رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الدروس الخصوصية .. مرة أخرى

<a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a>

على خلفية ظاهرة انتشار الإعلانات العشوائية عن دروس خصوصية لمدرسين ومدرسات مجهولين، ويكتفون فقط بوضع أرقام هواتفهم الجوّالة، لفت نظري ما نشرته جريدة "شمس" قبل أكثر من أسبوع من أن الأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة وجه خطابا حول ذلك لإدارة التعليم في جدة، وهو ما يعكس أولا أن المحافظ يتابع كل صغيرة وكبيرة في محافظته، وهو ما يشكر عليه فعلا، ويقدر له هذا الاهتمام والذي ليس غريبا عليه، كما أنه يعكس ثانيا أن هذه الظاهرة باتت لافتة للانتباه إلى حد أن محافظ جدة تابعها مع الجهة المختصة. وهو ما يعني أن ظاهرة الدروس الخصوصية باتت ظاهرة بارزة ومثيرة للملاحظة وبشكل واسع مع أنها ليست ظاهرة جديدة، ولكنها زادت أخيرا على الحد المعقول والمستوى الطبيعي، وقد سبق لي أن تناولتها قبل عام تقريبا في مقال لي في هذه الجريدة بعنوان "الدروس الخصوصية هل هي حل أم مشكلة..؟"، وأعود اليوم إلى تناولها مجددا بعد أن استفحل الأمر وبدأنا نرى هذه الإعلانات مع بداية العام الدراسي وبكثافة ملاحظة، مما أدى إلى تدخل محافظ مدينة جدة.
لا شك في أن انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية يعكس وجود خلل تعليمي في مدارسنا بصفة عامة، وهذا الخلل استفاد منه نوعية من المدرسين والمدرسات، وبعضهم تفرغ لها لمردودها المادي الكبير بعد أن وصل ثمن تدريس المنهج الواحد بين ألفين وثلاثة آلاف ريال. ومع أهمية محاربة الجانب الاستغلالي في إعطاء هذه الدروس، إلا أن ما يهم والأهم هو الانعكاسات السلبية على العملية التعليمية والتربوية من انتشار هذه الدروس الخصوصية، فتعاظم هذه الظاهرة لم ينشأ من فراغ. فلو لم يكن هناك نواقص في العملية التعليمية المتبعة والمطبقة في مدارسنا, لما وجدت هذه الدروس هذه السوق الرائجة. وهنا نسأل في محاولة لتقصي أسبابها: هل باتت الدروس الخصوصية لا غنى عنها للطلاب بحيث لا يستطيعون الاستغناء عنها..؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا..؟ ماذا تفعل المدارس؟ وماذا يفعل المدرسون..؟ وهل الطلاب لا يحصلون في مدارسهم ومن معلميهم على ما يكفي من الشرح بحيث يضطرون إلى تعويضه بالاستعانة بمدرس خصوصي من خارج المدرسة..؟
إن أردنا وضع افتراضات مؤدية لانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية فليس أمامنا إلا افتراضات ثلاثة، أولها أن تكون المناهج المقررة فوق طاقة الطالب وقدرته على استيعابها، أو أن هناك قصورا من قبل المعلمين في مدارسنا أو تهاون يجعلهم غير قادرين أو مهتمين بإيصال المعلومة متكاملة للطالب، أو قد يكون الخلل في أن الطالب ليس لديه الحافز في الاعتماد على نفسه وقدراته الذاتية في المذاكرة والمراجعة المنزلية المنظمة والجادة. وهذا هو الاحتمال المرجح لدي مع عدم إغفال الافتراضين الأولين. فأجيالنا الجديدة وبكل أسف باتت منشغلة بلهو الحياة أكثر من انشغالها بالعلم والتحصيل الجاد والمركز، فأصبحوا يبحثون عن مدرس خصوصي ليقوم بالمهمة المطلوبة منهم في المنزل، بمعنى أن أجيالنا لا تريد أن تتعب وتجهد نفسها بالعلم والدراسة لتوفير ما يمكن توفيره من وقت لمتابعة مباريات كرة القدم مثلا، والتي لم تعد قاصرة على دورينا المحلي بفضل الفضائيات التي باتت تشغل النشء الجديد بمتابعة أنشطة رياضية وغير رياضية، والتي ليس لها مردود غير مضيعة الوقت فيما لا ينفع. وهنا لا نبرئ أولياء الأمور من مسؤولية متابعة أبنائهم والقيام بدورهم التربوي المطلوب.
على أية حال سواء أكان هذا الافتراض أو ذاك، إلا أننا لا بد لنا من أن ندرك أن انتشار الدروس الخصوصية يعبّر عن وجود مشكلة تعليمية وتربوية لا بد أن نعترف بها وندرسها من أجل أن نكون قادرين على إيجاد حل لها، فالطالب يفترض أن يكون قد حصل على ما يكفيه من شرح واف في مدرسته ومن معلمه. وإذا كان هناك من نقص في الفهم والاستيعاب، فالمفترض أن يكون الطالب قادرا على سده بالمذاكرة والمراجعة المنزلية، وهو ما ليس حادثا بكل أسف. فالطالب كما ذكرنا ليس لديه الحافز، وأولياء الأمور مقصّرون، والمناهج ثقيلة والمدارس والمعلمون ليس لديهم الوقت الكافي لأداء مهمتهم على أكمل وجه. وهذا يتطلب مراجعة شاملة ودقيقة لمجمل العملية التعليمية والتربوية، بدءا من المناهج مرورا بأداء المعلم وانتهاء بالمدة الزمنية للدراسة والأجواء التربوية المساندة للعملية التعليمية، وهي مفقودة في مدارسنا، فظاهرة الدروس الخصوصية ما كان لها أن تجد كل هذا الانتشار الواسع لولا وجود نواقص مهمة في العملية التعليمية والتربوية الشاملة. وما نأمله من وزارة التربية والتعليم وخاصة إدارة التعليم في جدة، على خلفية متابعة سمو محافظ مدينة جدة، هو البدء فعلا في دراسة الأسباب وعلاجها. وأنا على ثقة بأن إدارة تعليم جدة سوف تكون أول من يعلق الجرس، خصوصا أن القائم على مسؤوليتها شخصية تربوية مشهود لها بالخبرة والجدية، وهو سعادة عبد الله الثقفي، والذي وبشهادة الجميع هو خير من يولى هذه المسؤولية الكبرى.
لا بد فعلا من إيجاد حل لهذه الظاهرة السلبية والتي أثقلت جيوب أولياء الأمور وأرهقتهم ماديا، وإيجاد حلول مطلب مهم أيضا لأسباب تعليمية وتربوية أساسية من أجل ربط الطالب بمدرسته ومعلميه حتى يكونا العاملين الأساسيين في بناء شخصيته تعليميا وتربويا وثقافيا أيضا، فالمدرسة ليست فقط مكانا لتلقي العلم، بل مصنعا يصنع أجيال المستقبل وفق رؤية وطنية شاملة لا يمكن أن تتم إلا داخل مؤسسات تعليمية تملك كل الأدوات اللازمة لها. والسلبية الكبرى في اعتماد طلابنا على الدروس الخصوصية هي في إفقاد المدرسة دورها التربوي والتعليمي، فالطالب في هذه الحالة لن يشعر نحو المدرسة بذلك الشعور المطلوب، لأنه يرى في المدرس الخصوصي العنصر الفعلي في عملية تعليمية من دون تربية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي