بين "شيفرون" والوكالة الدولية للطاقة

بين "شيفرون" والوكالة الدولية للطاقة

يوم الإثنين الماضي حملت صحيفة "الفاينانشيال تايمز" إعلانا على صفحتين من شركة شيفرون تكساكو. الصفحة اليسرى تحمل ثلاثة سطور فقط على خلفية زرقاء تقول إن هناك 193 قطرا حول العالم، لا يمكن لأي منها الادعاء أنه حقق استقلاله في ميدان الطاقة. ويختتم السطر الثالث بسؤال عن: مَن يهيمن على مَن فيما يتعلق ببرميل النفط؟
وفي الصفحة المقابلة يتضمن الإعلان بعض الأرقام والمعلومات، قائلا إن الحقيقة الواضحة أن العدد الأكبر من أقطار العالم يعتمد على عدد أقل من الذين كسبوا "اللوتري" الجيولوجي وتوافرت لديهم موارد هيدروكربونية هائلة. لكن حتى هذه الدول تعتمد على الاستيراد لمقابلة بعض احتياجاتها، مثل السعودية التي تسيطر على ربع الاحتياطي المؤكد من النفط في العالم وهي أكبر منتج ومصدر، لكنها تستورد بعض المنتجات المكررة لمقابلة احتياجاتها الداخلية.
ويطرح الإعلان تساؤلا إذا كان الاستقلال في مجال الطاقة هدفا عزيز المنال، فكيف تجد كل دولة ما يلبي احتياجاتها رغم تصاعد الطلب، انقطاع الإمدادات، الكوارث الطبيعية، وعدم استقرار الأنظمة في بعض الدول المنتجة؟
والجواب الذي يطرحه الإعلان، إن أمن الطاقة نتيجة للتعاون والمشاركة، وليس العزلة، وهو يتعزز عندما يسمح للاستثمارات والخبرات أن تعبر الحدود بحرية بحثا عن الفرص واستثمارها. الطرف الآخر في معادلة تأمين الطاقة إيجاد توازن بين احتياجات المنتجين والمستهلكين، أي بمقابلة الطلب المتنامي وفي الوقت ذاته ترشيد الاستهلاك. ويختتم بالقول إن تحقيق أمن الطاقة للكل لا ينبغي أن يتم على حساب أحد.
رجعت إلى هذا الإعلان بعد الاطلاع على تقرير تقديرات الطلب على النفط للوكالة الدولية للطاقة الذي نشرته من لندن في السابع من الشهر الحالي. التقرير الذي تحدث عن سيناريوهين أحدهما أن يستمر الوضع كما هو عليه في حاله الراهن بالنسبة لسياسات الدول المستهلكة، أي تلك التي تضمها الوكالة، ونتيجة لهذا يحذر التقرير من خلال صورة قاتمة يرسمها تتلخص عناصر في ارتفاع الأسعار المصاحب لارتفاع الطلب وعودة منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" إلى التحكم في الإمدادات والأسعار لتزايد اعتماد العالم عليها بعد دخول العديد من المنتجين خارجها في العقد المقبل إلى مرحلة ذروة إنتاج حقولهم، هذا إلى جانب احتمال انقطاع الإمدادات وتلوث البيئة، ولم تنس إضافة عنصر الإرهاب الذي أصبح لازمة لا غنى عنها في كل حديث غربي هذه الأيام.
أما السيناريو الآخر فهو الذي يدعو إلى تغيير في السياسات سيكلف مالا واستثمارات كثيرة في البداية، لكنه سيحقق وفورات على المدى البعيد ويخفض من حجم الطلب ومن ثم يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وهو ما يتطلب التركيز على الطاقة البديلة مثل الوقود العضوي الذي يمكن أن تكون له انعكاساته على الوضع الغذائي، وكذلك الاتجاه إلى توطين الإمدادات في ميدان الطاقة، وهو ما يجعل الخيار الوحيد المتاح التركيز على الطاقة النووية، لكن هذه تعاني من مشكلة علاقات عامة مزمنة بسبب الحاجز النفسي الكبير ضدها نسبة لحوادث سابقة أدت إلى تأليب الرأي العام ضدها.
المقارنة البسيطة بين إعلان "شيفرون" وتقرير الوكالة، يعطي الإعلان الإحساس بتبني اتجاه يقوم على العولمة فعلا، وأن الكرة الأرضية صغيرة تترابط همومها، وأن المطلوب التعاون للوصول إلى حلول لفائدة الجميع، وهو خيار ممكن. بينما تقرير الوكالة يعطي الإحساس أنه مهموم بمصالح أعضائه، ويسعى جهده إلى حمايتها بغض النظر عما يحدث للآخرين. ويعزز هذا الانطباع أن مسؤولي الوكالة انتقدوا قرار "أوبك" الأخير بخفض الإنتاج بحجم 1.2 مليون برميل يوميا، وذلك على أساس أن النصف الشمالي من الكرة الأرضية، الذي يضم غالبية أعضاء الوكالة يتهيأون إلى فصل الشتاء، ودون اعتبار لتخوف أعضاء "أوبك" من حدوث انهيار سعري سيؤثر في عائداتهم المالية من بيع النفط.
المفارقة أنه إذا كان إعلان "شيفرون" يدافع عن مصالحها كشركة، فإن ذلك ليس بمستغرب، لأن جمهورها الأساسي هم حملة أسهمها، وهو ما يفرض عليها أن تسعى جهدها لإرضائهم عبر تحقيق أرباح، بينما الدول الأعضاء في الوكالة هم خلاصة نادي الأثرياء الذين تتجاوز مسؤولياتهم مصالح دولهم الضيقة ويسيطرون على مفاصل القرار في المنظمات الدولية، سياسية كانت مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أو مالية مثل صندوق النقد الدولي أو تنموية مثل البنك الدولي، وغيرها من منظمات المجتمع المدني التي أصبحت لاعبا رئيسيا في العالم. ورغم ذلك تنشر تقارير لا تتجاوز أرنبة أنف مصالح أعضائها الضيقة وفي وقت رضي الناس أو أبوا أصبح العالم فيه قرية صغيرة تؤثر كما تتأثر كل جوانبها بما يجري في الجوار.
تحذيرات الوكالة لا جديد فيها، وكذا الحلول التي تقترحها. وربما تحتاج إلى النظر في إعلان "شيفرون" استلهاما لروح جديدة تهب مع رياح العولمة رغما عن الجميع ونشر قلوع سفينتها معها.

[email protected]

الأكثر قراءة