توحيد التيار الكهربائي 110 أو 220 فولت مسؤولية مَنْ؟
للمرة الرابعة خلال عقد من الزمان وأنا أكتب وأطالب بالاهتمام بإحدى أهم المشاكل التي تواجه المواطنين, وهي عدم توحيد شدة التيار الكهربائي سواء 110 أو 220 فولت وما يتبعهما من التردد 50 أو 60 سايكل. وكذلك توحيد الأفياش والمواصفات الكهربائية. فهل هناك أحد يهمه أمرنا ويجيبنا؟ موضوع سيفرج كربة المواطنين ومعاناتهم التي تعتبر كابوسا يرهقهم لما يواجهونه من حيرة في عدم توحيد شدة التيار الكهربائي والازدواجية وما يتبع ذلك من زخم كبير من أنواع المخارج (الأفياش) والأجهزة والأدوات الكهربائية التي تحترق يومياَ وتؤدي إلى كوارث الحريق لمنازلنا ومبانينا وما تسفر عنه من خسائر في الأرواح. وهي في مجملها هدر كبير في مدخراتنا وفي اقتصادنا الوطني. والآن وتحت إدارة جديدة للمواصفات والمقاييس وشركة الكهرباء هل سنرى من يهتم بنا؟ وهل من المعقول أن يكون في دولة واحدة شدتان للتيار 110و220 فولت, كما أن مخارج الكهرباء ( الأفياش) متنوعة منها الدائري ومنها المستطيل ومنها فتحتان أو ثلاث وكذلك الحل لمقاييس مقابس (مفاتيح) الأجهزة الكهربائية, كما أن مواصفاتها تكون مرة أوروبية ومرة أمريكية أو شرقية. وعندما تسافر من جدة إلى الرياض أو غيرها والعكس تضطر إلى البحث عن محولات أو قد تحرق الأجهزة بالخطأ. وفي كل مرة تستبدل أي أجهزة فإن المخارج لا تتناسب معها مما يضطر المستهلك إلى المعاناة والبحث.
تعتبر عملية تنظيم أو توحيد المواصفات لنظام الكهرباء وتمديداته وما يتبعه من مستلزمات STANDARDAIZATION إحدى أهم ركائز الاقتصاد الوطني وأنجح الوسائل للتوفير وتقليص حجم المدفوعات والاستيرادات المتعددة والمتكررة للسلعة الواحدة وتوفير الوقت والمال لراحة المواطن. وهي أساس التخطيط للاقتصاد والترشيد الوطني لدى معظم دول العالم, إذ تعتبر من أهم الخطوات في عملية ملء الفجوة العميقة في عملية التوحيد الشامل لجميع الأنظمة التي تشمل حتى توحيد الأسماء والمصطلحات وترجمتها وتهيئة المناخ العام استعداداً للخوض بخطى ثابتة في خضم الاتفاقيات الدولية في النظام العالمي الجديد, وتوفير الحماية وإعطاء الفرصة الكافية لتطوير منتجاتنا وتعزيز قدراتنا التنافسية أثناء تلك المرحلة الانتقالية. كما أنها تساعد على تنمية ونضوج المستوى العمراني ومؤسسات البناء والمقاولات ناهيك عن فوائدها الاجتماعية الأخرى. ومن بين هذه المنتجات تبرز المواد والأدوات الكهربائية كأهم مواد البناء والتي تشكل السواد الأعظم استهلاكيا بين تلك المنتجات, إلا أن عملية توحيد مواصفاتها في بلدنا ما زالت متأخرة تماماً. وقد نسمع جعجعة بين الحين والآخر ولكن لا نرى إلا زبداً لا يتبعه أي فائدة مرجوة. فالأسواق ما زالت تزخر بأشكال ومواصفات مختلفة ومتناثرة من حيث المقايسات والنوعيات والجودة, ومازالت الحجة هي حرية التجارة التي لن تكون حرة دون تنظيم وتقنين. ويبقى المستهلكون يرضخون للدوران في زوبعة اتخاذ القرار وضياع مدخراتهم في عملية التغير المتكررة من نوع إلى آخر, إضافة إلى الحيرة وتشتت الفكر مما يضطرهم أحياناً إلى تغيير نظام كهربائي أو هاتفي أو صحي إلى نوع آخر قد لا يكون بالضرورة أجدى.
فمن يحس بمعاناة المستهلك؟ ولماذا يتكلف عمل التمديدات الكهربائية في منزله ومكتبه النظامين واحتمال الالتباس للمستخدمين سواء العمالة والخدم أو أهل البيت ما يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة من جراء حرق وإتلاف الأجهزة المنزلية أو حدوث التماسات كهربائية؟ ولماذا هذه الازدواجية وإتعاب المستهلك للقراءة والتأكد كل مرة هل الجهاز 110 أم 220, إضافة إلى خطورة التيار واحتمال تعطل الأجهزة؟ ولماذا لا تكون هناك قرارات لتوحيد التيار والأجهزة للمناطق السكنية وتكون مبنية على دراسة مقارنة لأيهما أفضل 110 أم 220 كما هو متبع دولياً وتوحيد الأفياش لتكون من نوع واحد قياسي فقط؟ ولماذا لا يتم تحديد مواصفات جميع الأجهزه المستوردة بحيث تعمل على التيار الموحد وأن تكون أفياشها نوعا موحدا حسب المواصفات السعودية؟ إضافة إلى أن هذا التوحيد يساعد على تقليل مساحات العرض للمحلات التجارية وعدم إكهال التاجر بعرض أكثر من صنف وما يؤديه ذلك إلى توفير وقت المستهلك وجهده. ومع عدم إغفال أهمية التشجيع على استخدام نظام تفريغ الشحنات والصواعق إلى الأرض EARTHING.
أعتقد أنه من الأولى أن يتم التمهيد لمثل هذا التغير وإعداد مسودة له قبل فترة كافية توزع على المختصين والمهتمين السعوديين وأن يسبقه ثم يتبعه عقد مؤتمرات محلية لمناقشة أثر التغير مع المختصيين سواء في القطاع الخاص أو العام وإرسال دعوات للمهندسين من الإدارات الحكومية والمقاولين وعمل استبيانات وحلقات نقاش متخصصة على عدة حلقات وكل لتخصص معين مثل ما يهم الأمور الكهربائية والميكانيكية وغيرها. وما يتبع ذلك من عمل الأبحاث الميدانية لتقصي المشكلة وأبعادها وعمل الاستبيانات أيضاً للمستهلكين والتجار لمعرفة آرائهم ومشاكلهم. فموضوع توحيد التيار ومواصفاته وأدواته أمر مهم وضروري لأنه يمس حياة كل مواطن.
لقد سبق طرح هذا الموضوع عدة مرات مما يدعو إلى التساؤل عما تم في هذا المجال وأين التطبيق والمتابعة من قبل الإدارات المسؤولة عن ذلك. إن عدم المبالاة يستدعي طرح الموضوع أمام مجلس الشورى لمساءلة المسؤولين ولإنقاذ المواطنين من هذه الخسائر.
إن مثل هذه الحلول قد تكون صعبة إذا لم يسبقها تخطيط مسبق لما تسببه أحيانا من تكبد بعض التجار كساد بضائعهم التي سبق استيرادها ولكن عملية إشعارهم قبل فترة زمنية كافية (سنتين إلى خمس سنوات)، بحيث يعلمون أن هذا القرار سينفذ بعد تلك الفترة وبحيث يتم التخلص مما لديهم تدريجيا، قد تمنع الضرر. وعلى أي حال فإن ما يعود عليه هذا الأمر للمجتمع من فائدة على المدى الطويل أهم بكثير من خسارة حفنة من التجار غير المبالين.
مخطط اقتصادي وعمراني