رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الحرب على لبنان .. دروس وعبر

<a href="mailto:[email protected]">Atrairy@Ksu.Edu.SA</a>

عاش العالم العربي والإسلامي خلال الصيف الماضي صيفاً حاراً، بل وملتهباً حين وقع العدوان الصهيوني على لبنان وذلك بعد اعتقال الجنديين الإسرائيليين من قبل حزب الله اللبناني. ومع أن الحرب كريهة وبغيضة لكل نفس بشرية سوية, إلا أنها تبقى عشقاً للبعض يسعون إليه بكل الوسائل ويتفننون في اختلاق الأعذار والأسباب التي يشعلون بها الحروب بين الأمم, وذلك لأنهم من دون الحروب لا يعيشون, ومن دون الحروب تتوقف تجارة السلاح ومصانعه التي يملكونها, وهم بذلك مثل مدمن المخدرات الذي لا يستطيع أن يعيش من دونها, ولو قدر له وحرم منها ولو لفترة قصيرة لظهرت عليه أعراض هستيرية صعبة لا قبل له بتحملها, ولذا فالحروب لا تتوقف على هذه البسيطة فإذا هدأت في مكان اشتعلت في مكان آخر خاصة في عالمنا العربي والإسلامي, وبالأخص عندما آلت أمور العالم إلى الولايات المتحدة بحكم كونها القوة الأعظم عسكرياً, وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي وبروز القطب الواحد.
وما تعمله الولايات المتحدة في العالم العربي والإسلامي إلا مثال حي على الرغبة المتأصلة لديها في استمرار الحروب قائمة في عالمنا لعدة أسباب، منها إشغالنا بأنفسنا، لأننا القوة الوحيدة والشعوب الوحيدة في العالم التي تعارض الغرب في سياساته وغطرسته وترفض مشاريعه الاستبدادية, أما السبب الثاني فهو تحويلنا إلى مستهلكين للسلاح الذي ينتجه ويبيعه علينا بأغلى الأسعار, وبذلك تستمر تجارة السلاح مزدهرة والمصانع عاملة.
ومع أن الحرب لا تنتج إلا الدمار, الويلات, اليتم, الترمل, الدماء, الدموع والفقر, والخراب بصوره وأشكاله كافة, إلا أن لها نتائج إيجابية فهي تحمي الأمم وتحفظ أعراضها وأموالها ودينها ومكتسباتها كافة, حيث يقول الباري "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله"، وهذه من حكم الله على هذه الأرض, لذا جاء التوجيه الرباني ليؤكد أهمية الاستعداد والحيطة، حيث يقول تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" ولا شك أنه من دون الاستعداد بكل صوره البشري والنفسي والمادي والاجتماعي ستضيع مصالح الأفراد والأمم على حد سواء وسيبتلع القوي الضعيف كما هو حاصل الآن، حيث تفرض أمريكا إرادتها بالقوة والقهر والقتل وسفك الدماء.
أما فوائد وعبر الحروب بعد انتهائها فيمكن عرضها من خلال الحرب الأخيرة على لبنان, ولبنان كدولة هي الأضعف بين الدول العربية وبخاصة المجاورة للكيان الصهيوني وبالأخص من الناحية المادية والعسكرية وقلة السكان, رغم انتشار اللبنانيين في أماكن متفرقة من العالم ونجاحهم في التجارة وذرابة ألسنتهم, إلا أن البلد ضعيف من حيث المواجهة العسكرية,فالجيش اللبناني غير معد ومهيأ للمواجهة، وفي وضع كهذا يتجلى سؤال كبير: لماذا أبقي الجيش اللبناني على هذا الوضع طول هذه السنين وهو يجاور عدواً شرساً ومجهزاً تجهيزاً كاملاً؟ كما أن لبنان له أراضي محتلة، ولذا فليس مقبولاً بقاء الجيش جيشاً شرفياً بلباس وسلاح غير فعال. ومع واقع ضعيف كهذا ولحسابات مصالح داخلية وإقليمية برزت الحاجة إلى مواجهة العدو، وذلك في الوسط الشعبي لفئة داخل المجتمع اللبناني تمثلت في حزب الله، الذي أعد العدة وفق الإمكانيات المتاحة لمواجهة العدو, ومع عدم التكافؤ في العتاد والعدة بين الطرفين اللبناني والصهيوني، إلا أن الإرادة الحرة القوية استطاعت أن تقارع العدو وتستمر في مواجهته فترة تزيد على الشهر، رغم التفوق الهائل للعدو في سلاحه من طيران ومدافع وصواريخ وقنابل ذكية, لكنه مع كل هذا لم ينتصر ولم تتحقق مقولة الجيش الذي لا يقهر, مما يؤكد أن إرادة التحرر والرغبة الصادقة في تحقيق الأهداف لا يحول بينها وبين الأهداف شيء مهما بلغ الطغيان.
