رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كيف سيكون التخطيط عندما تدار الخدمات إلكترونيا؟

<a href="mailto:[email protected]">fah_arab@yahoo.co.uk</a>

مع منتصف التسعينيات بدأنا نلاحظ أن التوجه الإلكتروني في الإدارة ستصاحبه موجة تغيير تتطلب تحركا سريعا لمواكبة التحولات الجذرية التي ستشاهد على المستويين الاقتصادي والاجتماعي بصفة عامة. ومن واقع معايشتنا لرتابة عمل المؤسسات الحكومية منذ زمن بعيد وما نتج عنه من تداخلات وازدواجيات وتكرارات تسببت في هدر كبير للأموال, وما اضطرت الدولة إليه من استصدار قرارات عديدة وعلى مستوى عال جدا لحل كثير من المشاكل الإدارية والمالية, فإن تقنين العمل في كافة القطاعات بات ملحا لئلا يتحمل المواطن تبعة إجراءات لا ذنب له فيها. وبالتالي كان ومازال المفكرون يركزون على الحديث عن التخطيط وتحديد الأولويات وسرعة الاستجابة لمواجهة هكذا تحول من دون أي تكاليف إضافية أو وقت مهدر, أو إضاعة جهود. إن زيادة أو استمرار انحراف القطاعات عن تحقيق استراتيجياتها وهي الوجهة الأساسية للتنمية, سواء بقلة التنسيق بين الوزارات, أو كثرة التداخلات, والتفرد في القرارات, يجعلنا نطالب بتغيير دور وزارة التخطيط أو تفعيل أجهزة التخطيط في كل وزارة للقيام بدورها فعليا لتحقيق أهدافنا الاستراتيجية. قد يحل برنامج الحكومة الإلكترونية هذه المعضلة إذا ما تم تبنيه وتنفيذه حسبما قرر له. هذا البرنامج يعد الآن أبرز التطبيقات الإدارية الحديثة التي ظهرت خلال السنوات الماضية، وهو موضوع حيوي يحظى بأهمية بالغة في مختلف دول العالم، حيث اعتبر من مكتسبات الإنسان التي مكنته من تحقيق تطلعاته. ولأن المشروع له مردوده الاقتصادي الكبير, فإتمامه يحتم التوجه الجاد نحو تنفيذه وعدم التراجع عنه مهما كانت الأسباب. فهدفه تقليل البيروقراطية وتخفيف الروتين في مختلف القطاعات, وتوفير المعلومات العامة والمهمة للجميع, ومن ثم خفض التكاليف. ولكن ليتم ذلك, هناك حاجة إلى تغيير الهيكل التنظيمي ولوائحه وتحديد العلاقات بين المستويات الوظيفية المختلفة في جميع القطاعات حتى غير الخدمية منها وإزالة أي تداخل بينها. كما أنه فرصة لتحوير الأنظمة المعلوماتية الإدارية المطبقة حاليا لتكون أكثر فائدة للراغبين في الاستفادة منها. وإذا ما تحقق تقليل أعباء مراجعة الدوائر الحكومية, فإن الإدارات ستمنح فرصة للتفرغ لتطوير خدماتها وتقديم المزيد منها عبر الإنترنت, أو أي وسائل جديدة عصرية. التجربة الخليجية تتمثل في تقدم الإمارات خليجيا في استخدام الإنترنت، حيث اعتبرت الأفضل بنسبة انتشار بلغت 28 في المائة. لقد اعتبر ذلك مؤشراً إيجابيا جيدا خصوصا إذا ما علمنا أنه أعلى من نظيره في أوروبا الذي يصل إلى 24 في المائة فقط. ولقد صَنف تقريرٌ نشر عام 2005 الإمارات في المرتبة الـ 42 في العالم من ناحية جاهزيتها وتقدمها في مراحل برنامج الحكومة الإلكترونية، والمركز الأول بين دول مجلس التعاون الخليجي. من المؤكد أن يبعث هذا الفخر فينا كخليجيين ولكن لا يحقق التكامل عمليا فيما بيننا على الأصعدة كافة إذا لم نبذل جهودا أكبر في سرعة تنفيذ مشروع الحكومة الإلكترونية.
من المعروف أن تطبيق الحكومة الإلكترونية أو كما يسميها البعض "إدارة الخدمات إلكترونيا", من شأنه أن يلغي دور كثير من القوى العاملة ويدير كثيرا من الأعمال دون مدير, وهذا هو التحدي الكبير للإدارة التقليدية, لأن استجابة الحاسوب آلية وآنية, وبالتالي قد يحصل المستفيد على الخدمة التي يريدها من دون الحاجة إلى وسيط. إلا أنا في حاجة إلى إيجاد كوادر مدربة وعارفة للوصول بهم إلى إدارة الذات. وبما أن العاملين سيكونون متباعدين جغرافيا فسينتج ما يسمى "الولاء الإلكتروني" وسيتلاشى "الولاء للدائرة أو المسؤول". هذا يقودنا للقول إن التخطيط الإلكتروني سيكون ديناميكية مستمرة وقابلة للتجديد, بخلاف التخطيط التقليدي الذي يتم وضعه مرة ليكون مقراً لمدة طويلة ومن ثم تقيم النتائج والمخرجات لإعادة التخطيط الذي قد يكون نسخة من الخطة السابقة. إن تدفق المعلومات للجهاز الخدمي بشكل يومي أو أسبوعي يسمح بدقة أكثر في عملية التخطيط وتجعل العاملين يعيدون كتابة الخطط إلكترونيا, وبالتالي سيكون التخطيط على مستوى الأفراد. حيث يتم مباشرة تنفيذ مجموعة جديدة من الخدمات, وتقديم الخدمات السابقة بامتيازات جديدة كالسرعة والدقة وأكثر أمانا, وتقديم الخدمات عبر وسائل جديدة كالجوالات. فهل استعدت الأجهزة المختلفة لهذا اليوم؟. وهل ستلغي هذه الخطط اليومية أو الأسبوعية, الخطط طويلة أو قصيرة المدى؟, وما هو مدى التأثير؟. للإجابة عن هذه الأسئلة يتحتم على أجهزة القطاع العام والخاص تطوير خطط مفصّلة تهدف إلى تطبيق سياساتها واستراتيجياتها في مجال تكنولوجيا المعلومات لتسريع عملية تهيئة المجتمع للحكومة الإلكترونية, وتثقيفه بماهية الخدمات الإلكترونية التي تقدمها, حتى تلاحظ بمتابعتها كيف يمكن أن تتأقلم مع التطوير التقني للخدمات.
إن ارتكاب الأخطاء في العمل الحالي يأتي من تجاوز الخطط التقليدية, ولكن إذا طبق برنامج الحكومة الإلكترونية فإن العثرات ستكمن في عدم القدرة على العمل خارج الخطة لأن البرامج صممت لئلا يتم تجاوزها, ومن هنا قد نبدأ في إفشال البرنامج إذا استسهلنا الاستثناءات وتعديل الأنظمة. من ناحية أخرى لهؤلاء الذين يتشدقون باللامركزية صوريا ولا يطبقونها عمليا, عليهم الاستعداد لمواجهة زيادة عدد الرؤساء أو المديرين مع زيادة التشعبات في الإدارة الإلكترونية. ولأن السلطة موزعة في التنظيم الإلكتروني (اللامركزية الحقيقية), فستكون متابعة ومراقبة الخطط ونتائج تقديم الخدمات إلكترونيا عقبة كبيرة في الطريق. لذلك فتقديم الخدمات بكفاءة ولكافة أنواعها يستوجب توفير آلية جديدة تجمع الأجهزة التي تتجمع لديها البيانات والمعلومات وأجهزة دعم اتخاذ القرار لتوحيد رؤاها حول استراتيجية عمل موحدة. وبالتالي قد يكون من الأولى تأسيس مجلس أعلى أو هيئة عليا للتخطيط, يتبع له وزارة التخطيط (كجهاز تنفيذي) لتقوم بمتابعة ومراقبة تنفيذ استراتيجات الدولة والتأكد من ترسيم الخطط المستقبلية لكل قطاع. وفي داخل القطاعات ليس للمسؤولين سوى الرقابة مع الثقة بدلا من الرقابة القائمة على الصلاحيات, ويهتمون بمتابعة حاضر العمل أكثر من مراقبة ماضيه, ويقرنون رقابة المدخلات برقابة النتائج والمخرجات, سعيا منهم في بناء أساس متين لمستقبل العمل والعاملين. عندها قد نتحرك على مستوى الأجهزة الخدمية وغير الخدمية كافة, العامة والخاصة أيضا, بشكل متجانس ومتكامل ومتفاعلين إيجابا مع برنامج الحكومة الإلكترونية بشكل أفضل. قد نمر بفترة مقاومة وقد تكون شرسة, ولكن بالتغيير التدريجي وإدخال التغييرات الجزئية ستُحفظ مصالح العاملين في كل المستويات, وسنتمكن من استكمالنا للمشروع لتحقيق إنتاجية تنموية أفضل. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي