رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الاندماج في شركات المضاربة .. تحايل آخر

<a href="mailto:[email protected]">amsultan@hotmail.com</a>

تعاني سوق الأسهم السعودية من ترد واضح متزايد في مستوى الشفافية والمصداقية، نتيجة تفشي عمليات المضاربة غير المشروعة الذي تسبب في تقييم مبالغ فيه للشركات الصغيرة في السوق أو ما يسمى بشركات المضاربة، لاستهدافها من قبل المتلاعبين في السوق نظراً لسهولة السيطرة على حركة أسهمها وغياب أي عقوبات بحق المتلاعبين في السوق. أيضاً تدنت تلك المصداقية بسبب إدراج شركات علاوة إصدارها أي رقم يعتقد مالكوها أنه يمكن تمريره على المكتتبين، فالجهة الموكل لها حماية السوق والمتعاملين فيه أخلت نفسها من أي مسؤولية، وتركت الباب مشرعا أمام تلك الشركات ومستشاريها الماليين لإعادة طبخ نتائجها المالية بالطريقة التي تحقق أهدافهم الاحتيالية. لذا، وبدلا من توسيع وتعميق سوقنا المالية، فإن كل ما سيتحقق من هذه الإدراجات هو زيادة في عدد الشركات المتعثرة، وضم شركات جديدة إلى مجموعة شركات المضاربة، فمحدودية عدد أسهمها سيسمح برفع كبير في أسعارها بعد التداول ما يحولها إلى قنابل موقوتة تنفجر في وجه الجميع حال نجاح مؤسسيها في التخلص من بقية الأسهم التي في أيديهم.
وكما لو أن كل هذه الإشكاليات ليست كافية أعلن عدد من شركات المضاربة خطط لاندماجها في شركات ومؤسسات خاصة غير مدرجة في السوق. فهناك من يرغب في الاندماج في بيشة الزراعية وهناك من يسعى للاندماج في القصيم الزراعية وأخرى تود الاندماج في الشرقية الزراعية، والقائمة تطول. الجامع بين كل هذه الشركات التي يسعى الجميع للاندماج فيها ليس نجاحها وتميزها وإنما تعثرها وتدني أدائها المستمر لسنين طويلة، دون أدنى بارقة أمل في تحسين أوضاعها، وأنها تقيم في سوق الأسهم السعودية بصورة مبالغ فيها لا تتناسب على الإطلاق مع حقيقة أدائها وتدني قيم أصولها، ما يجعل الاندماج بها لا يعدو كونه محاولة من تلك الشركات لتفادي متطلبات الإدراج المباشر في السوق، في نفس الوقت الذي تستغل فيه تقييم شركات المضاربة المبالغ فيه في سوق الأسهم السعودية لضمان حصولها هي الأخرى على تقييم مبالغ فيه أيضا قد يفوق عشرات أضعاف قيمها العادلة. وكما هو الحال عند إدراج شركات بعلاوات إصدار مرتفعة، فإن هذه المؤسسات، التي قد يكون أداؤها مقبولا قبل الاندماج، سيتسبب تقييمها المبالغ فيه جدا في أن يجد ملاكها أن ليس من مصلحتهم الاحتفاظ بما يخصص لهم من أسهم شركة المضاربة المندمج فيها، ما يعني أن هذه العمليات ستكون مجرد أسلوب آخر للتخلص من تلك المؤسسات الخاصة في سوق الأسهم بعشرات أضعاف قيمها العادلة.
لذا فقد أحسنت هيئة السوق المالية صنعاً بعدم موافقتها على اندماج شركة بيشة الزراعية في شركة أجواء للصناعات الغذائية، وقد يكون ذلك بارقة أمل لبدء الهيئة في استشعار دورها الرقابي الغائب منذ شهور، الذي سمح باستشراء عمليات التداول الاحتيالية المضللة وجعل السوق مشرعة لإدراج شركات في سوق الأسهم السعودية بقيم تبلغ عشرات أضعاف قيمها العادلة، وآخر ما نحتاج إليه أن يتاح المجال للشركات التي لا تستطيع حتى استكمال شروط الإدراج بالالتفاف على ذلك من خلال الاندماج في شركات مضاربة مبالغ في تقييمها. فشركة بيشة الزراعية التي بلغت قيمتها السوقية وفق إغلاق يوم الخميس ما يزيد على 1.3 مليار ريال، حقوق مساهميها لا تتعدى 36.5 مليون ريال وكامل موجوداتها لا تتجاوز 44 مليون ريال، أي أن قيمتها السوقية تعادل ما يزيد على 29 ضعف قيمة موجوداتها، وأي شركة ستندمج فيها من الطبيعي أن تقيم أصولها وفق نفس هذه المعدلات الخيالية.
لذا فإن ما تتعرض له سوق الأسهم السعودية حاليا من أشكال مختلفة من الاحتيال والتلاعب سيعرضها لخطر شديد مؤكد، وضرر ذلك لن يقتصر على المدى القصير فقط بل سيمتد تأثيره في السوق لسنوات عديدة مقبلة، كما أنه لن يكون مقصورا على السوق نفسها بل سيتعداها إلى مختلف قطاعات اقتصادنا الوطني، ومن غير المقبول ألا تقوم الجهات المعنية بواجبها من خلال الوقوف في وجه هذه الممارسات الخطيرة. وما لم تستعد السوق ثقة المستثمرين بسرعة، وهو أمر يزداد صعوبة كل يوم، فإنها لن تستطع المحافظة على استقرارها، وستكون مرشحة بفضل كل هذه الممارسات للدخول في موجة جديدة من التراجع الحاد، فدون تدفق سيولة جديدة إلى السوق تبعا لاستعادتها ثقة المستثمرين، فإن سيولتها الحالية غير كافية ولا قادرة على استيعاب كل هذه التجاوزات والمخالفات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي