رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المستثمر و"يوم الحكومة بسنة"

<p><a href="mailto:[email protected]">Abdalaziz3000@hotmail.com</a></p>
يوم الحكومة بسنة مقولة أصبحت مشهورة تتداولها الألسن في كل مكان، وما كانت هذه المقولة لتترسخ لولا أنها حقيقية يعاني منها كل من يراجع مؤسسة أو إدارة حكومية، كما يعاني منها كل مَن له مصلحة بقيام جهة حكومية بتنفيذ مشروع ما، فالوقت لدى الجهات الحكومية مفتوح وغير محدد إلا ما ندر، والقصص والحكايات التي تثبت ذلك لا حصر لها.

عدم اهتمام العاملين بالجهات الحكومية بالوقت كما هو الحال بالنسبة للآخرين نابع من موقفهم من الوقت، فهم لا يرون الوقت إلا أنه وقت لا أكثر ولا أقل على خلاف موقف الآخرين من الوقت، فهم يرون الوقت أنه المال والحياة والسيف الذي إذا لم تقطعه قطعك، ذلك أن الموظف الحكومي مهما كان مستواه الوظيفي، يتسلم راتبه الشهري مهما أنجز من عمل، فهو في الغالب محروم من المحفزات، وفي منأى من العقوبات، وبالتالي فإن الوقت بالنسبة له ليس عنصرا حاسما كما الآخر الذي يشكل الوقت بالنسبة له عنصرا حاسما، فهو يقيَم إنجازه من خلال تحقيق أهداف وصفية كمية في وقت محدد.

ودرجة أهمية الوقت بالنسبة لكل فرد أو مؤسسة تتوقف على درجة تأثير الوقت في تحقيق الهدف، فالمسعف مثلا يعرف أن الدقيقة قد تكون حاسمة في تحقيق هدفه في إنقاذ روح مصاب، ولاعب الجري يعرف أن الثانية قد تكون حاسمة في تحقيق هدفه بالفوز بالمركز الأول ورفع راية بلاده عالية في بطولة عالمية. والطالب يعرف أن بضع دقائق قد تكون حاسمة في تحقيق هدفه بالحصول على نسبة عالية تؤهله لدخول الجامعة، والأمثلة كثيرة ومتعددة، ولكن ما أود أن أركز عليه هو أهمية الوقت بالنسبة للمستثمر الذي نسعى جميعا حكومة وشعبا لحثه على الاستثمار في بلادنا بما هو نافع للنهوض باقتصاديات بلادنا العزيزة.

المستثمر يتحدث بلغة بسيطة كلنا نستطيع فهمها، فهو يتحدث بلغة الأرقام، لغة العائد على رأس المال في سنة مالية، بمعنى أن يتحدث بالأرباح التي يستطيع أن يحققها باستثمار مبلغ معين في سنة مالية واحدة، وحجم العائد على رأس المال هو العنصر الرئيسي في قراره الاستثماري، فلا يعقل أن يستثمر أحد مليون ريال في مشروع يحقق عائدا 10 في المائة وأمامه فرصة أخرى تحقق له 25 في المائة، إلا إذا كانت هناك عوامل أخرى حاسمة قد تؤثر في تحقيق تلك النسبة.

رفع العائد على رأس المال يتم بطرق متعددة كرفع كفاءة رأس المال المستثمر بتمويل المشروع بعدة وسائل تمويلية كالقروض مثلا، أو زيادة الإنتاجية باستخدام أحدث التقنيات وأكفاء الطاقات البشرية، أو تخفيض التكاليف، أو تقليص الوقت إلى الحد الأدنى لتخفيض المصروفات غير المباشرة وتقليل دورة رأس المال المستثمر.

إذن الوقت عنصر مهم في رفع العائد على رأس المال وعملية إدارة المشاريعproject mangment تهدف إلى تحقيق أفضل النتائج optimum results ، من خلال التعامل المحترف مع الثلاثي الحاسم الجودة والتكلفة والوقت، وكل ذلك يشير إلى أهمية الوقت في نظر المستثمر، فالوقت بالنسبة له هو المال، والمال هو ما يسعى لكسبه، وما يحققه من مكاسب في السنة يحدد مكانة شركته وقيمتها السوقية وقدرتها على الحصول على التمويل اللازم لمشاريعها القادمة.

فهل تعي الجهات الحكومية المنظمة التي يتعامل معها المستثمر السعودي أهمية الوقت بالنسبة له؟ وهل تعي أن عليها أن تقلص الوقت اللازم لإنجاز معاملات هذا المستثمر الذي تسعى الدول لجذبه بجميع الطرق والوسائل؟ وهل يستطيع القائمون عليها تجاوز مخاوفهم من الوقوع في الخطأ وتغليب حماية أنفسهم على حساب مصالح المستثمر السعودي؟ وهل يستطيعون أن يقوموا بدور الميسر الذي يحفز المستثمر الوطني إلى المزيد من الاستثمار في بلاده لدعم خطط الحكومة التي يمثلونها بصفتهم الوظيفية؟

يقول لي أحد المستثمرين إنه أراد يوما أن يطلب تأشيرات بالطريقة التقليدية وهو مستحق لها، يقول بعد أن أمضى أكثر من ستة أشهر حتى حصل عليها، ولقد كانت أسباب التأخير مضحكة مبكية معا ولا مجال لسردها هنا. ويقول مستثمر آخر إن جهة تنظيمية حكومية تؤخر استثمارات شركته التي تقدر بالمليارات لأسباب تافهة، ولعدم قدرتها على فهم واستيعاب عملها بطريقة منهجية علمية مما جعلها تماطل وتراهن على الوقت حماية للقائمين عليها من الوقوع في الخطأ. والقصص لا حصر لها، والتي تشير في مجملها إلى عدم وعي الجهات الحكومية المنظمة لأهمية الوقت بالنسبة للمستثمر ولضعف وعيها بأهمية دور المستثمر في تحقيق أهداف خطط الحكومة التنموية، كما تؤكد ترسخ ثقافة حماية النفس على حساب المصلحة العامة، فالمنع أسهل بكثير من التنظيم.

أعتقد جازما أن معظم القائمين على الجهات الحكومية التنظيمية لم يقرأوا خطط الدولة الخمسية، ولم يقرأوا استراتيجية الدولة في التخصيص، كما لم يقرأوا أي استراتيجية مهمة هم طرف في تنفيذها، فكل ما يقرأونه هو الأنظمة التي يتعاملون بها مع مراجعيهم ليطبقوها بطريقة هي أقرب للتعسير منها للتيسير، متناسين أن الأصل في دورهم هو تيسير عمل الأفراد والجهات التي ينظمون أعمالها ويشرفون على تنفيذها لتتحفز للقيام بها على أكمل وجه، بما يسهم بالمحصلة في تحقيق خطط واستراتيجيات الحكومة.

خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - دائما ما ينادي بضرورة الإسراع في إنجاز المعاملات وعدم التأخير والتخلص من البيروقراطية لإدراكه أهمية ذلك بالنسبة للجميع، وخاصة المستثمرين اللذين تتنافس الدول على استقطابهم، ولكن وللأسف الشديد مازال معظم القائمين على الأجهزة الحكومية لا يعون أهمية ذلك والآثار السلبية الناتجة عن البطء الشديد في الإجراءات والتأخير المؤلم الناتج عن ذلك، نعم معظمهم لا يدرك أنه سبب رئيسي في طرد المستثمر السعودي إلى الخارج، حيث يجد كل ترحاب وتسهيلات كثيرة على طبق من ذهب لدى الآخر مقابل شروط أكثر تقدمها مؤسساتنا الحكومية له على صحن صدئ.

ولمعالجة مشكلة التأخير في إنجاز معاملات المستثمرين السعوديين، فإنني أقترح أن تقوم الحكومة بتنفيذ دورات تدريبية لكبار المسؤولين في الأجهزة الحكومية التي تتعامل مع المستثمرين لتعريفهم بخطط واستراتيجيات الحكومة، والدور المنتظر منهم القيام به في تحفيز هذه الفئة المهمة لتنويع وتعظيم استثماراتها، بما يسهم في تحقيق تلك الخطط والاستراتيجيات، ليصبح موظفو الحكومة عناصر تيسير تعزز القدرات التنافسية للمستثمر السعودي بما يجعله شريكا فاعلا في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في البلاد، نعم أعتقد أن الوقت قد حان لرفع جودة الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية المنظمة Regulators لتتناسب مع معطيات الحاضر وتطلعات المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي