طهران تهدد بوقف تدفق 17 مليون برميل من النفط عبر الخليج

طهران تهدد بوقف تدفق 17 مليون برميل من النفط عبر الخليج

هددت طهران أمس بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي في حال فرض عقوبات دولية عليها بسبب برنامجها النووي، مشيرة إلى أنها قد توقف تدفق النفط عبر مياه الخليج. وقال قائد الحرس الثوري الإيراني يحيى رحيم صفوي "العقوبات لم يكن لها أبدا أي تأثير في إرادة الشعب الإيراني خلال 27 عاما مضت. وإذا فرضت أي عقوبات، فإن وجود ساحل الخليج الذي يمتد إلى ألفي كيلومتر ومضيق هرمز الذي يمر عبره 17 مليون برميل من النفط يوميا يمكنه أن يسبب متاعب للعالم". وتأتي تحذيرات صفوي بعد تصريحات سابقة لكبير المفاوضين الإيرانيين علي لاريجاني قال فيها إن فرض العقوبات يمكن أن يجبر بلاده على استخدام النفط كسلاح. وقال لاريجاني في آب (أغسطس) الماضي "لا تجبرونا على أن نفعل شيئا يجعل الناس تقشعر من البرد".

خالد أحمد عثمان المحامي والمستشار القانوني يسلط الضوء على المركز القانوني لمضيق هرمز:

