التداول ظهراً.. قراءة خاطئة للسوق

<a href="mailto:[email protected]">amsultan@hotmail.com</a>

قرار هيئة السوق المالية بتوحيد فترتي التداول في فترة واحدة في وقت الظهيرة يؤكد أن الهيئة لا تزال يخالفها التوفيق في قراءة واقع سوق الأسهم السعودية وما يتطلبه إصلاحها من سياسات وإجراءات. واختيار هذه الفترة يظهر أن الهيئة ترى حتمية وملائمة انشغال معظم أفراد المجتمع بهذه السوق ومتابعتهم اللصيقة لها، ما يستلزم اختيار وقت تداول يناسب أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع، فمن يعمل صباحا، يمكنه متابعة السوق في ساعات تداوله الأخيرة، ومن يعمل مساء، فأول ساعات التداول ستكون مناسبة له، أما المهنيون المتفرغون للسوق فليس أمامهم إلا التأقلم مع هذا الوضع وانتظار انتصاف النهار لبدء أعمالهم.
وقرار الهيئة يظهر أنها ترى أن من الطبيعي جداً متابعة معظم أفراد المجتمع لسوق الأسهم بشكل يومي وعلى مدار ساعات التداول، وأن عليهم استمرار توقع مفاجآت يومية تتجلى في ارتفاعات بالنسبة القصوى لبعض الشركات وتراجع بالحدة نفسها لشركات أخرى، تتبدل مواقعها من يوم لآخر بل من لحظة لأخرى. ما يجعل كل متداول غير قادر على أن يشيح بوجهه عن هذه السوق حتى لدقائق، فهو لا يستطيع التنبؤ بما يمكن أن يحدث خلالها، لذا فالطبيب في غرفة العمليات في حاجة بين لحظة وأخرى إلى أن يسترق النظر إلى شاشة التداول ليطمئن على استثماراته وربما اضطر إلى اتخاذ قرارات بالبيع والشراء، والمدرس خلال إلقاء درسه في حاجة إلى الاتصال عدة مرات للاطمئنان على أسهمه، والموظف يعطي الحد الأدنى من تركيزه فذهنه مشغول بما قد يحدث في السوق خلال الدقائق التي ينشغل فيها بإنجاز معاملة مراجع، والحل إذاً هو تحديد فترة تدول تناسب كل هؤلاء، ما يحد من انشغالهم ويجعلهم أكثر قدرة على التركيز في أداء أعمالهم.
وهذا اعتقاد خاطئ جدا، فحل هذه المشكلة ليس في تحديد ساعات تداول تناسب كل أفراد المجتمع، وإنما في الحد من دوامة التقلبات العنيفة التي تشهدها السوق ما ينهي الحاجة لمتابعتها بشكل مستمر من كل أفراد المجتمع. بحيث تقتصر علاقة المنشغلين بأعمال أخرى بالسوق على الاستثمار في شركات يحتاجون إلى متابعة حركة أسهمها أسبوعيا أو حتى شهريا، لا أن يتسمروا أمام شاشات التداول تحسبا لمفاجآت قد تحدث، ويصبحوا بالتالي أقدر على الاحتفاظ بقدر أكبر من الصفاء الذهني عند تأدية أعمالهم بدلا من انشغالهم المفرط بما يجري في السوق بين لحظة وأخرى.
واعتقاد الهيئة أن هذا الوضع غير السوي في السوق سيستمر، هو في حد ذاته خطأ في التقدير ومؤشر على عدم استيعاب تأثيرات الأوضاع الحالية على مستقبل السوق، فالتجفيف المستمر لسيولة السوق نتيجة عدد من الممارسات غير الطبيعية سيضطر معظم المتداولين إلى ترك السوق تفاديا لذهاب مدخراتهم أو ما بقي منها. وأول مصادر هذا التجفيف: عمليات التحايل والتداول الوهمي على أسهم شركات المضاربة التي ترتفع أسعارها بشكل حاد خلال فترة وجيزة، ومع انجذاب صغار المتداولين إليها، يبدأ تصريف أسهمها وتنهار أسعارها. وإذا افترضنا أن هذه العمليات التدليسية تحقق أرباحا كبيرة للمجموعات التي تنفذها، فإن ذاك يعني إلحاق خسائر فادحة بقطاع عريض من المتداولين تتبخر معه مدخراتهم في كل مرة يتورطون فيها في عملية مضاربة ظنوا أنها فرصة لتعويض خسائر سابقة. ثانيها: ارتفاع تقييم الشركات المدرجة حديثا في السوق بعد تداولها مقارنة بسعر اكتتابها تسبب في اجتذاب معظم أفراد المجتمع للمشاركة في الاكتتابات الأولية ما حد من أهمية تأثيرها في سيولة السوق، باعتبار أن معظم المكتتبين من غير المتعاملين في السوق، إلا أن مبادرة معظمهم إلى بيع ما خصص لهم من أسهم بعد التداول مباشرة، يترتب عليه سحب سيولة هائلة من السوق تبلغ أضعاف قيمة الاكتتاب الأولي. ثالث أسباب التجفيف المستمر والمتواصل لسيولة السوق: هو أن علاوات الإصدار المبالغ فيها تمكن مالكي الشركات من تحقيق أرباح كبيرة غير مبررة من عمليات الاكتتاب، ما جعل تلك الاكتتابات تؤثر في سيولة السوق بصورة لا تتناسب مع الحجم الحقيقي المتواضع جدا لمعظم تلك الشركات، وارتفاع سعر تداولها لاحقا ووصولها إلى أسعار تفوق كثيراً حتى سعر اكتتابها المبالغ فيه أصلا يدفع مؤسسيها إلى بيع ما بقي في أيديهم من أسهم فهي فرصة لن تتكرر ولا يجب تفويتها.
في ظل هذا التجفيف المستمر لسيولة السوق، وبما أنها في وضع لا يمكنها من استقطاب مستثمرين جدد وسيولة جديدة، فإن تقييم الشركات المدرجة بأسعار تبلغ أضعاف قيمها العادلة سيصبح وضعا غير قابل للاستمرار، فلن يكون هناك ما يكفي من السيولة لدعم مثل هذا الوضع غير الطبيعي. ما يجعل السوق مرشحة للتراجع خلال المرحلة المقبلة، لا أن تكون سوقا تحمل فرصا استثمارية استثنائية جاذبة لجميع أفراد المجتمع يضطرون معها إلى ترك أعمالهم ومتابعتها على مدار الساعة. وستصبح، كغيرها من أسوق المال في العالم، سوقا تحمل فرصة معقولة غير مبالغ فيها، يقتصر اهتمام معظم أفراد المجتمع بها على امتلاك استثمارات طويلة الأجل نسبيا لا متابعتها بشكل مستمر. ويصبح من يتابع السوق بصورة لصيقة فئة محدودة جدا من أفراد المجتمع بتفرغ تام ليس على حساب أعمالهم الحقيقية وحياتهم الاجتماعية والأسرية. وهذه الفئة فقط هي من يجب أن نراعى في تحديد ساعات التداول فهي من ستبقى في السوق لا كل أفراد المجتمع كما يبدو أن الهيئة قد توهمت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي