ الإبداعي، وقلت له هل تشارك بها، فأشاح في وجهه قائلا ومن هؤلاء حتى يدربوننا؟! أنا أدربهم وأدرب أمثالهم، فقلت تكبر على العلم والمعرفة مصحوب بضعف في الكفاءة أعان الله العاملين تحت إدارته وعوض الله على من عينه في هذا المنصب. وتساءلت في نفسي كيف لنا أن نعلمه ونعلم أمثاله وهم كثر؟ كيف نعلمهم أنهم لا يعلمون من فنون الإدارة شيئا؟ كيف نوضح لهم أنهم لا يعلمون أنهم لا يعلمون وأنهم في مرحلة خطيرة من الجهل المركب؟!
هذا المدير وأمثاله لا شك أنهم فاشلون ولا شك أن فشلهم سينعكس سلبا على المؤسسات التي يديرونها مما سينعكس سلبا على أفراد المجتمع والوطن عموما. نعم الكثير من المديرين الإداريين أورثوا الوطن مشكلات كثيرة يعاني منها أفراد المجتمع بسبب عدم معرفتهم أبجديات اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، القرار المبني على دراسات علمية دقيقة وحديثة وشاملة تمكن المدير وفريق عمله من استشراف معطيات المستقبل للتعامل معها بما هو متاح من إمكانات ووقت، هؤلاء المديرون الفاشلون وهم صنيعة بيئة ثقافية واجتماعية واقتصادية متكاملة سأسميهم المديرين المتقاعسين، ذلك بأنهم بصورة أو بأخرى أدركوا مدى فشلهم وضعفهم الإداري إلا أنهم لم يتنحوا لفتح الطريق للآخرين, كما أنهم تقاعسوا عن بذل الجهد اللازم لمعالجة ضعفهم.
وأود أن أقول لهؤلاء المديرين الأعزاء بأني لست متحاملا عليهم بقدر ما أود أن أتعاون معهم في تشخيص المشكلة، والتشخيص الصحيح نصف العلاج، وعدم الاعتراف بالمرض لا يعني عدم وجوده، والأجدى بنا أن نعترف بالمرض بعد تشخيصه التشخيص السليم، ومن ثم المبادرة في تناول أفضل العلاجات المتاحة لمعالجته بأسرع ما يمكن. والضعف الإداري الذي يعاني منه المديرون المتقاعسون مرض قاتل للتنمية، وقتل التنمية يعني تفوق معدلات النمو الطبيعية على معدلات التنمية التي يجب أن تواكب النمو، مما يشكل بؤرة أزمات حادة ومتتالية تنال الجميع دون استثناء. وما قضية الضعف في الخدمات الإسكانية والتعليمية والصحية عنا ببعيدة حيث كان معدل نمو الطلب على هذه الخدمات نتيجة ارتفاع معدلات النمو السكاني أعلى بكثير من معدلات تنمية هذه الخدمات، مما جعل المواطن لا يعرف أين يذهب براتبه, لتغطية الإيجارات المرتفعة؟ أم لتعليم أبنائه في المدارس الخاصة؟ أم لمعالجة أفراد أسرته في المصحات الخاصة؟
وإذا اتفقنا على نبل المقصد فأسأل الله أن يوفقنا لسلامة المنهج، والمنهج هنا أن نحدد أعراض التقاعس أولا ومن ثم نضع الحلول. والأعراض التي تشير إلى وجود مدير متقاعس حسب اعتقادي كثيرة وأبرزها ضعف القدرة على التعامل مع المعطيات الحالية والمستقبلية واتخاذ العوائق كأعذار مخدرة بدل بذل الجهود الابتكارية لتطوير عمل المؤسسة ورفع قدراتها لتقديم خدماتها بأفضل ما يمكن، وتحديد سقف للمسؤولية بما يعفي من المساءلة و المراهنة على الوقت لمعالجة المشاكل، وعدم القدرة على توجيه الجهود واستثمار الطاقات والاعتماد على تفعيل المتناقضات بين الموظفين للوصول إلى المعلومات والسيطرة على العمل، وعدم الصرف على اللاملموس والتركيز على الصرف على كلما هو مادي ملموس وعدم الاهتمام بتخطيط القوى العاملة، وعدم نشر ثقافة الابتكار والإبداع والعطاء والإنتاجية وتعزيز ثقافة التنفيذ الذي يعفي المساءلة وانعدام الجانب الفكري الذي يوضح للمدير الآثار البعيدة المدى لقرارته.
وهذه الأعراض الخطيرة ناتجة عن ضعف في المعارف والمهارات والخبرات الإدارية التي يمكن علاجها بالاعتراف بوجودها أولا واتخاذ العلاجات الكفيلة بعلاجها ثانيا ومنها تكثيف القراءة لرفع درجة المعرفة، والمشاركة في الدورات التدريبية المحلية والعالمية لرفع المهارات، والاحتكاك بالخبرات المحلية والعالمية لتبادل الآراء والمعارف والخبرات. وكل ذلك ممكن ومتاح إذا رغب المدير المتقاعس في معالجة ضعفه وأدرك عظم الحاجة لتنمية قدراته ومهاراته ليتحول من إداري إلى مدير فعال قادر على تفعيل مؤسسته أيا كان نوعها لتسهم إسهاما فاعلا في تحقيق أهدافها وأهداف التنمية الشاملة والمستدامة في بلادنا العزيزة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي