ماذا بعد توحيد فترة التداول؟

<p><a href="mailto:[email protected]">albadr@albadr.ws</a></p>

جاء قرار هيئة السوق المالية بتوحيد فترة التداول في وقت أكثر من رائع وحاجة أكثر من ماسة إلى قرارات تصب في المصالح طويلة الآجل للسوق والاقتصاد بشكل عام. ولا شك أن مبرر الهيئة لهذا القرار هو عدم ملاءمة وجود فترتين للتداول في السوق وتأثير ذلك على انتظام العمل فيه وعدم اتساقه مع ما هو معمول به في الأسواق العالمية وهذا الحديث هو المتعلق بالسوق المالية بشكل عام وسوق الأسهم بشكل خاص.

إن فترة التداول الواحدة هي خطوة استراتيجية مهمة في تاريخنا المالي كونها ذات أهداف استراتيجية طويلة الآجل وإن قرار هيئة السوق المالية هو بداية لتغيرات جذرية سيشهدها السوق خلال المرحلة القادمة.

ويتفق السواد الأعظم من المراقبين على أن فترة تداول واحدة هي إضافة إلى السوق السعودي على جميع الأصعدة، ولن أخوض هنا في الفوائد المعنوية التي قد يجنيها السوق بتوحيد فترة التداول وهي على سبيل المثال الحد من المدى الزمني لانتشار الشائعات واستغلالها، وسأكتفي هنا بنظرة على الفائدة الاستراتيجية من خلال تفعيل دور الوساطة والحث على تعامل مؤسساتي احترافي مع السوق التي سيجنيها السوق من خلال تطبيق مثل هذا القرار.

إن المتابع للأسواق الخليجية والسوق السعودي على وجه التحديد يلحظ ضعفا واضحا لمؤسسات الوساطة في عملية التداول وينحصر دورها في كونها وسيط التعامل المباشر الفردي بين المتداولين والسوق ويغيب بشكل كبير دورها الأساسي وهي كونها المرجعية المالية للمتداولين قليلي الخبرة الذين يشكلون السواد الأعظم من المتعاملين مع سوق الأسهم بحيث يشكل أكثر من 85 في المائة من حجم الاستثمار الكلي في السوق, بينما نسبة ضئيلة جدا تمثل الاستثمار الاحترافي من خلال مؤسسات الاستثمار.

ومع هذا الطرح فإن الدور الذي يلعبه الاستثمار المؤسساتي في الأسواق المالية يعتبر دورا مفصليا في ثبات السوق ونمائه وكذلك خلق عمقا للتعامل المالي في السوق من حيث رفع مستوى كفاءة السوق ولا أبالغ إن قلت إنه أكثر أهمية في رفع مستوى العدالة من حيث تخفيض معدل المخاطرة في السوق كون قلة الوعي الاستثماري في السوق قد يضاعف من مخاطر الانهيارات التي تشهدها الأسواق المالية وما زلنا نتذكر انهيار شباط (فبراير) الماضي وكيف أن أثر عدم وجود التداول المؤسسي أدى إلى زيادة نسبة الانهيار - أو لنقول بأكثر دقة - كيف ساهم ضعف الاحترافية لدى المتداولين إلى خلق مناخ غير صحي لسوق الأسهم وذلك بسبب التسهيلات البنكية غير المحسوبة العواقب والإشاعات والتلاعب الكبير الذي حدث في الأسعار وكذلك انعدام الشفافية في القرارات وأخبار الشركات والمعلومات الداخلية والكثير من الأمور التي أوصلت السوق إلى مراحل متدنية وخلق جوا كبيرا من عدم الثقة في السوق وكل ذلك يرجع السبب الرئيسي فيه إلى انعدام العمل المؤسساتي في السوق السعودي.

وبنظرة سريعة على المستوى الكلي للسوق السعودي، فإننا نجد أن جميع العوامل التي عززت أداء الاقتصاد السعودي بشكل عام وسوق الأسهم بشكل خاص خلال العامين الماضيين ما زالت متوافرة وفي مقدمتها قوة الاقتصاد وانتعاش قطاعاته الاقتصادية المختلفة وارتفاع أسعار النفط، إضافة إلى استمرارية تدفق الاستثمارات الأجنبية ومحدودية فرص الاستثمار البديلة وتوقعات استمرارية تحسن أداء الشركات من أعمالها التشغيلية، فإن المستقبل المشرق لسوق الأوراق المالية في المملكة مرتبط بشكل كبير بتنفيذ العديد من الإجراءات التشريعية وفق خطط واضحة وتواريخ ثابتة قد تكون بدايتها الحقيقية هي توحيد فترة التداول.

أما وقد تم إقرار توحيد فترة التداول، فإن الارتفاع في الوعي الاستثماري في السوق يعتبر مسألة وقت، كذلك فإن هناك العديد من المتغيرات العملية التي سيشهدها سوق الأسهم والساحة الاقتصادية بشكل عام خلال الفترات المتفاوتة القادمة قد نختصر منها على سبيل المثال لا الحصر:

تفعيل دور شركات الوساطة كمرحلة أولى لدخول صناديق استثمارية جديدة قد يكون منها صندوق التوازن والذي أتوقع أن يكون ممثلا لبعض الصناديق الحكومية مثل صندوق المعاشات والتقاعد، وقد يفتح الباب لصناديق أجنبية والتوجه الكامل إلى سوق مؤسساتي.
ارتفاع لمستويات الإفصاح والشفافية وكذلك تقيد أكبر لدقة البيانات المالية وارتفاع مستوى التزام الشركات بالمعايير المحاسبية الدولية ومواعيد إصدارها كمرحلة أولى لتطبيق كامل لحوكمة الشركات.
تأسيس سوق أسهم ثانوي لاستكمال تأسيس سوق مالي سعودي متكامل مع دخول أدوات مالية واستثمارية جديدة كسوق الخيارات والسندات والسلع.
تغيير التركيبة البنكية في المملكة مع فصل شركات الوساطة البنكية وتحول الدوام الرسمي لجميع المؤسسات المالية ليتوافق مع فترات عمل السوق المالية.
قد يكون هناك انعكاس اقتصادي وذلك بارتفاع مستوى الاستثمار في الصناعات وظهور شركات متوسطة بعد انحسار الإغراء الربحي السريع والمرتفع في سوق الأسهم.
تطور وقوة البيئة القانونية التشريعية و ظهور إجراءات قضائية وتشهير في حق المتلاعبين في سوق الأسهم والمستفيدين من المعلومات الداخلية.
تخلي الدولة عن ملكياتها في الشركات المدرجة في السوق.
الانفتاح الكامل وزيادة الاستثمار الأجنبي في سوق الأوراق المالية.

هذه أمثلة مختصرة لمتغيرات مباشرة, قد يكون قرار توحيد فترة التداول هو شرارة التغييرات الجذرية في التركيبة المالية السعودية، و من المؤكد أن هناك الكثير من المتغيرات غير المباشرة التي سيحدثها هذا التغيير على الساحة الاجتماعية. الأمل فقط أن تكون جميع المتغيرات الاقتصادية والمالية والاجتماعية تصب في صالح هذا الوطن واستمرار نموه وتطوره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي