رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


أثرياء سوق الأسهم الجدد.. هل يشكلون خطرا علينا؟

تمر الدول بفترات تظل عالقة بذهنها عقودا من الزمن ولأسباب عديدة أهمها التأثير الكبير الذي تتركه تلك الأحداث فيها على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية رغم أنها قد تأخذ وقتا أطول من غيرها في إبراز تلك التغيرات والتطورات. وسبق لي المقارنة بين تأثيرات 11 أيلول (سبتمبر) 2001م، و26 شباط (فبراير) 2006م، على المجتمع السعودي الذي ـ في تصوري ـ أن حجم الاستفادة أكثر من الضرر رغم أن الحدثين يعتبران كارثة إنسانية وذات طبيعة تدميرية على الفكر بالدرجة الأولى وعلى كثير من المسلمات والتي أُخذت واقعاً وليس عقلاً.
ومن ضمن تجليات ما قبل وما بعد 26 شباط (فبراير) 2006م في سوق الأسهم السعودية، بروز أثرياء جدد – وهنا أعني بكلمة أثرياء الذين يملكون مليارات الريالات وليس فقط الملايين منها. وقبل التحدث عن هؤلاء الأثرياء والذين سوف يكون لهم شأن كبير في السوق المالية في المستقبل القريب، سوف نتحدث عن كيف أصبحوا أثرياء بهذا الشكل حيث إن معرفتنا بطرق وأساليب الثراء يمكن لنا توقع نتائج استخدام تلك الثروات وكيف يمكن أن تكون سلبيات استخدامها في حالات.
ما حدث ويحدث في سوق الأسهم لدينا لا أعتقد أن هناك من سبقنا إليه في العالم حتى في الدول التي مرت بحالات تراجع حاد مثل اليابان والنمور الآسيوية وكذلك في الكويت وأزمة سوق المناخ. هناك أساليب وطرق تعد اختراعا محليا صرفا ولها براءات اختراع يجب أن تسجل قبل أن تسرق. ومن تعدد الطرق وتنوعها والإبداع فيها نجد أن من شبه المستحيل حصرها. ولكن سوف نحاول بطريقة عامة ذكر البعض منها. وعلى كل حال جميع هذه الطرق تضمن لك أرباحا لا تقل عن 1000 في المائة، وما يزيد يعتمد على مدى توافر عناصر أكبر في زيادة نسب الأرباح.
ومن أهم هذه الطرق أن تكون نكرة، بمعني لا أحد يعلم عنك شيئا، ويفضل أن يتم استخدام أسماء مستعارة إذا أمكن ذلك وهو أمر سهل محليا إذا كان الاسم معروفاً على المستوى المحلي. وأقصد بذلك ألا تكون العيون مسلطة عليك سواء في المحيط العام أو المحيط الضيق، فهذا سوف يؤدي إلى تقليل مساحة التحرك الأفقي والعمودي في إدارة المحفظة حسب الأسس والمعايير التي تحقق الأهداف وهي 1000 في المائة أرباحا كحد أدني. وبتوافر هذا العنصر يمكن عند ذلك بناء علاقات خاصة جداً في الوسط المالي تستطيع أن تفتح لك أبواب جنان الحياة الدنيا، من خلال عنصر المعلومة أو تسريب المعلومة. وبالمناسبة من الغباء الانتظار إلى أن يتم الحصول على المعلومة أو توافر المعلومة في عرف المضاربين. يجب أن تكون هناك وسائل لاختراع المعلومة واختراع طرق نشرها بشكل يضمن تصديقها على مستوى النطاق المطلوب. ويختلف نطاق المعلومة من حين إلى آخر. ففي بعض الأوقات تكون في حدود ضيقة للغاية وفي أحيان أخرى تكون على مستوى المملكة كلها وفي كل قرية وهجرة تجد المعلومة نفسها قد تم توصيلها بأحدث الوسائل. وبالمناسبة هناك شركات أعلنت أخبارا بناء على رغبة مضاربين كبار، اتضح بعد مدة أنها غير صحيحة، ولكن بعد ماذا.. بعدما طارت الطيور بأرزاقها كما يُقال.
ثاني أهم المسلمات التي هي أساس العمل عدم التفكير في نتائج الأعمال، وما قد تحدثه من أثر سلبي سواء على المستوى الاقتصادي العام أو الخاص. فهذا يتناقض مع مسلمات العمل وتحقيق الأرباح، وأي محاولة لهذا فلديهم الطرق لجعل من يحاول ذلك هو عدو الشعب وهو عدو الاقتصاد الحر والتجارة الحرة ويتعارض مع مبادئ الشريعة ومن منطق " أتغدى فيك قبل أن تتعشى فيني".
ثالث تلك الوسائل، أن يكون هناك جانب إعلامي في بعض الأحيان يؤكد البعد عن سوق الأسهم وعدم الاكتراث بها نهائيا. وهذه فقط في الحالات التي يكثر الحديث فيها عن أسماء معينة تعبث بالسوق ببضعة مليارات فقط. وهي سلاح ذو حدين ولذلك لا يتم استخدامها إلا في أضيق الحدود.
رابع هذه الوسائل، وهي رئيسية في إنجاز العمل على أرض الواقع وهي توظيف عدد كبير من الموظفين دون وجود أي عقود مكتوبة بين الموظف وصاحب العمل، وهي من اختراع هؤلاء المضاربين. ومن مميزات هذا النوع من التوظيف أنه لا يكلف تجهيز مكتب أو أوراق أو هواتف أو أي تكاليف أو مصروفات مكتبية، فهؤلاء الموظفون يستخدمون مكاتب وتسهيلات عمل جهات أخرى تحسب المصروفات على تلك الجهات التي يعملون فيها، وهذا أيضا اختراع محلي صرف أيضا. ومن خلال تلك الشبكة يتم التمرير في اتجاهين سواء للمعلومات الفنية أو المعلومات الأساسية في عمليات البيع والشراء. وكل موظف لديه وظيفة محددة الواجبات والمسؤوليات ويعمل فيها بتفانٍ منقطع النظير ويمكن لمعالي الدكتور غازي بصفته وزير العمل الاستعانة بهؤلاء المضاربين والمجموعات لمعرفة كيف يزرعون الولاء في نفوس موظفيهم دون حتى عقود مكتوبة بينهم!
خامس تلك الطرق، القدرة على عدم المخالفة المباشرة وتحقيق المطالب العامة. والدليل على ذلك لنأخذ مؤشر سوق الأسهم، وكون المستثمرين (العامة) يركزون على المؤشر وينعكس على نفسيتهم الحساسة، فقد اتخذ قرار جماعي بين المضاربين ولحقهم فيما بعد المجموعات Groups في الرضوخ أمام رغبة المساكين وتثبيت المؤشر عند مستويات معينة حبا وكرامة في هؤلاء العامة حتى ترضي نفوسهم. ولكن بكل أسف هذا تطلب تطوير برامج تقنية لصالح هؤلاء المضاربين والمجموعات لمساعدتهم على معرفة تأثير كل عملية بيع وشراء في المؤشر قبل عملية التنفيذ حتى لا يتذبذب المؤشر بسبب عمليات البيع والشراء. وهنا أتوقف عن سرد وسائل وطرق هؤلاء الأثرياء الجدد والذي (اللهم لا حسد) حققوا ثروات لم تحققها الدولة من بيع النفط من أكثر من 50 عاما، بدليل أن قيمة المؤشر تجاوزت ثلاثة تريليونات وهي ثلاثة أضعاف الناتج المحلي في أقل من ثلاث سنوات.
والسؤال والذي سوف يحمل أكثر من دلالة في السنوات المقبلة وقد تكون حرجة جداً كيف سوف يوظف هؤلاء الأثرياء تلك الأموال وبأي الطرق؟ وهل سوف تكون أموالهم منفلتة من أي ضابط لأنها جاءت من استثمار استطاعوا وبكل مهارة تجاوز جميع الإشارات الحمراء والبنفسجية وكذلك استطاعوا تحقيق أهدافهم بالقوة وأركعوا الجميع ولم نستطع لجم جماحهم، بل فرضوا شروطهم بكل صراحة؟
هناك الآن حركة ممتازة في التوسع في القطاعات المالية في المملكة وهي نتيجة طفرة نفطية تعيشها المملكة ونتيجة ظروف الزمان والمكان التي نعيشها وبالذات بعد انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمة، ولكن لو دخلت تلك الأموال إلى مشاريع هم ليسوا أهلا لها، وذلك لمجرد أنهم يملكون الأموال ويريدون لهذه المشاريع أن تكون واجهة لهم في تحقيق مشاريع أكبر حيث إن ذلك قد يكون قاتلا لقطاعات جديدة بدأت تتشكل في المملكة وتفقد أيضا المنافسة الشريفة التي يجب أن تكون في أي قطاع. طبعا التحدي الأول والأخير سوف يكون على الجهات الإشرافية والرقابية، ولكن علمتنا الأيام ألا نعتمد كثيرا على تلك الجهات والتي لا أحد يشكك في إخلاصها وتفانيها، ولكن الكلام على الإمكانات والصلاحيات التي تمكنها من إنجاز المهمات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي