رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إخراج الزكاة توقيتا وأسلوبا .. هل نحن في الطريق الصحيح؟ (2 من 2)

تضمّن مقالي الأول تحت هذا العنوان في الأسبوع الماضي تركيزا على أسلوب إخراج الزكاة من قبل المكلفين شرعاً، وما يعتريه من عشوائية واجتهاد في التوزيع ومعرفة المستحقين، وعلى توقيت إخراجها في شهر رمضان دون غيره، وما ينطوي عليه ذلك من تأخير لها عن وقتها فيه مخالفة للقاعدة الشرعية، وهي تزامن الإخراج مع وقت الاستحقاق، وهو حلول الحول على المال موضع الزكاة. واليوم نناقش التنظيمات والأجهزة القائمة على جباية وتلقي الزكاة وإخراجها، سواء كانت هذه الأجهزة معينة من قبل الدولة أو أنها ذات طابع أهلي كالجمعيات الخيرية وغيرها من الهيئات.
فمصلحة الزكاة والدخل هي الجهاز المركزي الحكومي لجباية الزكاة، غير أن سلطتها تقتصر على الشركات والمؤسسات، أو ما يسمى عروض التجارة، حيث تقوم بتحقيق وجباية الزكاة، وإيداعها في حساب خاص ليصار إلى إضافة حصيلتها إلى اعتمادات مساعدات الضمان الاجتماعي، أما مصلحة الضمان الاجتماعي فتقوم ببحث حالات المستحقين وحصرها ورصدها، وإخراج الزكاة لهم ضمن المساعدات التي تقدمها الدولة، ومن اللافت للنظر أن حصيلة الزكاة لا تكاد تغطي 50 في المائة من هذه المساعدات.
في الجانب الأهلي هناك الجمعيات الخيرية التي تحاول الحصول على جزء من الزكاة لإخراجها بمعرفتها، وهناك بعض المؤسسات والكيانات الصغيرة التي لوحظ أنها تظهر وتنشط من خلال إعلاناتها في شهر رمضان طمعاً في الحصول على نصيبها من الزكاة، ورغم أن الجمعيات الخيرية وغيرها تجتهد في معرفة المستحقين إلا أن اجتهادها يبقى قاصراً لمحدودية وسائل البحث والاستقصاء والإمكانات البشرية التي تستخدمها لذلك، كما أن جهود كل منها محصورة في النطاق الجغرافي الذي تعمل فيه، وتغطيه خدماتها، الأمر الذي يوجد فروقا واضحة في مقدار ما تحصل عليه كل منها، وبالتالي في مقدار ما توفره للمستحقين، فالمستحق في مدينة أو قرية ما قد يحصل على أضعاف ما يحصل عليه مستحق آخر في مدينة أو قرية أخرى وهذا بعكس مساعدات الضمان الاجتماعي التي تقدم بناء على مسوحات وبحوث ميدانية تشمل كامل النطاق الجغرافي للمملكة، ويراعى فيها العدالة في التوزيع، بحيث تتساوى تلك المساعدات طبقا للفئات المستحقة.
إذا التفتنا إلى الزكاة المستحقة على ما يتملكه الأفراد من أموال، نجد أنها تقدر بأضعاف حصيلة الزكاة على عروض التجارة، ومع ذلك يبقى أثرها دون المستوى المأمول، إما بسبب عدم إخراجها كاملة، لانعدام وسائل التحقق من مقدارها كالميزانيات والإقرارات، ومن ثم فإن عوامل مثل التقدير العشوائي، ومدى يقظة الضمير هما ما يتحكم غالبا في تقدير زكاة الأفراد، وإما بسبب عدم معرفة المستحقين للزكاة والاعتماد على أساليب وطرق بدائية لذلك، ولهذا نجد أن إخراج الزكاة من جانب الأفراد يخضع للعشوائية والاجتهاد، وانتظار وصول المستحقين إلى عتبات دورهم، وإلحاحهم في السؤال، وقليل من المكلفين من يمتلك وسائل بحث حديثة يمكن الاطمئنان إليها في معرفة المستحقين فعلا، وقليل منهم أيضا من يسعى إلى المستحق في عقر داره لإيصال الزكاة إليه، ناهيك عن أن فئات من المكلفين تخلط بين الزكاة والتبرع، فتسمي ما تنفقه أحيانا على أعمال الخير تبرعاً حتى وإن كان مصدره أموال الزكاة.
