تصنيف الصكوك يتناول السداد المجدول واستعداد المتعهد باحترام التزاماته
دأبت ستاندارد آند بورز منذ فترة ليست بالوجيزة على تصنيف عدد من التعاملات التي تتم وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية التي يتم إصدار معظمها من قبل هيئات مستقلة، أو عالمية، أو إقليمية، أو هيئات تدعمها الحكومات. وتعتبر الصكوك نوعاً من الالتزامات التي يتم إصدارها فيما يتعلق بالعمليات التي تجرى وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية. وفي الأشهر الأخيرة، سألت جهات شرق أوسطية (مشاركة في الأسواق) ستاندارد آند بورز عن الجوانب العملية التي نقوم بها لتصنيف الصكوك. وحظيت ناحيتان منهما باهتمام خاص. وتتمحور الناحية الأولى حول ما إذا كانت ستاندارد آند بورز تعطي اعتباراً في تصنيفاتها لعامل التقيد بأحكام الشريعة. وللأسباب الموضحة أدناه، لم يأخذ تحليل تصنيف ستاندارد آند بورز عامل التقيد بالشريعة في الاعتبار.
1- الشريعة والتصنيفات
كما هي حال أنواع التصنيف الأخرى، فإن تصنيف ستاندارد آند بورز لسند إسلامي يتناول فقط احتمال السداد المجدول حسب الشروط الواردة في السند. ولم تدل ستاندارد آند بورز برأيها حول ما إذا كان هذا الالتزام أو ذاك مناسباً من منظور تقيده بأحكام الشريعة الإسلامية. وينسجم هذا الموقف مع الموقف المعروف عنها منذ زمن طويل بأن التصنيف لا يشكل توصية بشراء سند معين، أو بيعه، أو الاحتفاظ به. وإضافة إلى ذلك، فإن التصنيف لا يتحدث عما إذا كان أحد الاستثمارات مناسباً لمستثمر بعينه. وعلى أية حال، فإن أحد الاعتبارات التي تؤخذ في الحسبان في عملية التصنيف هو تحديد النفاذية القانونية للسند. وتبني ستاندارد آند بورز رأيها التصنيفي على تقيد أية عملية بأحكام القانون التجاري النافذ - مثل القانون الإنجليزي، وقانون ولاية نيويورك، والقوانين التجارية لبلدان كالإمارات، على سبيل المثال. وبناء عليه، فإن تصنيف ستاندارد آند بورز لا يتناول مسألة التقيد بأحكام الشريعة الإسلامية كأحد عوامل النفاذ عبر المحاكم التجارية.
وفي بعض البلدان، تتحكم الشريعة بكل ناحية من نواحي الحياة تقريباً، بما في ذلك السياسة الاجتماعية، والأعمال المصرفية، والعلاقات التجارية والاقتصادية، بينما يتجلى تأثيرها الرئيسي في بلدان أخرى في مجال السياسة الاجتماعية كأحكام المواريث والطلاق، أما القوانين التجارية (التي تؤخذ عادة عن القوانين الأوروبية والمصرية المعمول بها منذ زمن) فتحكم التعاملات التجارية والأمور التعاقدية.
إن جميع الصكوك التي قامت ستاندارد آند بورز بتصنيفها نظّمت بموافقة أحد المجالس الفقهية. إذ يقوم المجلس بتقييم المعاملة مبنى وروحاً ويبدي رأيه حول تقيدها بأحكام الشريعة من عدمه. وانسجاماً مع موقفها الذي يقوم على تناول النواحي الائتمانية للعملية، فإن ستاندارد آند بورز لا تتعرض لدور المجلس الفقهي أو تكوينه، كما أنها لا تدلي برأيها حول سلامة وصحة التوصيات التي يقدمها، أو القرارات التي يتخذها.
وتقدر ستاندارد آند بورز كذلك أنه لا يوجد ما يمنع المجالس الفقهية الأخرى من الاعتراض على قرار يعتبر أن التزاماً معيناً يتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية. وإذا حصل التشكيك في القرار، فإنه من غير المحتمل أن يؤثر ذلك على نفاذه، لأن ذلك متروك للقضاء التجاري. ورغم ذلك، في حال اعتراض مجلس فقهي آخر، فإن سيولة العملية يمكن أن تتأثر، لأن المستثمرين سيحجمون عن الاستثمار فيها. ومن وجهة نظر المستثمر الإسلامي، يجب أن تكون العملية متفقة مع أحكام نظامين، هما القانون التجاري والشريعة الإسلامية. والمستثمر لا يهتم بقوة نفاذ التزام ما من وجهة نظر العقد والقانون التجاري فحسب، ولكنه يهتم أيضاً بتماشيه مع أحكام الشريعة. (ومن الأمثلة على الاستثمار المناسب ما يطلق عليه السندات "الخضراء" التي تستهدف المستثمرين الحريصين على البيئة، والتي تتقيد الجهات المصدرة لها بمبادئ CERES، وهذه الأسهم لها بالطبع قوة نفاذ قانوني). وعلى صعيد الممارسات، يبدو أن كون الشيء مناسباً للمستثمر الإسلامي يتركز حول ما إذا كان يمكن أن يعتبر الالتزام، لأغراض شرعية، مخالفاً لحكم الشريعة التي تحرم الفائدة. وإذا كانت إحدى العمليات خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية فقط، فإن أموراً مثل عدم التيقن من حكم المحكمة الشرعية يمكن أن تؤثر سلباً في تصنيفها. وفي الحقيقة، فإن ستاندارد آند بورز تفهم أن بعض الالتزامات المتماشية مع أحكام الشريعة تنكر القانون الشرعي الحاكم شكلاً، رغم أنها قد تفي بمتطلبات الشريعة في الجوهر. وإلى الحد الذي تكون فيه الصكوك بالشريعة فقط، وخاضعة لسلطة المحاكم الشرعية، فإن الحكم الذي تصدره هذه المحاكم أن الصكوك لا تتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية يمكن أن يجعلها غير قابلة للنفاذ. وبالطبع، يؤخذ ذلك في الاعتبار عند التصنيف.
2- المعالجة التصنيفية للصكوك
أما الناحية الثانية، فتتعلق بالمعالجة التصنيفية لصكوك الإجارة (وهي التزامات مسنودة بعقد للإيجار) وما يتعلق بها من هياكل. وفي العموم، فإن صكوك الإجارة عبارة عن عقود تأجير تباع ثانية وتشتمل على بنود تلزم بشرائها (رغم أن هناك عقود إيجار رئيسية وأخرى فرعية). ويتم بيع موجودات العملية إلى الجهة المصدرة ويعاد تأجيرها للبائع. وهكذا، فإن السيولة النقدية لعقد الإيجار هي المكون الرئيسي لخدمة الدين. وتخضع هذه الالتزامات أيضاً إلى الالتزامات بإعادة شرائها عند تحقق شروط معينة. وتتعلق المسألة التي يجرى النظر فيها الآن بتقييم الالتزام الخاص بإعادة الشراء، وكيف يدخل في العوامل التي تأخذها ستاندارد آند بورز في الاعتبار عند التصنيف.
ويعتبر التحليل الذي يتم القيام به لالتزام إعادة الشراء عاملاً مهماً في تصنيف العملية. ذلك أن ستاندارد آند بورز لا تحلل قانونية التزام الشراء فحسب، بل تجري تقييماً لاستعداد الجهة البادئة لاحترام هذا الالتزام.
ويتم تقييم قانونية هذا الالتزام بطريقتين: يجرى أولاً تقييم قانوني لتحديد ما إذا كان قانون البلد الذي تحدث فيه العملية يفرض أية أولوية من بين التزامات السداد من جانب الجهة البادئة. وكمثال على ذلك، فإن عمليات صكوك الإجارة التي تشتمل على متعهد يسند التزامه بإعادة شراء هذه العملية، صنفت ستاندارد آند بورز الصكوك على أساس القيمة الاسمية مع تصنيف المتعهد على أساس رأي قانوني يبين أنه يمكن أن يوافق من الناحية العقدية على تصنيف دفعات الإيجار التي سيقوم بسدادها بالقيمة الاسمية مع التزامات دينه. كما أن صياغة الالتزام بإعادة الشراء مهمة أيضاً لضمان السداد في المواعيد المحددة. ويتم التأكيد بوجه الخصوص على الشروط الواردة في الالتزام وقابليته للنقض (إن وجدت). وفي الحالات التي تشتمل على التزامات بإعادة الشراء دون قيود، يمكن أن يؤخذ خطر الاستيلاء في الحسبان.
أما بخصوص الطريقة الثانية، فإن التحليل الذي تقوم به ستاندارد آند بورز لا يقتصر على المسائل القانونية. ذلك أنها تقوم أيضاً بتقييم استعداد المتعهد باحترام التزاماته بإعادة الشراء. وكجزء من هذا التحليل، فإنها تتفحص أهمية الصكوك بالنسبة لمتعهد بإعادة الشراء. وهذا التحليل يناسب بشكل خاص حين يكون المتعهد كياناً مستقلاً (لأن الكيان المستقل يستطيع تغيير قوانينه الخاصة).
وأخيراً، بما أن التزام الجهة البادئة بإعادة الشراء يذهب عادة إلى المُصدِر وليس إلى حملة الصكوك النهائيين (الذين هم غير مؤمنين بتعهد سندي، ولكنهم يملكون حصة نسبية في موجودات المصدر)، فإن تحليل المصدر مهم أيضاً في فهم ما إذا كانت هناك مخاطر في ألا يعمل كقناة للأموال الواردة من الجهة البادئة إلى حملة الصكوك. وكعامل مساعد في هذا التحليل، ينصح بأن يكون المصدر مصنفاً ككيان ذي غرض خاص بعيد عن الإفلاس.
ومن حيث المبدأ، فإن ستاندارد آند بورز منفتحة على تصنيف العمليات التي يعتمد تصنيفها على أداء الموجودات المملوكة للمصدر فقط. وتقوم ستاندارد آند بورز بتحليل أداء هذه الموجودات بناء على منهجياتها التقليدية. وكمثال على ذلك، لو كانت الموجودات الأساسية مشروعاً، فإن ستاندارد آند بورز تستخدم منهجية تمويل المشاريع. وسيتم تحليل أية نواحي خطورة تثار نتيجة لتقيد العملية بأحكام الشريعة، على أساس أنها حالة خاصة.
حق نشر هذا التحليل حصري لجريدة "الاقتصادية" باتفاق مع ستاندارد آند بورز.