أما الدرس الآخر الذي نحتاج إلى الوقوف عنده فهو أن العدو وفي هذه الحرب انكشف على حقيقته, حيث ظهرت نزعة الإجرام المتأصلة وبان للناس في كل مكان من العالم من هو العدواني في طبعه ومعدنه, وإلا فكيف نفسر تدمير الطرق, الجسور, محطات الكهرباء وإمدادات المياه, والمدارس, بل والمستشفيات لم تسلم من شرهم؟ ما علاقة البنية التحتية التي يستفيد منها اللبنانيون كلهم بمقاتلي حزب الله؟ ويكفي العالم شاهداً على النزعة الشريرة للعدو الصهيوني قتل الأبرياء العزل الذين احتموا بقوات الأمم المتحدة أو الذين ركبوا السيارات المدنية هرباً من جحيم الحرب. ما ذنب الأطفال والنساء والشيوخ الذين لا يعرف الواحد منهم مسك بالسلاح؟ تمطرهم الطائرات بحممها التي لا تبقي ولا تذر, والكل شاهد أجساد الأطفال الأبرياء وهم ينتشلون من تحت الأنقاض في بربرية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً. العدو ومن خلال هذه المشاهد أثبت وحشيته وافتقاده أبسط القيم والأعراف البشرية وعدم إقامة أي وزن أو تقدير للقوانين الدولية, وهذا يعود في الأساس إلى ضعف الأمة العربية والإسلامية وعدم أخذها بأسباب القوة والتمكين، وهذا خلاف مقتضى الشرع، بينما العدو أخذ بكل أسباب القوة العسكرية، السياسية، والاقتصادية وأشكال القوة كافة.
باختصار يمكن القول إن العدو ليس لديه محرمات على الإطلاق ولم يأت من أطراف الأرض ويتجمع على أرض فلسطين الطاهرة يدنسها برجسه وهو يحمل أي قيم أو مشاعر إنسانية مهما حاول إظهار عكس ذلك من خلال إعلامه الكاذب، فهل نعي هذا الدرس ونضع الاستراتيجية التي تناسبه؟!
الغرب بمواقفه المنحازة للعدو الصهيوني أعطى لنا درساً جديداً ويثبت أنه يتصرف ومن مبادئ لا يتخلى عنها، وإلا فكيف يفسر الغرب إصراره على إطلاق سراح الأسيرين الصهيونيين في حين تمتلئ السجون في فلسطين المحتلة بالسجناء الفلسطينيين واللبنانيين ومنذ عشرات السنين ولم يدر بخلد السياسيين الغربيين وبالأخص الأمريكيون إثارة هذا الموضوع؟ بينما يردد الرئيس الأمريكي وبصورة بلهاء أن حزب الله خطف جنديين إسرائيليين ولإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها, وماذا عن اللبنانيين والفلسطينيين أليس لهم الحق نفسه؟!!
إن المنطق الذي يتحدث به الغرب إزاء الصراع العربي ـ الصهيوني لم يعد خافياً على أحد، بل أصبح مكشوفاً وبصورة ممجوجة كريهة تؤكد نزعة الاستعلاء على الشعوب الأخرى المتأصلة في الإنسان الغربي الذي لا يقيم للآخر وزناً ولا يكن له أي تقدير أو احترام، بل يعتبر الآخر أجيراً عنده وثرواته مباحة له. وصدق الله حيث يقول "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"، وقوله، صلى الله عليه وسلم "ملة الكفر واحدة" ويبقى أن نقول إن العرب والمسلمين أمة حية متى ما وجدت من يأخذ بها إلى جادة الحرية والكرامة والعزة, ويستثير الهمم في نفوس أبنائها, وما انتشار الإسلام في أصقاع الأرض بالحكمة والكلمة الطيبة إلا دليل حاسم على علو الهمة والرغبة في إنقاذ البشرية من الجهل والظلم الذي تعيشه, فهل تتهيأ الفرصة مرة أخرى لهذه الأمة كي تواصل مسيرة تحرير نفسها وتحرير الآخرين مما يعيشونه من عبودية الإنسان لأخيه الإنسان؟
أعتقد أن ما حدث في لبنان خلال الصيف، رغم عدم تكافؤ القوة المادية والدمار الذي حدث وضبابية الأسباب والدوافع، دليل على أن إرادة الشعوب لا يمكن إيقافها أو إضعافها متى ما وجدت الظروف المناسبة التي تستثمرها لخير الأمة ونمائها وكرامتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي