رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التأخير بين الجهل وسوء النية..

[email protected]

حالما نشرت مقالة "المستثمر ويوم الحكومة بسنة " حتى وردت لي الكثير من الرسائل الإلكترونية والاتصالات تؤكد في مجملها أني وضعت إصبعي على جرح ملتهب ومتعفن يعاني منه الجميع بصورة أو بأخرى، نعم الجميع يعاني من عدم احترام معظم موظفي الحكومة الوقت حتى أصبح الأفراد والمؤسسات يعاونون من أزمات متلاحقة طالت الخدمات الأساسية كالماء، والكهرباء، والإسكان، والتعليم، والصحة، بل إن بعض الجهات الحكومية فشلت في تحقيق أهدافها بسبب عدم احترام جهة حكومية أخرى للوقت.

يقول لي أحد المواطنين إنك يا دكتور عبد العزيز أحسنت الظن بموظفي الحكومة حينما قلت إنهم لا يدركون أهمية الوقت بالنسبة للقيادة والمستثمر والمواطن، فالأمر خلاف ذلك، فهم يدركون تماما أهمية الوقت ويتخذون من ذلك مبررا لابتزاز المستثمرين لتدسيم شواربهم أو للحصول على مكتسبات لمؤسساتهم الحكومية لتعزيز قدراتها بطريقة لوي الذراع، التي باتت معروفة لدى معظم المستثمرين، وأنهم يؤخرون العمل بدواعي الضغط واحترام الأولويات وإجراء الدراسات واستكمال المتطلبات، وغير ذلك من المبررات التي لن يعدموا أيا منها إذا شاؤوا.

وهذا أحد المواطنين يقول لي بعد نشر المقالة، وهو يحثني على تكرار طرح موضوع الوقت بصورة متعددة لكي يلتفت له ولاة الأمر - أيدهم الله - لمعالجته، يقول إن أحد المستثمرين السعوديين ممن اطلعوا على استراتيجية الهيئة العليا للسياحة فأراد أن يساهم في تحقيقها بعد أن رأي فيها فرصا استثمارية مجزية يمكن له من خلال اغتنامها تحقيق مصلحته الخاصة بتحقيق المصلحة العامة، إلا أنه ما زال في سنة ثالثة إجراءات للحصول على ترخيص لمشروعه السياحي، الذي يريد إقامته على أحد الشواطئ، ويضيف أن معاملته ذهبت حتى إلى خفر السواحل الذين ما إن وصلتهم المعاملة إلا وطلبوا إقامة مركز لهم في المرفق السياحي وعلى حساب المالك.

مستثمر عقاري يقول إن الدولة تحثنا على تطوير الوحدات السكنية لتلبية الطلب المتزايد على الشقق والفلل، الطلب الذي أدى إلى ارتفاع متزايد وجنوني في أسعار الإيجارات نتيجة شح المعروض، يقول إنه يلف كما الثعلب حول نفسه سبع لفات ولا يعرف كيف يخرج من دوامة الجهات الحكومية المنظمة، وخاصة الدفاع المدني للحصول على ترخيص السلامة، حيث الغموض في الطلبات وفي المعايير، مؤكدا أن الوقت آخر ما يفكر فيه موظفوه، حيث جل همهم حماية أنفسهم من الوقوع في الخطأ، ويضيف ماذا يريد هؤلاء، هل يريدون أن يروا في بلادنا تضخما في الإيجارات، كما حصل في قطر، حيث اضطرت الدولة لسن قوانين صارمة للحد من ارتفاع الإيجارات ذي الآثار السلبية على مستوى معيشة المواطن والمقيم على حد سواء.

وأقول للإخوة الكرام ليت الأمر يتعلق بتأخير المستثمر والمواطن فقط، بل إن الأمر وصل إلى تأخير مؤسسات حكومية بشكل يعوقها عن تحقيق أهدافها في الوقت المحدد، فهذه الهيئة العليا للسياحة وهي مؤسسة حكومية تعمل بمنهجية علمية راقية بكل المقاييس لتنمية قطاع السياحة وتطويره تعاني بشكل كبير من المؤسسات الحكومية الأخرى التي تطبق أنظمتها دون أدنى مراعاة لخطة الهيئة الاستراتيجية لتنمية هذا القطاع المهم والحيوي الذي يمكن أن يرفع الناتج الإجمالي المحلي، ويوفر ملايين الفرص الوظيفية لأبنائنا وبناتنا، كما يمكن له أن يخفف من النزف المالي الناتج عن تفضيل السياحة الخارجية على حساب السياحة المحلية.

نعم هيئة السياحة تحث المستثمر السعودي على الاستثمار في القطاع السياحي من تنشيط هذا القطاع، وهذا المستثمر يستجيب، وما إن يستجيب حتى تتلقفة مؤسسات حكومية عدة وتضع أمامه تسع وتسعون عقبة، وواحدة أخرى وهي على عجل!! فمن وزارة التجارة إلى البلدية، وإلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلى الدفاع المدني وإلى خفر السواحل!! وهكذا حتى يتعوذ من هذا الاستثمار، ويحذر غيره من الوقوع في هذا الشرك الذي أعدته له الهيئة العليا للسياحة، فيحجم ويحجم غيره، وتذهب خطط الهيئة العليا للسياحة أدراج الرياح.

القصص كثيرة ومحزنة ومبكية ومحيرة وتجعل العاقل يلف حول نفسه متسائلا، ما هي الحكاية؟! ما الذي يجري؟! لماذا المؤسسات الحكومية التي تعتبر أذرعة لتطبيق استراتيجية الحكومة في توفير الخدمات الأساسية للمواطن وتحفيز المستثمر للاستثمار، بما يحقق تلك الاستراتيجيات تقف في وجه تحقيق تلك الاستراتيجيات؟!

مجمل ما أراه وما يراه الآخرون أن الجهل وسوء النية هما السببان الرئيسيان في التعامل السيئ مع عامل الوقت الذي يعتبر عنصرا حاسما، خاصة لدى المستثمرين، وهذان السببان علينا معالجتهما بالتوعية، كما أشرت في المقالة السابقة، وأقصد بذلك توعية الموظفين، وخصوصا من هم في الوظائف القيادية في خطط الدولة واستراتيجياتها وأهمية الوقت بالنسبة للأطراف المساهمة في تنفيذها، وبتطوير الأنظمة والإجراءات التنفيذية والرقابية، وأقصد بذلك توحيد الأنظمة لدى الموظفين كافة، وحذف الشروط غير المبررة، وتدريب الموظفين على التعامل مع المراجعين بروح التيسير لا التعسير، كما هو حاصل الآن، واستخدام التقنية الحديثة في مراقبة سير المعاملات بين الإدارات والأقسام والوقت الذي تستغرقه لإنجازها، ومقارنة ذلك بالوقت المعياري اللازم لإنجازها وتشجيع الملتزم ومعاقبة المتقاعس. كما أعتقد أن تطبيق فلسفة العمليات الإدارية القائمة على دمج الإجراءات لدى جهة واحدة بدل جهات متعددة يمكن أن تشكل عاملا مهما في اختصار الوقت بشكل كبير، وهي مطبقة حاليا في الهيئة العليا للاستثمار ويمكن تطويرها لتكون أكثر فاعلية ونجاحا.

ختاما أقول لكل موظف حكومي ما أنت إلا مواطن سعودي، وما يضرّ البلاد من تقاعسك وعدم احترامك للوقت سيلحق بك بصورة أو بأخرى، ومن مصلحتك أولا ومصلحة إخوانك المواطنين، ثانيا أن ترفع همتك وتؤدي عملك على أكمل وجه لتنال رضى خالقك أولا، "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، ولترضي مسؤوليك ثانيا وترضي ضميرك ثالثا، وكلنا ثقة بأنك لن تجعل لمسؤولياتك تجاه وطنك سقفا.

* كاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي