رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تصميم مظهر وهوية الطرق المتميزة والمرتبطة بالحي السكني

[email protected]

أسعدني أن أرى تفعيل ما سبق أن تطرقت إليه عدة مرات خلال السنوات العشر الماضية عن أهمية تأثيث الطرق STREET FURNITURE وما له من بُعد إنساني وتأثير مريح لنفسياتنا وأثره حتى على تعاملنا داخل أسرتنا والمجتمع. وجميل أن نرى الأرصفة الواسعة تأخذ طريقها إلى الانتشار في طرقات مدينة الرياض ولتطل عليها المقاهي والمطاعم، ويصبح الناس يرون بعضهم ويتلاحمون اجتماعياَ. وهو أمر صحي وأتمنى أن تمتد التجربة إلى بقية مدن المملكة. وأجمل من ذلك أن تلاقي التجربة تعاونا ووعيا عاما من المواطن في دوره للمحافظة على هذه المنجزات بعدم القفز بالسيارات عليها أو تكسيرها ورمي النفايات والمخلفات عليها. فهي صنعت له، ومحافظته عليها تدل على مدى تحضره أو هل هو "فعلا يستاهلها!"
وقد سبق أيضا أن طرحت في هذا السياق موضوع إعادة تصميم بعض الشوارع الكبيرة التي بعرض من 30 إلى 60 مترا داخل الأحياء السكنية، سواء القديمة أو الحديثة أو المستقبلية، وذلك بإلغاء بعض المسارات من كل جهة لتوسعة الأرصفة الجانبية وتقليص الجزيرة الوسطية وجعلها حدائق ومسارات آمنة للمشاة من أبنائنا وأمهاتنا. وتحويلها إلى حدائق وأرصفة منسقة وبتأثيث وإنارة جميلة وتنظيم أو إخفاء صناديق النفايات ووضعها المزري. وعمل منحنيات ومطبات سلسة تساعد على تخفيف السرعة والحوادث.
وتلك الطروحات بدأت تتحقق وستكون أحد دلائل تحضر المجتمع ونمو حس المواطن وذوقه للتمتع بالتجول في مدينته التي يقضي معظم يومه تجوالاً في شوارعها لقضاء واجباته العملية والاجتماعية. فالطرق عالمياً تعتبر من وسائل الترفيه والتمشية، ويقصدها سياحنا للتجوّل في شارع الشانزليزيه وأكسفورد والمحلات والمطاعم التي تطل عليها.
وكأني أرى أن الخطوات المقبلة هي ربط شخصية الطرق بعلاقتها مع تصميم متميز للحي السكني أو التجاري أو الصناعي وسكانه. وإعطاء الهوية والشخصية الاعتبارية Corporate I. D. لكل طريق وحي سكني ليكون له طابعه الخاص ثم يتم تصميم طرقه وشوارعه بطريقة تتناسق، وتنم عن شخصية الحي نفسه. وأن يأخذ كل طريق طابع الحي الذي يمر به Theme. سواء كان حيا على طراز عربي أو إسلامي أو إسباني أو أندلسي أوحي عمال صناعيا بطابع صيني أو ياباني. وبطريقة موحدة وقياسية، وأن يكون لكل طريق قصة يحكيها أو شخصية يرمز لها ويكون لها تأثيث ينم عن تلك الحضارة للشوارع واللوحات، وأسماء المحلات وطريقة تثبيتها بحيث تضفي جمالاً ومتعة للمارة. وهو علم قائم بذاته وله مقايساته الهندسية الدقيقة والعالمية ومراجعه المتعددة التي تحدد أنظمته ومواصفاته وطريقة رصف الرصيف وتحديد مسارات المشاة والدراجات ومنحدرات واضحة للمعوقين ولمداخل المواقف مع العناية بالتشجير وتوفير مظلات ومقاعد الانتظار وأعمدة الإنارة، واختيار أشكال متميزة لسلال النفايات وصناديق البريد وكبائن الهاتف وطريقة تأثيثها، وتنظيم وتوحيد مقاسات وألوان ومواقع اللوحات، سواء للمحلات التجارية أو الإعلانية على واجهات المباني التي تهدف في مضمونها إلى مراعاة الذوق العام، وإضفاء جو المتعة والرفاهية لسكان المدينة.
ومثال بسيط على ذلك أن يكون طريق صلاح الدين الأيوبي، مؤثث بطريقة تحكي الطراز الأندلسي والمعارك التي انتصر فيها العرب والمسلمون. ويكون فيها صور محفورة على بعض الحواجز الأسمنتية وقواعد الأعمدة وإشارات المرور وشكلها، والجدران وأشكال في الدورانات، وقد يصل الوضع إلى تسمية الشوارع التي تصب فيه بأسماء تلك المعارك أو الآثار الإسلامية.

وأن يتم من الآن وضع الأنظمة والتصاميم للبدء في الشوارع والطرق للأحياء الحديثة والمستقبلية، التي لم يصلها العمران بكثافة ليسهل التعديل ثم نعود إلى الأحياء القديمة.

أهمية تأثيث الشوارع سواء داخل الحي أو خارجه، وإعطاؤها احترامها وإبراز شخصيتها الاعتبارية كأحد عناصر المدينة المهمة، هي عنوان الإنسان وتعبير عن تمدنه وتحضره، فالإنسان الذي يولي اهتمامه بمظهره ونظافة ملبسه وسيارته لا بد أن يكون لديه بعض الإحساس بأهمية العناية بمظهر الطريق والرصيف الملاصق له وواجهة منزله أو محله، والاهتمام بإماطة الأذى عن الطريق، حيث إن صناديق النفايات أسوأ أنواع الأذى والاهتمام بطريقة وضع اللوحات الخارجية، وأنها جزء من شخصيته، وعدم الاهتمام بها يعتبر نقصا في شخصيته الاعتبارية كمواطن صالح يسعى للمصلحة العامة.

إنها دعوة للجميع للنظر في أهمية التخطيط والتنسيق وتنظيم تأثيث الطرق ضمن الأحياء السكنية الجديدة لتأخذ طابعا متميزا يحكي رمزا أو هوية رائعة، وأن تصبح الطرق والشوارع والأرصفة لها هوية وشخصية اعتبارية تميز الحي وأهله. وإعادة النظر في موضوع الاهتمام بتوفير شوارع منسقة وتحتوي على أرصفة واسعة ومنسقة والاعتناء بمظهر وتأثيث الشوارع، ومحاولة شن حملات على من يشوهون مدينتنا باللوحات الدعائية التي تقزز النفوس. ومحاولة الاستفادة من تخطيط وتأثيث الطرق لبعض الأحياء الحديثة عالميا ومحليا، والتي اهتم بتصميمها واستغرق وقتا وتكلفة كبيرة مثل الحي الدبلوماسي أو أحياء مدينتي الجبيل وينبع.
مَن منا لا يحلم بمتعة التجول بصحبة عائلته أو أصدقائه في شوارع وطرقات المدينة ويسعد برؤية تنسيق الحدائق والأشجار وتأثيث الأرصفة ولوحات الإعلانات المنسقة، ومن خلال شوارع نظيفة ومرتبة لتكون متعة للناظرين. ولماذا نلجأ إلى الحلم، وهو أسهل ما يمكن أن يكون حقيقة بتضافر الجهود. ومحاولة تحقيق الحلم الجميل للجميع، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بتضافر الجهود لحل هذه المشاكل التخطيطية. وفي تصوري أن هذه الحلول سهلة وفي متناول الجميع.

* مهندس معماري ومخطط مدن

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي