رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


حقائق السوق تفرض نفسها مرة أخرى!

لماذا تراجعت السوق بهذه الحدة في 14 أكتوبر؟

في البداية أرجو أن نكون منصفين مع أنفسنا بالدرجة الأولى, ونقول إن ما حصل وما سيجري مستقبلا هو لا يدخل في باب التنجيم إلا بقدر توقيت الحركة سواء للأعلى أو للأسفل والتاريخ المحدد لها! وهي عملية تتسم بالغموض الشديد ولم يسلم منها أحد بما في ذلك بعض كبار المضاربين لأن المسألة ببساطة شديدة لم تعد سوق مال ولكنها غابة والكل يأكل الكل، وبالتالي البقاء للأقوى وليس لأي شيء آخر.
التراجع كان متوقعا, أو بالأصح شبه مؤكد لدى الجميع سواء كانوا أفرادا أو مستثمرين ولكنه بتوقيتات مختلفة. ولكن السؤال هو: لماذا هي متوقعة مثل تلك التراجعات؟ ولماذا تحصل بالدرجة الأولى بهذه الحدة؟ فكروا بعمق في إجابة السؤالين وستجدوا أن المنطق يفرض نفسه في نهاية المطاف. ومن حقائق السوق التي تؤكد هذا المنطق أن متوسط ربح عمليات المضاربة بلغ نحو 267 في المائة منذ أيار (مايو) هذا العام، فيما الاستثمار كان متوسط ربحه في حدود 46 في المائة فقط منذ شهر أيار (مايو).
وقد قرأت عنوانا في الـ "فاينانشيال تايمز" السبت 14/10/2006 والمنقول من خلال هذه الصحيفة "الفساد آفة تطور الأسواق الناشئة"، وتحدث التقرير عن غياب الإدارة الرشيدة والحُكم الرشيد وغياب هذا الرشد داخل الشركات وداخل الإدارات الحكومية المسؤولة عن الأسواق سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وتحدث عن الفساد في عدد من الدول ولكنه لم يتحدث عن الفساد لدينا. وأقولها بكل صراحة إن غياب الشفافية يعني بالضرورة وجود فساد ما، هكذا ببساطة شديدة. لدينا فساد زاد وانتشر في سوق الأسهم في السنوات الثلاث الأخيرة فاق كل التصورات. وقد حذرت في مقال سابق نشر في هذا الجريدة في 5/9/1427هـ تحت عنوان " أثرياء سوق الأسهم الجدد.. هل يشكلون خطرا علينا؟" من القدرات المتنامية لشريحة تفتقد كثيرا من أخلاقيات المهنة التي هي دائما تشكل رادعا وحماية من تجاوز الخطوط الحمراء للدولة وللمجتمع.
وعليه عندما يكون عنوان السوق هو الفساد يكون كل شيء ممكنا وواقعيا. وعودة إلى عنوان هذا المقال أقول ببساطة إن ما حصل يوم السبت وكذلك الأيام اللاحقة كان ببساطة شديدة تصفية لبضاعة انتهى التاجر من بيع الجزء الكبير منها منذ بداية رمضان وكانت هناك عمليات تصريف واضحة، وعندما حقق هذا التاجر الأرباح المطلوبة وبقي لديه عدد من الأسهم التي أبقاها حتى يجر السوق إلى المستويات التي تساعده على الدخول بأسعار جيدة لتدوير السوق ولكن هذه المرة بطريقة مختلفة تماما.. كيف؟
وقد تداخل في الآونة الأخيرة عدد من العناصر في سوق الأسهم السعودية كانت واضحة أنها ستؤدي إلى تلك النتيجة لأن ما أُسس على باطل فهو باطل بكل تأكيد. ومن تلك العناصر ما يلي:
1. منذ تداول شركة إعمار كان هناك عشرة ملايين مستثمر في الشركة أصبحوا في حكم المؤكد أن لهم توجها معينا في بيع الشركة ومن ثم كان هناك مفترق طرق. إذا ما تكررت تجربة شركة الاتصالات السعودية عندما طرحت للاكتتاب فإن ذلك يعني أن السوق ستكون فيها نحو عشرة ملايين محفظة نشطة. وإذا لم تتكرر تلك التجربة وهو ما حدث فعلا، فإن ذلك يعني هروب عدد كبير من العشرة ملايين مكتتب, إضافة إلى وصول عدد من المستثمرين النشطين في السوق إلى نتيجة أن ما حدث لشركة إعمار هو القشة التي كسرت ظهر البعير, وبالتالي كان هناك قرار إما بالخروج من السوق أو البقاء مستثمرا وليس مضاربا كما جرت العادة وبالذات منذ 26 شباط (فبراير) 2006.
2. معرفة كبار المضاربين أفرادا ومجموعات أن هيئة سوق المال ماضية في عملية إعادة هيكلة السوق وبالذات بعد قرار توحيد فترة التداول وتوقع العديد من القرارات الجديدة التي تصب كلها في عملية إيجاد هيكلة قادرة على تحويل عمل السوق إلى نظام مؤسساتي وليس فردي، وتطوير أدوات السوق من شركات مالية وصناع سوق بالمفهوم العلمي وليس بمفهوم الكثيرين الذي يعني لهم حماية السوق من التذبذب. نقصد بصانع السوق هؤلاء اللاعبين الجدد القادرين على ضبط السوق حسب أساسيات التحليل الاقتصادي والمالي من خلال ربط الحقائق العملية للشركات بأسعار أسهمها. وهذا التوجه تتضح معالمه يوما بعد يوم.
3. السوق لم تتراجع السبت 14/10/2006، وإنما كانت في حالة تذبذب واضح منذ بداية شهر رمضان- مع أن التذبذب هو سمة السوق منذ فترة التراجع الحاد في 26 شباط (فبراير) 2006. ولكن ما أقصده التراجع الأخير. إذاً الذي حدث أن الحماية التي كانت مفروضة على الشركات القيادية للتحرك في نطاق ضيق كشفت وكان مخططا لها بهدف التصفية النهائية كما ذكرت آنفا. وهي تصفية تكتيكية وليست نهائية. وكنا بكل أسف في السابق نردد أن السوق أقفلت على نمو، وهي في الحقيقة كانت في حالة التراجع ولكن المؤشر لم يعد مؤشرا منذ اللحظة التي أصبح اللاعبون الرئيسيون في السوق لديهم القدرة على تحديد نسبة إقفاله بالشكل الذي يريدون.
4. المكتتبون في "إعمار" ومن خلال التصرفات التي شاهدناها في كثير من المواقع وبالذات من أولئك الذين يكتتبون لأول مرة، كانت مؤشرا كافيا على أن السوق لم تعد مشجة على التعامل فيها بالمهنية التي يجب أن تكون في سوق الأسهم. وهي رغم أنها كانت بالنسبة إلى شريحة كبيرة من المضاربين الكبار عامل جذب في السابق إلا أنها أيضا على المدى المنظور غير القصير عامل سلبي بكل تأكيد.
5. ذكرت عنصر الفساد وهو العنصر الرئيسي الذي ينخر في جسد السوق منذ مدة, وبكل أسف فإن مساحة الفساد في زيادة مستمرة وبالتالي يكون المتضرر الأول هو الاقتصاد الوطني. كيف يتم هذا الفساد؟ ولحساب من يكون هذا الفساد؟ وكيف نحد من توسع انتشار هذا الفساد؟ كلها أسئلة بحجم الوطن وبحجم التحديات الأخرى التي علينا التعاطي معها لتطوير سوق مالية قادرة على استيعاب المدخرات بهدف الاستثمار وليس بهدف تركيزها على أيدي قلة قليلة أصبحت لاعبا يتمتع بقدرات مالية كبيرة من لا شيء، إلا من النهب الواضح في سوق الأسهم على حساب بساطة وسذاجة المواطن البسيط الذي يتحمل هو جزءا من تبعات قراراته ولكنه وحسبما تكون لدي من انطباعات، أن جزءا كبيرا منهم وثق بالسوق بسبب الثقة بالدولة التي هي مسؤولة عن توفير عنصري العدالة والشفافية اللتين توضحان بجلاء لا يحتاج إلى مكبرات رؤية حقائق السوق ومن الذي يعمل ولماذا؟ Who is Doing What?.
6. قضية الاكتتابات التي طرحت التي ستطرح أفقدت الكثيرين الثقة بكل صراحة حيث كان هناك صيام كامل لأكثر من 15 سنة عن طرح أي شركة جديدة في السوق، وفجأة الجميع يريد أن يكون صاحب شركة مساهمة ويحرك كل الأذرعة للحصول على الموافقات اللازمة للدخول في سوق الأسهم، ومن خلال تجارب الشركات التي طرحت وأكدتها في أكثر من مناسبة. "غبي" من لديه شركة ولا يطرحها لسوق الأسهم. الطروحات السابقة توضح أن المسألة مربحة بجنون وبنسب تفوق 1000 في المائة. كما أن أعداد الاكتتابات المقبلة في 2007 وإذا كانت في مستوى الشركات التي طرحت حتى الآن نفسها, فهي ستكون كارثة أكبر على السوق وستؤدي إلى نتيجة تؤكد أن هناك خللا ما.
إذاً أنا متفائل بعد إجازة عيد الفطر المبارك بأن بداية مشوار الألف قد بدأت في سوق الأوراق المالية ولا أقول سوق الأسهم فقط، ولكن بمفاهيم مختلفة وتحديات جديدة، وهذا لا يعني أن الطريق سهل ومعبد ولكن علينا السير بحذر وتؤدة حتى نحقق الأهداف سواء على المستوى الفردي أو على المستوى الوطني التي يفترض ألا تتعارض وإذا ما تعارضت فإن هناك خللا ما يجب البحث عنه.

* محلل مالي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي