مستقبل أسعار النفط بين نظريتين: أسعار عالية أم منخفضة؟
<a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a>
الحلقة الثامنة
8. ارتفاع أسعار النفط لم يؤد إلى انخفاض النمو في الطلب العالمي على النفط، على عكس ما حصل في الماضي.
تتميز فترة ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة بأنها الفترة الوحيدة في التاريخ التي لم تشهد انخفاضاً قي معدلات النمو الاقتصادي مع ارتفاع أسعار النفط. كما تدل البيانات على أن الأمر لا يقتصر على بعض الدول الصناعية، وإنما يشمل دولا نامية وناشئة، بما في ذلك الصين والهند. نتج عن هذا النمو الاقتصادي استمرار الطلب العالمي على النفط في الزيادة، حيث ارتفع من متوسط قدره 76.9 مليون برميل يومياً في عام 2002 إلى 84.6 مليون برميل يومياً في العام الحالي. خلال الفترة نفسها ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 150 في المائة.
تغيرات هيكلية؟
يرى أنصار هذه النظرية أن ما حدث في السنوات الأخيرة غيّر المفهوم التاريخي للعلاقة بين أسعار النفط والنمو الاقتصادي، الأمر الذي يتطلب تغيير الاعتقاد القديم بأن هناك علاقة عكسية بين أسعار النفط والنمو الاقتصادي. بلغ متوسط نمو الاقتصاد العالمي نحو 5 في المائة خلال فترة ارتفاع أسعار النفط في السنوات الثلاث الأخيرة، كما كان متوسطه نحو 9 في المائة في الصين، و7 في المائة في الهند. أما في السابق فقد نتج عن ارتفاع أسعار النفط هبوط معدلات النمو الاقتصادي وتحولها إلى معدلات سالبة في بعض الدول. يرى هؤلاء أن تحمل الاقتصاد العالمي للارتفاع القياسي في أسعار النفط يدل على وجود تغيرات هيكلية تضمن بقاء أسعار النفط مرتفعة.
يسوغ أنصار هذه النظرية هذا التحول بتغيرات هيكلية دائمة تتمثل في انخفاض نسبة النفط في الناتج القومي المحلي للدول الصناعية، وانخفاض كمية النفط اللازمة لإنتاج دولار واحد من الناتج المحلي. يستدل هؤلاء بالبيانات التي تشير إلى انخفاض نصيب النفط من الناتج المحلي للدول الصناعية بمقدار النصف خلال العقود الثلاثة الماضية، والتي تشير أيضاً إلى انخفاض كمية النفط والغاز اللازمة لإنتاج دولار واحد من الناتج القومي الأمريكي بأكثر من النصف منذ بداية السبعينيات.
تغيرات دورية؟
يؤكد أنصار هذه النظرية على أن العلاقة بين أسعار النفط والنمو الاقتصادي ما زالت عكسية، وأن هذه القاعدة الاقتصادية لم تتغير. ويرى هؤلاء أن استدلالات نظرية التغيرات الهيكلية خاطئة لسببين. الأول أنها لم تأخذ بالاعتبار التغيرات في البيئة المحيطة بالاقتصاد في كل فترة من الفترات، حيث يجب تثبيت هذه العوامل عند النظر إلى العلاقة بين أسعار النفط والنمو الاقتصادي. الثاني أن انخفاض كمية النفط اللازمة لإنتاج دولار واحد من الناتج المحلي هو طريقة خاطئة لتفسيرعدم تأثر اقتصاديات الدول الصناعية بارتفاع أسعار النفط. فما فائدة هذا المعيار إذا انخفضت كمية النفط اللازمة لإنتاج دولار واحد من الناتج المحلي ثم زاد الاستهلاك بمقدار الضعف في الفترة نفسها، كما حصل في عدد من الدول الصناعية؟ ففي الوقت الذي تحسنت فيه الكفاءة في الاستهلاك بمقدار 35 في المائة، ارتفع استهلاك النفط بحدود 40 في المائة، كما زاد استخدام مصادر الطاقة الأخرى! إضافة إلى ذلك، كيف يمكن أن نفسر ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي مع ارتفاع أسعار النفط في دول نامية وناشئة لم تنخفض فيها كفاءة الاستهلاك، خاصة في الهند؟ كيف لنا أن نفسر الانخفاض المستمر في نسبة النفط في الناتج المحلي للدول الصناعية، في الوقت الذي وصل فيه استهلاك النفط في هذه الدول إلى مستويات قياسية؟ إضافة إلى ذلك فإن قياس نصيب النفط كنسبة من الناتج المحلي يتجاهل حقيقة مهمة، وهي أن النسبة غير الرقم. ففي الوقت الذي انخفضت فيه هذه النسبة، ارتفعت كرقم حتى وصل استهلاك النفط العالمي إلى مستويات قياسية.
يرى مؤيدو نظرية التغيرات الدورية أن سبب عدم تأثر اقتصاديات العديد من الدول بارتفاع أسعار النفط يعود إلى تغير العوامل المحيطة بالعلاقة بين أسعار النفط والنمو الاقتصادي، مع العلم أن بعض هذا التغير دوري أيضاً. من هذه العوامل:
1 - زيادة الإنفاق الحكومي في الدول المستهلكة، خاصة في مجالات الدفاع والأمن. فقد بلغت نسبة الزيادة في الإنفاق الحكومي أضعاف الزيادة في أسعار النفط. هذه الزيادة الكبيرة رفعت مستويات النمو في الولايات المتحدة وأوروبا، ونشطت صادرات الصين.
2 - انخفاض أسعار الفائدة حتى وصلت إلى أدنى مستوى لها في النصف الأول من عام 2004 خلال 40 عاماً. ومع أنها ارتفعت كثيراً منذ ذلك الوقت بأكثر من خمسة أضعاف، إلا أنها ما زالت منخفضة بالقيمة الحقيقية. انخفاض أسعار الفائدة يسهم عادة في رفع معدلات النمو الاقتصادي.
3 - انخفاض الدولار. إذا افترضنا ثبات كل العوامل الأخرى، فإن انخفاض الدولار يؤدي إلى زيادة الطلب على النفط، كما يؤدي إلى انخفاض إنتاجه. فعلى سبيل المثال، يؤدي انخفاض الدولار إلى انخفاض قيمة النفط من وجهة نظر الأوروبيين واليابانيين والصينيين. ولكنه يؤدي أيضاً إلى ارتفاع تكاليف إنتاج النفط في هذه المناطق، كما أنه يخفض القيمة الشرائية لعائدات النفط في دول أوبك، الأمر الذي يقلل من إنفاقها على مشاريع نفطية جديدة.
لا شك أن هناك عوامل أخرى، إلا أن تغير اتجاه العوامل الثلاثة أعلاه كاف لتغيير مسار أسعار النفط وتخفيضها بشكل كبير. فالإنفاق الحكومي لا يمكن أن يستمر بالزيادة إلى ما لانهاية، ولا بد أن تتوقف الحروب في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى يوماً ما، ولا بد أن يرتفع الدولار يوما ما. أما أسعار الفائدة فقد ارتفعت 17 مرة منذ منتصف عام 2004. تشير البيانات التاريخية إلى أن أخطر سلاح يهدد النمو الاقتصادي في الدول الصناعية هو ليس ارتفاع أسعار الفائدة، وليس ارتفاع أسعار النفط، وإنما ارتفاع أسعار النفط والفائدة معاً. وهذا ما شهدناه في الفترات الأخيرة. فالنمو الاقتصادي في الدول الصناعية لم يتأثر عندما ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة، ولم تتأثر كثيراً بارتفاع أسعار الفائدة عندما كانت أسعار النفط منخفضة، ولكنها تأثرت عندما ارتفع الاثنان معاً. أما السلاح الآخر فهو انخفاض الإنفاق الحكومي. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل سيعاني الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي العالمي، من الكساد عندما ستنسحب الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان؟ إذا كان الأمر كذلك، ماذا سيحصل لأسعار النفط؟