[حكمة الشريعة ]
حينما تقرأ كثيرا من الكلمات في تجريد اللغة فإنها قد تُعطي معنى مختصرا يفسره السياق، وهذا جزء من تكوين وتركيب اللغة، لكن ثمة كلمات تمثل سعة في الدلالة ويقع لها استجابة داخل النفس، لما تتصف به من اتصال فاضل مع مدارك الفقه والعلم، وتقع هذه الكلمة (الحكمة) كإحدى تلك الكلمات، ويرتقي بُعدها حينما تتصل(بشريعة الإسلام)التي هي أكثر الكلمات استحقاقا لهذا الاتصال، لما يقع تحت مفهوم الشريعة من حقائق الإيمان والعلم والعمل، ولما كانت الشريعة وحيا من عند الله فإن اتصافها بالحكمة قطعي، ولهذا ينتظم في معناها (جلب المصالح ودرء المفاسد)، وتقرأ في شريعة الإسلام أنه مثلت عدالة مع العالمين، لأن حقائقها تتصل بحفظ (حق الله وحق العباد)
إنك حينما تقرأ هذا الوصف (الحكمة) مضافا لعمل بشري فإن هذا قد لايعني أكثر من الرغبة، وربما صار أمر ما من(الاجتهاد البشري) لا يصنع حكمة، بل لا يتصف مفهوم بشري مجرد بالحكمة المطلقة التي تمثل كمالا، لكن هذه الشريعة الخاتمة تتصف بالحكمة اتصافا مطلقا، وهي حقيقة صادقة فيها، وعن هذا سمى الله وحي الأنبياء (عليهم السلام) حكمة في قوله سبحانه [وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقرتم وأخذتم على ذلكم إصري، قال أقررنا، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين]، ولهذا فإن الحكمة العالية التي أوتيها نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أتم حقائق الحكمة التي أوتيها نبي فضلا عن غيره، ولا تستطيع أن تقرأ تشريعا أو فرعا من فروع شريعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا وثمة تحقق لهذا المعنى، وإذا كان أهل الفقه والأصول من السالفين كتبوا في علة التشريع كما هو المصطلح لدى كثيرين وتكلموا عما أسموه (العلة المنصوصة) و(العلة المستنبطة) إلى غير ذلك، فإن هذا إنما يمثل قدرا من مجموع المعنى الذي ترسمه كلمة الحكمة في العلم والفقه، وهذا فقه يؤتيه الله من يشاء، يتصل به فقه مقامات الإيمان ومرادات العبودية ونظام التشريع، ومن المؤكد أن التماس ذلك واكتسابه يعد من أخص المدارك العلمية التي يترقى أصحاب الفقه والاجتهاد في رتبها العالية كما قال صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) ومن هنا فربما كان فاضلا أن يُشار إلى مقام أولي العلم والألباب أن يُعنوا بهذه (الصناعة) التي جال فيها أعيان من البصراء في علوم الشريعة من الأئمة وكبار الفقهاء وأهل الأصول، فإن الشريعة كما يُقرأ تطبيقها يجب أن تُقرأ حكمتها ومقاصدها والله الهادي.