قررت لجنة التعاون النفطي التي تتكون من وزراء النفط والطاقة في مجلس التعاون الخليجي، في اجتماعها الذي عقد في أبو ظبي يوم الأربعاء 17 شوال 1427هـ الموافق 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006م، تبني نتائج الدراسة لمشروع إقامة خط أنابيب بنقل نفط دول الخليج في حال إغلاق مضيق هرمز، حيث أوصت هذه الدراسة بأن المشروع غير مجد.
وقال وزير الطاقة القطري عبد الله بن حمد العطية إنه ليس لدى دول مجلس التعاون الخليجي أي خطة بديلة لتصدير النفط في حال إغلاق المضيق، لكنه أعرب عن ثقته بأن (المضيق لن يغلق). والواقع أن المخاوف من إغلاق هذا المضيق نشأت من تصاعد الأزمة الإيرانية الغربية حول البرنامج النووي الإيراني والتهديدات المتبادلة بين الطرفين، فالولايات المتحدة الأمريكية في حالة عداء مع إيران منذ سقوط شاه إيران سنة 1979م وتعتبر إيران أحد أضلاع محور الشر، ولم تكتف الولايات المتحدة بالعقوبات الاقتصادية التي فرضتها على إيران، بل لوحت وتلوح بفرض عقوبات دولية اقتصادية وسياسية ضد إيران وهددت باستعمال القوة العسكرية إذا لم تذعن إيران للمطالب الغربية، وتصاعدت التهديدات الأمريكية بعد إعلان إيران أنها قد نجحت في تخصيب اليورانيوم على نطاق صناعي فصرح الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بأن كل الاحتمالات مفتوحة بما في ذلك احتمال توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية باستخدام أسلحة نووية تكتيكية أمريكية، ورأى المراقبون أن هذا التصريح الخطير أسهم بعد صدوره في ارتفاع أسعار النفط في السوق النفطية الدولية إلى أكثر من 74 دولارا للبرميل وكان هذا الارتفاع يمثل أعلى سعر وصل إليه برميل النفط بالقيمة الاسمية، فضلا عن أنه أعلى سعر بالقيمة الحقيقية منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين. والدول الأوروبية الرئيسية (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) وإن لم تهدد صراحة باستخدام القوة العسكرية إلا أنها مارست ضغوطا شتى على إيران مهددة باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على إيران إن لم ترضخ للمطالب الغربية. أما إيران فقد أعلنت أنها ترفض مناقشة حقها في الحصول على التقنية النووية مؤكدة أن هدفها هو إنتاج الوقود النووي لمحطاتها النووية المستقبلية وأنها سترد بقوة في حال الهجوم العسكري عليها. وفي 25/7/2006م حذر وزير النفط الإيراني كاظم وزيري همانة من أن بلاده ستستخدم سلاح النفط إذا تعرضت مصالح إيران لهجمات، وأضاف أن سعر النفط سيرتفع إلى 100 دولار للبرميل على الأقل إذا فرضت عقوبات على إيران، حيث اعتبر هذه العقوبات غير منطقية ومستحيلة لأنه (لن يكون من السهل تعويض حصص الإنتاج النفطي لإيران وموقعها القوي في قطاع صناعة النفط). وفي 7/9/2006م صرح هادي نجاد حسينيان نائب وزير النفط الإيراني بأن أسعار النفط سترتفع إذا فرض الغرب قيودا على الاستثمار في قطاع النفط في بلاده وأعرب عن اعتقاده بأن مجلس الأمن الدولي لن يفرض قيودا على إمدادات النفط والغاز من إيران، وصرح عبد الله بن حمد العطية وزير الطاقة القطري بأن منظمة "أوبك" ربما لا يكون بمقدورها سد النقص في الإمدادات إذا أوقفت إيران صادراتها النفطية بسبب أي عقوبات، وأضاف قائلا إن فرض أي عقوبات نفطية على طهران سيؤثر 100 في المائة في السوق لأن غياب ثلاثة ملايين برميل يوميا من النفط عن السوق له أثر ضخم. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستورد النفط من إيران مباشرة إلا أن مكتب محاسبة الحكومة الأمريكية أوضح في دراسة، نشر بعضا من نتائجها في 4/10/2006م أن الاقتصاد الأمريكي سيتكبد نحو 201 مليار دولار في حالة عدم إيجاد بديل للنفط الإيراني، وأن توقف صادرات النفط الإيرانية سيدفع الدول التي تشتري النفط الإيراني لمنافسة الولايات المتحدة في الحصول على إمدادات النفط الخام من دول منتجة أخرى. ولذلك أقرت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بوجود قيود على استخدام "ورقة النفط" ضد إيران. وكان علي لاريجاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني قد أدلى بتصريح في 8/7/2006م بأن إيران لا تنوي استخدام سلاح النفط إلا إذا أرغمت على القيام بذلك وقد جاء هذا التصريح بعد أن ارتفعت أسعار النفط ارتفاعا كبيرا إثر الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على لبنان، حيث ارتفعت أسعار النفط إلى نحو 76 دولارا أمريكيا للبرميل، بل إن بعض المسؤولين الإيرانيين صرحوا بأن أسعار النفط قد تصل إلى 200 دولار للبرميل إذا تعرضت إيران لهجوم أمريكي، ورأى بعض المراقبين أن إشارة المسؤولين الإيرانيين إلى هذا السعر تنطوي على التهديد بقدرة إيران على إغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية وبالتالي توقف الناقلات التي تنقل نحو خمس الإنتاج العالمي من النفط من المرور من المضيق إذ لا يمكن أن تلتهب الأسعار وتبلغ هذا المستوى نتيجة حجب صادرات النفط الإيرانية البالغة نحو 2.5 مليون برميل يوميا عن الأسواق فحسب بل لا بد أن يصاحب ذلك تنفيذ التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره نحو 17 مليون برميل من النفط يوميا. والواقع أن الحديث عن احتمال إغلاق هذا المضيق يدعونا إلى الإشارة إلى مركزه القانوني، فمضيق هرمز يربط بين البحر العالي للخليج العربي بالبحر العالي لخليج عمان وتحد شواطئه كل من إيران وسلطنة عمان ويبلغ عرض الممر الرئيسي الصالح للملاحة الدولية نحو 26 ميلا بحريا، شواطئه الشمالية محاطة بالأجزاء الشمالية لجزر قشم ومجموعة جزر لاراك وهنجام التابعة لإيران، بينما شواطئه الجنوبية محاطة بالسواحل الغربية والشمالية لشبه جزيرة مسندام العمانية. وبدون الدخول في تطور الأحكام القانونية وتفصيلاتها الخاصة بالمضايق الدولية نقول إن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م وضعت نظاما جديدا بشأن المناطق الدولية التي تصل بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة وجزء آخر من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة مثل مضيق هرمز الذي ـ كما سلف القول ـ يصل بين البحر العالي لخليج عمان والبحر العالي للخليج العربي. ومنحت الاتفاقية المذكورة جميع السفن والطائرات حق المرور العابر في هذه المضايق، الذي لا يجوز أن يعاق وعرفت الفقرة (2) من المادة (38) من الاتفاقية المرور العابر بأنه ممارسة حرية الملاحة والتحليق لغرض وحيدوهو العبور المتواصل السريع في المضيق بين جزء من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة وجزء آخر من أعالي البحار أو منطقة اقتصادية خالصة، وأن تطلب تواصل العبور وسرعته لا يمنع المرور خلال المضيق لغرض الدخول إلى دولة مشاطئة للمضيق أو مغادرتها أو العودة منها، مع مراعاة شروط الدخول إلى تلك الدول، وحددت المادة (39) من الاتفاقية واجبات السفن والطائرات أثناء المرور العابر حيث نصت على ما يلي:
1 ـ على السفن والطائرات أثناء ممارستها حق المرور العابر:
(‌أ) أن تمضي دون إبطاء خلال المضيق أو فوقه.
(‌ب) أن تمتنع عن أي تهديد بالقوة أو أي استعمال لها ضد سياسة الدولة المشاطئة للمضيق أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بأية صورة أخرى انتهاكا لمبادئ القانون الدولي المجسدة في ميثاق الأمم المتحدة.
(‌ج) أن تمتنع عن أية أنشطة غير تلك الملازمة للأشكال المعتادة لعبورها المتواصل السريع إلا إذا أصبح ذلك ضروريا بسبب قوة قاهرة أو حالة شدة.
(‌د) أن تمتثل لما يتصل بالأمر من أحكام أخرى في هذا الجزء.

2ـ على السفن المارة مرورا عابرا:
(‌أ) أن تمتثل للأنظمة والإجراءات والممارسات الدولية المقبولة عموما للسلامة في البحر، بما في ذلك الأنظمة الدولية لمنع المصادمات في البحر.
(‌ب) أن تمتثل للأنظمة والإجراءات والممارسات الدولية المقبولة عموما لمنع التلوث من السفن وخفضه والسيطرة عليه.
3ـ على السفن المارة مرورا عابرا:
(‌أ) أن تراعي قواعد الجو الموضوعة من قبل منظمة الطيران المدني الدولية والمطبقة على الطائرات المدنية، وتمتثل الطائرات الحكومية بصورة اعتيادية لتدابير السلامة هذه وتقوم بنشاطها في جميع الأوقات مع إيلاء المراعاة الواجبة لسلامة الملاحة.
(‌ب) أن ترصد في جميع الأوقات الذبذبة اللا سلكية المحددة من قبل السلطة المختصة المعينة دوليا لمراقبة الحركة الجوية، او الذبذبة اللاسلكية الدولية المخصصة لحالات الشدة.
وهكذا يتضح مما سبق أن حق المرور العابر في المضايق الدولية التي تصل بين جزءين من أعالي البحار ومنها مضيق هرمز لا يغير من النظام القانوني للمياه التي يتشكل منها المضيق ولا يؤثر في ممارسة الدول المشاطئة للمضيق لسيادتها على هذه المياه وقاعها وباطن هذا القاع وعلى حيزها الجوي كما أن حق المرور العابر ينبغي أن يمارس ضمن إطار مراعاة القوانين واللوائح التي تفرضها الدول المحاذية للمضيق للحفاظ على أمنها وسلامتها والقواعد الأخرى للقانون الدولي ومن أهمها الامتناع عن أي تهديد بالقوة أو أي استعمال لها ضد سيادة الدولة المشاطئة للمضيق أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار نظمت قواعد ممارسة حق المرور العابر وقت السلم، أما في وقت الحرب فإن للدول المشاطئة للمضيق سلطة تقديرية واسعة إزاء المرور في المضيق إذ تمنح القواعد العامة المستقرة في القانون الدولي دولة المضيق حقوق المتحاربين في مواجهة سفن الدول المتحاربة معها حتى ولو كانت في أعالي البحر.
وصفوة القول بشأن المركز القانوني لمضيق هرمز أنه مضيق دولي يصل بين بحرين عاليين ويشكل مياها إقليمية للدول المطلة عليه وهي إيران وعمان ويخضع لحق المرور العابر لجميع السفن الأجنبية وفقا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. ولقد وصفه شارل روسو، أحد كبار فقهاء القانون الدولي العام، بأنه العنق الرئيسي للعالم لأنه يشكل ممرا حيويا مهما للتجارة الدولية خصوصا تجارة النفط ولذلك فإن اللجوء إلى الخيار العسكري لحل المسألة النووية الإيرانية وما قد يترتب على ذلك من إغلاق لمضيق هرمز سيؤدي إلى كوارث لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى.
ولعل مما يدعو إلى شيء من الطمأنينة أن العديد من المحللين يستبعدون الحل العسكري لأن الولايات المتحدة لا تستطيع تنفيذ أي عمل عسكري ضد إيران لأسباب عديدة، من أبرزها الإخفاق الأمريكي الكبير في العراق وأفغانستان وتآكل قدرة إدارة الرئيس بوش، خصوصا بعد فوز الحزب الديمقراطي بأغلبية مقاعد الكونجرس الأمريكي في الانتخابات الأخيرة.

* محام ومستشار قانوني ـ جدة
فاكس 6557888

الأكثر قراءة