البنوك و"إعمار" وضياع الأحلام
<p><a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a></p>
هنالك تساؤلات جدية حول مشروعية ونظامية تدخل البنوك، بصفتها الوسيط الوحيد والأوحد في بيع وشراء الأسهم، بتلك الطريقة التعسفية حين رفضت قبول البيع بسعر محدد من قبل المساهمين في شركة إعمار في اليوم الأول من تداولها، وهذه التساؤلات لا يجب ولا يجوز أن تترك بلا إجابة وافية وشافية خصوصاً من قبل الجهات المسؤولة والمؤتمنة على سوق الأسهم وحقوق المساهمين فيها وهي مؤسسة النقد وهيئة سوق المال، فالذي جرى كان مثيراً للملاحظة فعلاً.
السؤال المهم حول ما حدث هو: من سمح للبنوك بفرض البيع بسعر السوق على المساهمين من خلال أجهزة الصراف الآلي ومواقع الإنترنت على وجه الخصوص ورفض قبول أو عدم تمكين المساهم من تحديد سعر البيع الذي يريده..؟ فهذا تدخل سافر في حقوق المساهم في البيع بالسعر المناسب له، وهو تدخل غير نظامي حسب علمنا ولا يتوافق مع أنظمة سوق المال التي أعطت المساهم الحرية بالبيع والشراء حسبما يريد وبالسعر الذي يحدده هو وليس الوسيط وهو هنا البنوك، وهو ما يوحى ويشير إلى أن هناك لعبة ما لعبتها البنوك في غيبة من الرقابة واستغلال لثغرات في النظام، فالتصرف الذي أقدمت عليه البنوك لا يمكن أن يفهم بغير ذلك، وإن برر بأنه لمواجهة الضغط على منافذ البيع وهو تبرير غير مقبول.
في تصور كثيرين أن هذا الإجراء الذي تجرأت عليه البنوك في اليوم الأول بعدم قبول أوامر بيع إلا بسعر السوق أسهم في انخفاض سعر سهم "إعمار" في الوقت الذي كان يأمل فيه كثيرون خصوصاً صغار المساهمين، الذين وجدوا في الطرح الكبير لشركة إعمار هدية من خادم الحرمين الشريفين, وفقه الله, لمواطنيه، تحقيق أرباح دغدغت جيوبهم وهم على أعتاب العيد عطفاً على ضخامة المشروع الذي يقف خلفه قائد البلاد الذي يعمل ليل نهار على فتح منافذ خير ومنافع للمواطنين كما هو الحال مع مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية العملاقة، فإجبار من يريد البيع في اليوم الأول على البيع فقط بسعر السوق أدى إلى تراجع السعر سريعاً حتى اقترب من ثلاثين ريالاً بعد أن بدأ بأربعين ريالاً ووصل في فترة إلى خمسين ريالاً، فمن الطبيعي حين توضع جميع أوامر البيع تقريباً بسعر السوق أن يكون العرض أكثر من الطلب لكون العرض مفتوحاً في وقت غيب فيه المساهمون عن حقهم الطبيعي بتحديد السعر دون رغبة منهم أو قبولهم, وهو ما أدى إلى هبوط السعر بسرعة قياسية في اليوم الأول، وحين أعيد البيع بالسعر المحدد شاهدنا كيف عاود السعر الارتفاع فيما بعد، وهنا أود التوضيح أن الاعتراض ليس على السعر ولكن على فرض البيع بسعر السوق.
هنا لا بد أن نتوقف لنسأل: من المستفيد من ذلك الإجراء الذي أقدمت عليه البنوك..؟ وما المعطيات النظامية التي استندت إليها..؟ الجواب ليس عندنا ولكنه يفترض أن يكون لدى مؤسسة النقد وهيئة سوق المال اللتين نأمل ألا تفسرا وتعتبرا ما جرى مجرد خطأ أو خلل تقني ليس إلا..!
فالأمر يبدو أنه دبر بليل كما يقال وكما توحي الأمور من قبل البنوك، فهناك من لاحظ أن محافظها اشتغلت بالشراء الخفي حين هبط السعر بسبب الإجبار على وضع أوامر البيع بسعر السوق فقط بمبالغ لا يقدر عليها إلا من هو في حجمها.
ليس من عادتي ولا من اهتمامي الاعتماد فيما أكتب أو أريد التعليق عليه أن أركن إلى ما ينشر في مواقع الإنترنت، فأنا أعرف أن كثيرا منها يدس السم في العسل ويستغل مناخ الإخفاء والاختفاء لبث الإشاعات المغرضة وإثارة النعرات والبلبلة بل الفتن, والعياذ بالله، إلا أن صديقا لي لفت نظري لموضوع نشر في أحد المواقع الإلكترونية متخصص في سوق الأسهم اسمه (المضاربون) بقلم أحد كتاب هذا الموقع المتميزين بطرحهم الجاد والجريء والموضوعي والذي يوقع باسم (أبو فرح) وكان الموضوع بعنوان (من أجبر الناس على بيع إعمار..؟) وتطرق بحس وطني كامل وتحليل موضوعي بعيداً عن الدس والإسفاف إلى هذا الموضوع، وهو ما شجعني لأن أشير إليه هنا وإلى هذه القضية وهي قضية تدخل البنوك بإجبار الناس على البيع بسعر السوق، ووجدت من المناسب أن أطرح هذا الموضوع عبر جريدة "الاقتصادية", لأنه فعلاً مثير للملاحظة وحري بأن يناقش على نطاق واسع، فالبنوك بهذا الإجراء ليست بعيدة عن الشبهات فيما جرى بما تملكه من إمكانات واحتكار للواسطة المالية وبما لديها من عقول خبيرة تعرف من أين تؤكل أكتاف المساهمين في مثل هذه الفرص والذين ينطبق عليهم قول: يا غافلين لكم الله.