رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


بعد ترشيد الماء .. هل يمكن ترشيد استهلاك الدواء؟ (2 من 2)

<p><a href="mailto:[email protected]">fah_arab@yahoo.co.uk</a></p>

"لا تتناول الدواء إلا باستشارة الطبيب" عبارة نسمعها ونراها هنا وهناك, وفي مناسبة وفي غير مناسبة, ولكن الكثير منا لا يلقي لها بالا أو يحاول التمعن في ما ترمي إليه. الأدهى من ذلك أن ترى ما يساعد على تجاهلها من استسلام كثير من الصيادلة والمختصين بقولهم: "هذا مجتمعنا.. ولا نستطيع السير عكس التيار", "الوزارة بعيدة والهيئة جديدة" مستمرون في إدارة ظهورهم للمسؤولية, ويبدأ المجتمع في المعاناة.
إن معاناة المجتمع السليم من اتباع الأسلوب القديم في علاج البدن السقيم, قد تكون دلالة على أن أسلوبنا في التوعية الصحية أسلوب عقيم. وما التوعية بكيفية حسن استخدام الدواء إلا أكبر البرامج التي يجب علينا أن نخطط لها بعناية قبل أن نجعل من الدواء سببا لاستشراء الداء. تبرر المشاكل أحيانا بتبريرات مثل الضعف أو الارتباط الاداري, أو قلة العمالة المتخصصة, أو التكاليف المالية .. إلخ, ولكن حكومة خادم الحرمين الشريفين أعزها الله وفرت كل الإمكانات والموازنات في سبيل إلغاء حجة "الإمكانات" ولم يعد هناك عذر. كما أن السنوات الثلاث الماضية شهدت تبني ما أعتُقِد بأنه أفضل الأساليب الإدارية وأحدثها في إدارة معظم المؤسسات والمرافق الصحية وذلك بتخويل الصلاحيات للمستويات الأدنى فالأدنى في الجهاز المركزي والطرفي لفك الاختناقات الروتينية وتحريك الأداء الإداري بفاعلية أكبر, إلا أنه لم يطرأ التغيير المنتظر, فأين يكمن الخلل؟ إن غياب إدارات الرعاية الصيدلية وهيئة الغذاء والدواء, وإدارات الجودة النوعية, وعدم التقيد بالأنظمة والتعليمات وأخلاقيات المهنة لابد أن يقابله تنفيذ للعقوبات, أما أن يتحمل المجتمع أخطاء فردية فهذا مرض في حد ذاته, ولسنا مستعدين لنكون من المصابين به. على الرغم من أن هناك جهوداً تبذلها لجان الصيدلة والدواء في مختلف مستشفيات المملكة وقيامها بمتابعة استخدام الأدوية والآثار الجانبية لها أو أي سوء مصنعية قد يرد في أي منها فضلا عن دورها الأساسي في ترسيخ مفهوم الأدوية الرشيدة وإعلام الأطباء والصيادلة بمختلف المعلومات الضرورية المتعلقة بالأدوية الواردة في القائمة, إلا أنها محدودة جدا. كما أن ثقافتنا الصحية مازالت محدودة ولا أمل في الوسائل المتبعة أن تحسن الوضع. ربما لأننا مازلنا نفتقر إلى الآلية أو الأسلوب الناجع للتوعية بأهمية الدواء وأهمية ترشيد استهلاكه, أو ربما لأننا ما زلنا نرفض الدواء كمادة كيميائية, وتعودنا على الخلطات الشعبية, أو ربما لا يوجد الشخص المناسب ليقوم بالعمل المناسب في الوقت المناسب!. فلو كان بالمستودعات صيادلة أكفاء لما وجدت نسبة إتلاف أبدا, ولو التزم بعض الاطباء بالتعليمات لما كتبت وصفات طبية تحتوي على أكثر من نوعين أو ثلاثة من الأدوية, ولما وصفت المضادات الحيوية على سبيل المثال لنحو 80 في المائة من الحالات التي يتم الكشف عليها سريريا, على الرغم من إدراك السواد الأعظم بأنها سلاح ذو حدين. ففي هذا السياق يؤكد أساتذة طب المجتمع أن تفشي سوء استعمال المضادات الحيوية وبحرية تامة يؤدي إلى مشكلات صحية مثل ظهور أنواع وفصائل جديدة من الميكروبات شديدة المقاومة للمضادات المعروفة حاليا, وبالتالي قد تصبح معدية مسببة أمراضا بأعراض قد تكون جديدة, وتتسبب في تأثيرات سمية قد يصعب علاجها على المدى المنظور, فيترتب على ذلك اضطرابات جسمية تؤثر في بيئة الجهاز الهضمي فتبيد بعضا من الكائنات المفيدة وتغير نمط وظائف الأجهزة الأخرى في الجسم. كما أن الاستعمال غير العقلاني لهذه الأدوية يؤدي إلى عجز عضوي مثل تأثر وظائف الكليتين, وإمكان الإصابة بفقر الدم والهبوط  الحاد في الدورة الدموية... وإلخ.
مع هذا الكم الهائل من المخاطر, نحن في حاجة إلى الحد من استفحال مشكلة سوء استخدام الدواء من خلال برنامج توعوي كبير. وفي هذا الصدد يمكن: (1) تسمية لجنة أو وحدة أو قسم بكل من الجهات المقدمة للخدمات الصحية في المملكة, تتبع لها لجان أو إدارات أو أقسام أو شعب أو وحدات في المناطق المختلفة, يعملون ضمن سياسة وإجراءات موحدة لشرح مخاطر الاستخدام الخاطئ للأدوية والتوعية بمضاعفات هذه المخاطر السلبية. (2) عمل اجتماعات دورية مع رؤساء الاقسام الطبية العلاجية في وجود مشرفي الصيدليات ومتابعة عملية الصرف. (3) أن يكون لمكتب التوعية والتثقيف الصحي رصد مستمر وتحليل إحصائي لكل المعلومات والبيانات المستقاة أو الواردة للاستفادة منها في الدراسات المستقبلية. (4) الاستفادة من تنظيم معارض الأدوية والمعدات الطبية سنوياً في نشر الرسائل التوعوية. (5) المشاركة في الندوات والمؤتمرات الطبية والصحية عموما بما فيها الصيدلية وتكرار طرح الموضوع لإبراز أهميته. (6) تحديد بعض المواقع الإلكترونية التي تعنى بتقديم المعلومة الموثقة والإسهام في ترشيد المواطن لاستهلاك الدواء وحسن استخدامه, وبالتالي قد يكون على وزارة الصحة مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ووزارة الثقافة والإعلام ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية التصدي لكل اللغط المنشور حاليا على الإنترنت من الآن فصاعدا. (7) الحرص على سرعة ربط المستشفيات آليا مع المستودعات والإدارات العامة والبدء في متابعة كميات وأنواع الأدوية المصروفة والمخزونة أو المتبقية. (8) إصدار دليل الاستخدام للمستشفيات وتحديث دليل الأدوية الذي يتضمن جميع المعلومات العلمية للأدوية دوريا. (9) تبني بعض السبل الإعلامية مثل نشر تجارب المرضى أو أهالي المرضى أو ضحايا الاستخدام الخاطئ للدواء, بالحديث عنها. وبما أن الصحافة الطبية لدينا غير موجهة، فليتنا نوسع دائرة الحديث عن الاكتشافات الطبية وأنواع الأمراض والإجابة عن أسئلة المرضى, إلى استقطاب الأقلام الصيدلانية والطبية والصحية بصفة عامة لتنشر شيئا من خبراتهم للتوعية بمخاطر سوء استخدام الدواء. وعلى القطاع الخاص هنا أن يدعم هذا التوجه فكما يسعى إلى هامش ربحي من تجارته في تقديم الخدمات الصحية أو مبيعات الأدوية, فعليه أن يحافظ على نقاء وديمومة هذه الأرباح. (10) زيادة حملات التفتيش عبر لجان محلية تضم أطباء وصيدلانيين لتسليط الضوء على تبعات سوء استعمال الأدوية, ومايجره تكرار زيارة الصيدلي لعلاج المرض نفسه دون اللجوء إلى الطبيب. (11) التركيز على طلبة كليات الطب وكليات الصيدلة وتكثيف جرعات كيفية وصف الدواء بأسلوب علمي مع الالتزام باخلاقيات المهنة. (12) القيام بإجراء بعض الدراسات وتكثيفها لبناء عملية التطوير والترشيد بالتوعية على أسس علمية, مع إيجاد آلية تكفل علاج الفقراء ومحدودي الدخل وتجنيبهم التلاعب بمصائرهم. فهل سيعلن عن ذلك قريباً بإذن الله؟.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي