في أعيادنا: ليكن تعبيرنا ردا على استعدائهم
العيد عند المسلمين مناسبة دينية واجتماعية, واقتصادية أيضا, فهو ترجمة لشعور الغني بالفقير وعطف الكبير على الصغير, وعناية المعافى بالمريض, وحنو القوي على الضعيف. ويمتد ذلك إلى أحوال المسلمين الأخرى ممن منعتهم ظروفهم الاحتفال بهذه المناسبة فتمتد يد، كرمها الله ووفقها للخير، لتكون لهم سندا لتشعرهم بكرم النفس وإشراق الغد. وليس أدل على ذلك في هذه الأيام من السماحة والحنان والعطف الأبوي الذي انتهجه ولاة الأمر - حفظهم الله - في هذا البلد الكريم بالعفو عن بعض المساجين وإطلاق سراحهم. فالمئات منهم خلال شهر رمضان المبارك وقبيل عيد الفطر سيقضون العيد بين أهاليهم. وحسب التوجيهات الكريمة فلم تكن هناك جنسية محددة، فالكل ممن انطبقت عليهم الشروط شملهم العفو. وقد كان في الزيارات الخاصة بالسجون في مختلف مناطق المملكة تخفيف على المساجين وتأصيل روح المودة والمحبة، وقد شعر بها كبار السن والمعوقين عندما تم تمييزهم لزيارة ذويهم. كما لوحظ على نزلاء دور الملاحظة الاجتماعية في جميع مناطق المملكة الارتياح والرضا لإتاحة الفرصة بزيارتهم من ذويهم والمسؤولين. هذا سيكون مردوده إيجابيا في تطوير أوضاع الإصلاحيات والسجون الذي سينعكس على هؤلاء بالخروج تائبين بإذن الله، عسى الله أن يجعلهم من الهداة المهتدين, وأن يجزي ولاة الأمر كل خير.
لا شك أن في عيد الفطر تلتف قلوب البشر حول بعضها البعض ويبادر المسلمون بالتعبير عن محبتهم بمظاهر يتخذونها عادات تميزهم. ومن المعروف أن مظاهر أفراح العيد تختلف من قطر لآخر, مع أنها تتمحور حول المشاركة في الفرحة والالتفاف حول مآدب تقوي روابط المودة بين الناس. ففي المملكة مازال كبير العائلة يجمع أطفالها لإهدائهم ما قسم لهم وما تيسر, ومازالت المآدب تجمع المتزوج والأعزب, مع أن في الآونة الأخيرة غيبت التهاني الإلكترونية فرحة العيد بتبادل التهاني القلبية. ومع أن بداية ظهور الألعاب النارية جعلها عادة اقترنت بأيام عيد الفطر المبارك, كأحد مظاهر الاحتفال بالعيد, إلا أن الأمل في تضافر الجهود للحد من انتشارها بدون وعي أو رقابة سواء مباشرة أو عبر رسائل إعلامية مركزة. أما في آسيا, ففي تايلاند مثلا يتدافع المسلمون ليلة العيد لتوزيع الزكاة في المساجد، ومن ثم يعودون بعد الصلاة لاستقبال المسلمين وغير المسلمين من المهنئين، لأن الفرحة عندهم للجميع. في الصين يأخذ الموظفون والعمال المسلمون إجازةً خاصةً ليوم واحد للاحتفال بالعيد في قراءة القرآن وتفسيره. في إندونيسيا يتميز العيد بعودة المسلمين إلى قراهم ليتبادلوا التهاني مع ذويهم, ومَن لم يستطع يرسل التهاني ببطاقات المعايدة التي تطورت لاستخدام الجوال لأهمية كتابة المعايدة عندهم لبعضهم البعض. وفي الشام تصنع الحلوى التي سميت "كل واشكر" نسبة إلى الطولونيين الذين كانوا يصنعونها في قوالب خاصة ويكتبون عليها هذه العبارة. في بخاري يبدأ الاستعداد للعيد منذ السادس والعشرين من شهر رمضان, فيحضر الأب كل مستلزمات العيد، وتستعد الأم لتجهيز المنزل وتزيينه وإعداد الأطعمة والحلويات التي تقدم للضيوف، ولأنهم يتميزون بالخبز البخاري والحلويات البلدية، فقد استمرت هذ العادة إلى آخر 15 عاما، حيث بدأت التورتات "الكيك الأوروبي" تحل محل الحلويات. الجميل في عاداتهم أن أبواب المنازل تظل مفتوحة طيلة أيام العيد لاستقبال الزوّار والترحاب بهم. في إفريقيا وفي مصر بالذات يعد الكعك أهم مظاهر الاحتفال منذ القدم، فالفراعنة كانوا أول من خبزوا الكعك وبأشكال مختلفة وعديدة جدا, كما كانوا يرسمون على الكعك قرص الشمس كعادتهم عند تبجيل إله أو تسجيل أحداثهم بالنقش والحفر. في بعض الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية يحرص المسلمون على مجالسة حديثي العهد بالإسلام حيث يتم الرد على أكثر الأسئلة طرحا في مثل هذه المناسبة لتسكن أنفسهم ويقضوا أيامهم في طمأنينة وسلام. كما أن هناك من يقيم أسبوعا توعويا, تقوم فيه نخب للحديث عن تجاربهم في مواضيع شتى. كما قد يدعى للخروج بعض الشباب للتخييم بعيدا عن المدينة وضوضائها, وتحت إشراف بلدية المنطقة لاكتساب المعرفة وتحمل المشاق وتعويد النفس على العمل كفريق واحد. أما في باريس بالذات, ففيها يتركز المسلمون في أحد الأحياء، ويجتمعون على أن يكون آخر يوم في رمضان هو يوم توزيع الزكاة على الفقراء والمحتاجين. أما في بريطانيا ففي هذا العام سيحتفل المسلمون (ولأول مرة في تاريخ بريطانيا) بتنسيق الجمعية الإسلامية للاحتفال بعيد الفطر المبارك يوم 28 تشرين الأول (أكتوبر) وفي وسط ميدان ترافيلجر في لندن، سيكون التجمع على بازار خيري مفتوح للجميع وسيفد إليه المسلمون في بريطانيا من كل مدينة وقرية مرحبين بكل الجاليات والأديان بينهم. لقد دعم هذا النشاط ولأول مرة عمدة مدينة لندن لتموله وتتابعه الجالية الإسلامية في بريطانيا. هذا الحدث في هذا الوقت بالذات يُتوقع له أن يُظهرَ المسلمون فيه مدى سماحة الإسلام مع الأديان الأخرى والبشر من كل جنس ومن كل حدب وصوب.
نتطلع الآن إلى نشر وقائع احتفالات العيد حول العالم على كل القنوات للتعريف بالعادات المختلفة وتحقيق الامتزاج الإسلامي والحضاري بين شعوب الأمة الإسلامية, فتتآلف الأنفس ونهب لنصرة بعضنا البعض ونرد على الحملة التشويهية الأخيرة بالمنطق والعقل. وحري بنا الآن البحث عن طرق للاستثمار في أكبر المؤسسات الإعلامية في العالم حتى يتم التأثير الإيجابي في تغير صورة الإسلام. ولو تم النشر ووجهت الرسالة بعدة لغات، فالوقع سيكون أكبر وأفضل. إن الهجوم الذي شنته أمريكا وبعض الدول التي تبعتها على الإسلام والمسلمين منذ الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001م قهقر المسلمين وخلط أوراقهم وجبرهم أن يلتزموا موقع الدفاع. ولكن الله لم ولن يرض إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. وكل عام والجميع بخير.