هروب الفتيات اللغز المحير والشرخ العاصف في المنظومة الأسرية

هروب الفتيات اللغز المحير والشرخ العاصف في المنظومة الأسرية

أخذ هروب بعض الفتيات في التنامي وأصبح يمثل قلقا كبيرا للوالدين، بل للأسرة جمعاء. وتختلف مسببات الهروب التي تكون بدواع مختلفة، ومعظم الفتيات يرمين بالأسباب على سوء معاملة الوالدين، ما جعل دواعي الهروب لديهن أكثر تفعيلا وممارسة غير مشروعة، ويشكل ضغطا كبيرا على الوالدين بل على الأسرة برمتها، لذا لا بد من وضع هذه الأسباب في عين الاعتبار، ومحاولة الوقوف عليها ومناقشتها باستفاضة كاملة رغبة في القضاء على هذه الظاهرة التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة على شكل قصص إخبارية كان لها ردود فعل اجتماعية كبيرة، وهي تحتاج إلى دراسات وبحوث مستفيضة من أجل إيجاد العلاج الناجع لهذه الظاهرة, ويشاركنا عدد من المختصين وأولياء الأمور والفتيات في الحديث عن هذه الظاهرة.
في البداية تحدث عدد من الفتيات عن أسباب الهروب من وجهة نظرهن, حيث تقول هدى القيسي إن الحديث عن هروب الفتيات أمر ليس فيه جديد ولكن لقربي من العديد من الفتيات الصديقات وجدت أن بعضهن بعيدات في أمورهن الخاصة عن الوالدين، ويشتكين من إهمالهن وعدم اهتمامهن بأحوالهن, لذا فهي تختلق أسبابا للهروب من البيت عندما تتسنى لها الفرص سواء مع بعض الشباب أو مع مجموعة فتيات.
وتقول م.عبد العزيز: إن حياة بعض الفتيات فيها الكثير من الغموض والألغاز, وتجدهن يحرصن على إخفاء الحقائق, بل إن حديثهن يكون فيه الكثير من الجرأة المتنافية مع الخلق القويم للفتاة المسلمة, لذا لا أستغرب عندما أسمع عن هروب بعضهن من البيوت, فهن لا يقدرن الوالدين. وذلك ناتج عن سوء التربية وكذلك سوء التعامل.
أم صالح ربة منزل ومعلمة سابقة تتحدث من تجربة تربية أسرة أبوية حيث تقول دون شك أن الوالدين لهم دور في توجيه البنات من صغرهن, والإهمال يسهم في بعدهن وسوء أخلاقهن وربما ينتج عن ذلك مواجهة مع الوالدين في بعض الممارسات, وهذا يسهم في بحثهن عن الهروب, وللمدرسة دور يجب أن تقوم به في هذا الجانب بالتعاون مع المنزل, ويجب أن يفعل هذا الدور من أجل مصلحة الفتيات.
وفي الجانب الآخر تحدثت عدد من الأخوات عن هذه الحالات الشاذة فتقول صالحة المقدوني مدرسة إن من الأسباب التي تجعل الفتيات يهربن من المنازل عدة أمور هي كالتالي:
- بعد الوالدين عن الفتاة, فلا تجد من يستمع إليها ولا من يشعرها بالعطف والحنان, إما بانشغال الوالدين وإما بالتفرقة بينهما وبين أخواتها الذكور.
- أن تكون والدتها مطلقة فلا تستطيع والدتها السيطرة عليها.
- وقوع والدها في براثن المخدرات ما يجعلها ألعوبة في أيدي الآخرين, فلا يكون هناك اهتمام بها.
- التعرف على ذئاب بشرية يخدعونها بالزواج مما يعرضها للخطر فتكون النهاية هروبها خوفاً من أسرتها.
وتقول فتحية القرني مديرة دار الأنوار في مكة المكرمة سابقا:
إنه مما لا شك فيه أن هروب الفتيات يرجع إلى عوامل أساسية أهمها تفكك الأسرة بانفصال الأبوين بعضهما عن بعض أو بغياب دورهما في البيت, ولا نتجاهل أيضاً غياب الوازع الديني الذي لا بد من غرسه في الأبناء منذ نعومة أظافرهم لأنه الأساس الذي لا بد أن تقوم عليه تربية الأبناء.
أيضاً يرجع هروب الفتيات من المنزل إلى فقد الفتاة ذلك الصدر الحنون والحضن الدافئ من كلا الأبوين إما بانشغالهما المتكرر وإما بانفصالها بذلك لا تجد الفتاة الملجأ الذي تهرب إليه من الهموم والأوهام والمشكلات التي تحاصرها, فبالتالي تبحث عن البديل بالطبع خارج محيط الأسرة وتبدأه بمسلسل الهروب, ويساعد عليه ضعف الرقابة من قبل الأسرة التي تتساهل في خروج الفتاة في منتصف الليل أو في أي وقت متى شاءت وبكل حرية وإلى أي مكان تريد فتقع في حبائل الشيطان بالتعرف على أحد الشباب الذي يغريها بحب زائف وحنان مزعوم يعوضها عما افتقدته داخل الأسرة وبعد ذلك تحدث الطامة!
محمد عبد الرحيم ولي أمر يقول: إن هذه الظاهرة آخذة في التوسع وغزت مجتمعنا بشكل لم يسبق له مثيل، ولذلك فهي تحتاج إلى الحلول المثلى والوقوف عن قرب على الأسباب الحقيقية والخفية، حتى يتم تلافيها من أجل أن تتحقق حياة سعيدة للأسر في مجتمعنا بعيدا عن هذه الأفعال غير المحمودة والسلوك الشائن, وهو أمر مؤلم لا تتحقق منه أي مصلحة مستقبلية وتحتاج منا كوالدين القرب من بناتنا والتعرف على معاناتهن حتى لا يكن فريسة سهلة بأيدي العابثين.

ومن جهته تحدث الإخصائي الاجتماعي ناصر الشهري عن تنامي هذه الحالات وازديادها, فقال: تابعنا حالات متعددة عبر وسائل الإعلام المختلفة، ومن أحاديث الحياة الواقعية كلها, وتختلف قصص الهاربات من مكان لآخر حتى أننا تابعنا أن بعض الفتيات للأسف الشديد هربن مع أصدقائهن وتم العثور عليهن في مدن أخرى بعد بحث مضن من أزواجهن، وكنا نعتبر ذلك حالات شاذة, لكن الأمر جد خطير, ومن وجهة نظري أن الأسباب تعود إلى عدة أمور:
أولاً: اتساع الفجوة بين الفتاة ووالديها مما أسهم في تردي المعاملة وسوئها بينهم. ثانيا : تأثير صديقات السوء اللاتي يؤثرن بسلوكهن في الفتيات حتى يحدث منهن هذا الفعل الشائن وقد يكون الهروب مع صديق لها فيعيشان حياة محرمة بعضهما مع بعض, والذي أراه أن الوالدين مسؤوليتهما كبيرة تجاه الأبناء ولا بد أن يحرصا على تقوية العلاقة معهم والتقرب إليهم حتى لا يفاجؤوا بمثل هذه الحالات.
ثالثا: إن هروب الفتيات في الواقع جزء من الانحراف.
رابعا: المغريات التي تتاح للفتيات من خلال القنوات الفضائية حيث يتأثرن بالغزو الفكري والثقافي.
- سبب هروبهن مع الشباب نتيجة تجميل صورة الصديق من خلال مشاهدة الأفلام التي تعطي لهذا الجانب أهمية كبيرة.
- أما هروب الفتيات مع فتيات أخريات (صديقات السوء) ومع السائقين وتجمعهن في الاستراحات والشقق المفروشة, فهو لذر الرماد في العيون والرغبة في عدم كشفهن.
- اصطياد الذئاب البشرية لهن لسهولة الاتصال بواسطة الجوالات الخاصة للفتيات.
- وقبل هذا كله ضعف الوازع الديني.
- وفي حقيقة الأمر إنه نتيجة لهذا الفعل تدخل الفتيات في أنفاق مظلمة (ضياع فرصة الزواج ) لا تستطيع أن تتزوج أو تكون نفسها وانتشار الأمراض النفسية بين الفتيات وانعزال الأسر وأقاربها بسبب الفضيحة التي تنتج من الهروب, كما قد يترتب على الهروب إشغال مؤسسات الإصلاح الاجتماعي وينتج كذلك من الهروب الحمل غير الشرعي لبعض الفتيات مما يلحق بالأسر العار.
أمر مؤلم
يقول هاشم النعمي مدرس العلوم الشرعية في ثانوية اليمامة في الرياض: إن هروب الفتيات أمر مؤلم ويحز في نفوسنا وهو يحدث بسبب التفكك الأسري وبعد الأبناء عن الوالدين الذين أخفقوا في تربية الفتاة التربية الصالحة ما جعلها عرضة لهذه المخاطر, فالتنشئة على أساس صحيح وسليم تدفع بالأبناء ذكوراً وإناثاً, بإذن الله, إلى الطريق الصحيح, لذا فإن هذه الجوانب مهمة وعلى الأسرة ممثلة في الوالدين الاهتمام بها, كما أحث الفتيات عن البعد عن صديقات السوء والتمسك بهذا الدين والسير على الطريق الصحيح الذي يدفعهن إلى الاقتداء بالصحابيات الجليلات اللاتي كن مربيات للأجيال, وتتم ذلك بملازمة أوامر الله واتباع ما يقربهن منه وترك المنهيات التي ترجعهن إلى الضياع والفساد.

الطريق الصحيح.
يؤكد الدكتور فهد العصيمي أستاذ الدراسات الإسلامية في كلية المعلمين أهمية التربية للأبناء وعدم انحرافهم, لأن الهروب من المنزل صورة من صور الانحراف, وضرورة القرب من الفتيات وعدم التفريق بينهن وبين الذكور, لأن هذا قد يكون عاملا مساعدا على هذا الانحراف, كما أن التربية من الصغر على اتباع الهدي الصحيح والبعد عن المعاصي لهما أثر كبير في تغير تفكير الفتاة مع عدم إعطائها الثقة أكثر من اللازم, بل تكون هناك مراقبة لها حتى تبتعد عن هذا المنعطف. نسأل الله أن يبعد فتياتنا عن هذه المنزلقات الخطيرة.

الأكثر قراءة