هذه هي الصورة العامة لكيفية إخراج الزكاة من قبل الأفراد، وتبدو مشوهة في بعض جوانبها، ويعوزها الانضباط والتنظيم، فضلا عما يعتريها من محاذير دينية ألمحت إلى بعضها، ومنها عدم تقدير الزكاة على حقيقتها، وعدم أدائها لولي الأمر استجابة لأمر الله تعالى، وعدم التأكد من وصولها إلى مستحقيها، إضافة إلى تأخير إخراجها عن وقتها كي يصادف ذلك شهر رمضان، وما يصاحب إخراجها من إذلال وامتهان وتكليف ومشقة على الفقراء، وفوق ذلك لا تتوافر لدى الدولة وسيلة تتأكد بواسطتها من تحقق أداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، وما قد ينطوي عليه ذلك من تعطيل للأمر الرباني في وجوب جباية الزكاة من ولي الأمر في قوله تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" وكل هذه الأمور تدعو إلى الوقوف والتأمل في وضع الزكاة، بغية إعادة تنظيمه وضبطه، وتصحيح ما يعتريه من قصور وعشوائية وسلبيات، ولعل مما يساعد على ذلك دراسة إمكانية الأخذ بالمقترحات الآتية:
1 ـ لمّ شتات الموضوع ومسؤولياته وأجهزته في تنظيم واحد، هو إنشاء هيئة تسمى "الهيئة العامة للزكاة" تضم إليها الأجهزة الحكومية القائمة حاليا وهي: مصلحة الزكاة، ومصلحة الضمان الاجتماعي، وتكون هي المرجع المسؤول عن كل ما يتعلق بالزكاة تحقيقاً وجباية وتوزيعاً، وصفتها: هيئة حكومية أهلية مستقلة، يديرها مجلس إدارة يضم أعضاء يمثلون سلطة الدولة، وأعضاء يمثلون دافعي الزكاة، وعلماء يغطون الجوانب الشرعية، ويكون لها محافظ، وله نواب يمثلون القطاعات التي يتكون منها جهاز الهيئة.
إن قيام هذه الهيئة سيوفر الكيان القوي المستقل، الذي يمتلك المرونة والصلاحيات، والإمكانات اللازمة لتنظيم شؤون الزكاة وضبط ما يتعلق بها، إضافة إلى أنه سيقطع الحجة على مَن يشكك، أو يدعي أن أموال الزكاة في ظل الوضع الحالي تذهب للمال العام، وسيدفع الكثيرين، بالتالي، إلى أداء زكاة أموالهم للهيئة مطمئنين إلى أنها ستذهب للمستحقين.
2 ـ لم يغب عن الذهن عند طرح هذا المقترح ما سبق أن بُحث قبل بضع سنوات حول إنشاء هيئة أهلية للزكاة تقوم على استقبال الزكاة من الأفراد ممن يرغب في دفعها، وموافقة مجلس الشورى على نظامها في العام الماضي، غير أن تلك الهيئة، في حالة قيامها، ستكون مقتصرة على من يريد الدفع طواعية لها، وقد كانت هذه هي نقطة الضعف التي أثيرت أثناء مناقشة الموضوع، لأنه في ظل الوضع الحالي، لا أحد من الأفراد يقوم بدفع زكاته للجهة التي عينتها الدولة، ومن ثم يسود اعتقاد بعدم نجاح الفكرة بوضعها.
إلا أن مشروع نظام الهيئة الذي لم يصدر بعد، يصلح لكي يكون نواة لنظام الهيئة المقترحة في الفقرة السابقة، بعد تعديل ما يلزم تعديله فيه.
3 ـ أن تشمل مظلة الهيئة زكاة الأفراد، أولاً لتحقيق أمر الله تعالى، وثانيا لأن الدولة أقدر بما تملكه من إمكانات البحث والاستقصاء عن المستحقين، وإيصال الزكاة إليهم في أماكنهم عن طريق البنوك، كما يجري حالياً، ناهيك عن تحقق العدالة في التوزيع بين الفئات، سواء كانوا أفراداً أو أسراً.
4 ـ يقوم كل مكلف بتقديم ما يُسمّى الإقرار الزكوي، الذي يقر فيه بما يستحق عليه من زكاة، على أن يقوم بدفع نصفها للهيئة، ويتصرف في النصف الآخر بمعرفته أي يخرجه من قبله، وعلى افتراض أن بعض المكلفين قد لا يصرح بحقيقة ما يجب عليه رغبة في الاحتفاظ بالجزء الأكبر منها لإخراجه بمعرفته، إلا أن إحساس المكلف بأنه سيقدم إقرارا رسميا موقعاً منه قد يسهم في قول الحقيقة. ومن فوائد هذا التنظيم، توثيق مصادر الزكاة، وزيادة حصيلتها، وتوفير المعلومات الإحصائية عنها، وإشعار المكلفين بما يجب عليهم شرعاً، مع المساعدة على إخراج الزكاة في وقتها، لأنه سيكون هناك موعد محدد لتقديم الإقرار.
إننا في بلد تنعدم فيه الضرائب على المواطن، ولا يوجد سوى هذه الفريضة التي فرضها الله على المسلمين تطهيرا لنفوسهم وتزكية لأموالهم، ولا أقل من إخراجها كما يجب في وقتها، وهناك اعتقاد بأنه لو تم إخراج الزكاة على حقيقتها لكان ذلك كفيلاً بإزالة شبح الفقر والفاقة الذي يزداد سنة بعد أخرى، رغم الثراء الفاحش، وحجم الأموال المتكدسة في البلاد.
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي