صراخ طلاب الجامعات وصمم أساتذتهم
يشكو طلاب الجامعة من أساتذتهم مر الشكوى, ويشكو أساتذة الجامعة من طلابهم, وأنا بصريح العبارة وعالي الصوت منحاز إلى جانب الطلبة لعدة أسباب:
أولا: لأن الطالب يبحث عن أستاذه فلا يجده في مكتبه لكي يسأله في شأن يصعب عليه من المحاضرة, خصوصا وحضرة الأستاذ لا يلقي له بالا ولا يتيح له فرصة السؤال أثناء المحاضرة وإن حدث وإن منحه الفرصة فالعجرفة وضيق الخلق والاستعلاء تحاصر الطالب المسكين فيبتلع ريقه ويزدرد غصة السؤال ويقنع بالكلمات المتقاطعة التي قالها حضرة الأستاذ على عجل وبلا اكتراث.
ثانيا: لأن الأستاذ يكتفي من وقت المحاضرة ببعضه طائشا فوق عناوين وإشارات عابرة، مأكولة الجمل، غامضة العبارات وعلى الطلاب "الغلابا" فك طلاسم ما يود حضرة الأستاذ قوله بالتخمين أو بالتنجيم أو باللجوء إلى التلاخيص إن وجدت والحفظ من مذكرات الأستاذ التي تتسرب من يده إلى من يدفع أثمانها أو إلى محال خدمات الطالب, مع العلم أن الملخصات حتى لو حققت نجاحا بدرجة مقبول فإنها في النهاية تحوم حول حمى مضمون المادة العلمية وتكتفي بقشورها فقط.
ثالثا: لأن الطلاب حين يسجلون ساعاتهم يتعرضون للعبة الغماية في الحذف والإضافة ولزوم ما لا يلزم حسب مزاج السيد الأستاذ المبجل.
رابعا: لأن الطالب حين يقع في أي قدر ضئيل أو كبير من إشكال المادة أو أستاذها يقف الحجاب اللا مرئي من رهاب خشية غضب الأستاذ وكيده المحتمل لو عرف ومن رهاب التصديق المطلق للأستاذ والتكذيب والاتهام المطلقين للطالب وبالتالي يلوذ الطالب بجحيم قهره فلا رئيس القسم ينصفه ولا العميد يسمعه أو حتى يلقاه, علاوة على أن أستاذه أصلا غير مهتم أو مبال وعلى الطالب التخبط بين سندان مسؤولي الجامعة ومطرقة أستاذه.
خامسا: لأن أساتذة الجامعة أثناء العام الدراسي يحضرون إلى قاعات المحاضرة حينا ويتغيبون أحايين, أما في الصيف فحدث ولا حرج في تركهم طلابهم غادين رائحين فيما حضرات الأساتذة يقضون إجازات منحوها لأنفسهم بحكم تنويم الضمير المهني وجعل المناقبية التربوية "دقة قديمة" غير عابئين بالتزامهم لإدارة الجامعة بالتدريس صيفا.
سادسا: لأن أساتذة الجامعة لا يأبهون بالساعات المكتبية, فهم إما في ساعات استشارة خاصة مدفوعة الثمن خارج المكتب, وإما هم في حالة عكوف على العمل عليها خلف باب مغلق في وجوه طلابهم.
سابعا: لأنهم حين يذهبون إلى مؤتمرات أو ندوات أو دورات موقوتة بزمن محدود خارج البلاد يسعون إلى تمديد الأمد قدر ما يتاح لهم فعل ذلك وعلى الطلاب الانتظار حتى لو طال, فحضرة الأستاذ مشغول بنهل العلم والمعرفة للارتقاء بمستوى تعليمنا الجامعي إلى أعلى الدرجات!!
وبعد .. أعرف أن هذه الفقرات السبع قاسية في حق أساتذة جامعيين كرام يؤدون رسالتهم بأمانة وشهامة وغيرة وطنية هي محل كل إجلال وتقدير وأنها تستثنيهم لذلك وتحفظ لهم قدرهم واحترامهم لكنها في قساوتها تلك لا تتجنى ولا تتطاول على واقع سلوك وأداء بعض أساتذة الجامعة في مختلف مناطق المملكة, فصوت الطلاب وحديث مجالس أولياء الأمور يغص بنكد وكمد ممارسات بعض الأساتذة في استخفافهم بالمسؤولية وأمانة التعليم العالي الذي يفترض أن يكون أساتذته صفوة الإخلاص والإحساس بالمسؤولية لأنهم المصدر الأول والأخير الذي تعول عليه بلادنا في صناعة تقدم حاضرها ومستقبلها.
وما دام الأمر كذلك, ومع تقديرنا للمخلصين الرائعين من أساتذة جامعاتنا واعتذارنا مما قد يسببه طعم هذه الكلمات, فإنه لا بد من النظر في أمر السلوك المهني في الحرم الجامعي ومراقبة الانضباط في أداء الرسالة قولا وعملا, فالأمر ليس حضورا شكليا للأستاذ فحسب وإنما معيار هذا الحضور يتمركز في الكفاءة العلمية والنبالة التربوية وفي الحرص على تقديم النوعية والجودة في المادة إلى جانب ضرب المثل في الإخلاص لشرف الرسالة وأدائها بإتقان وحب.