الفيدرالية العراقية والصناعة النفطية: صراع المركز والأطراف
اقتطعت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليسا رايس جزءا من وقتها إبان زيارتها الأخيرة في الصيف الماضي لإقليم كردستان، للحديث مع مسعود برزاني حول الحاجة إلى تقاسم النفط بين السلطة الكردية والحكومة القومية في بغداد.
ويبدو أن جهودها لم تلق استماعا، ففي أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي، أجاز البرلمان مشروع قانون آليات وإجراءات تشكيل الأقاليم، الذي صوت لصالحه 138 من أصل 275 نائبا. ومع أن غالبية الشيعة والأكراد يؤيدون القانون واستخدموا كتلهم النيابية (128 للشيعة و52 للأكراد لدعمه من خلال التصويت على المواد المائتين مادة مادة)، إلا أنه من الخطأ اعتبار السنة هم المعارضون الوحيدون للقانون، الذي يعارضه أيضا التيار الصدري، وهو شيعي إلى جانب بعض الشيعة والأكراد المعارضين للوجود الأمريكي بصورة عامة، كما أنهم يرون في القانون خطوة على طريق تقسيم العراق، بل حتى الأمم المتحدة اقترحت تأجيل النظر في القانون لفترة عام حتى تستقر الأمور.
القانون لن يصبح ساري المفعول قبل 18 شهرا، كما سيتم تكوين آلية للنظر في تعديل الدستور، وكان هذا هو المقابل الذي حصلت عليه الكتلة السنية لعدم معارضة الفيدرالية.
قضية إدارة الثروة النفطية أصبحت معضلة جديدة تواجه العراق، إلى جانب المتاعب الأمنية واحتمالات اندلاع الحرب الطائفية. وعندما وضعت مسودة الدستور الحالي كان هناك بعض المواد التي تحمل بذور الخلاف وربما تدفع البلاد في اتجاه التفتت تحت ضغوط عدم الأمن واتساع دائرة النعرة العنصرية، وهو ما دفع إلى التهديد بالمقاطعة من قبل بعض الجماعات السنية للتصويت على تلك المسودة في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي.
على أن الولايات المتحدة تدخلت بقوة حتى تم إدخال المادة 142 التي تفسح المجال أمام تعديل الدستور وتكوين لجنة برلمانية خلال فترة أربعة أشهر من تشكيل البرلمان الجديد للنظر في أمر التعديل. لكن مضت ثمانية أشهر في واقع الأمر ولم يحدث شيء، فالجدال لا يزال قائما حول التعريفات وما الذي تعنيه عبارات مثل بداية عمل البرلمان.
أسهم هذا الوضع في تطورين بهدف تأسيس قوانين خلافية قبل إجراء تعديلات في الدستور. الأول يعود إلى إصرار الحكومة الكردية الإقليمية على الملكية الكاملة والسيطرة على الثروة النفطية في الإقليم وفي كل مجالات العمليات الأمامية والنهائية، وذلك وفقا لفهم الحكومة الإقليمية لمواد الدستور خصوصا المادة (111) التي تتحدث عن أن النفط والغاز ملك لكل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات. وبالنسبة للحكومة فإنها ومن واقع سيطرتها على الإقليم ترى في نفسها الأهلية كي تكون الجهة المسؤولة عن إدارة هذه الثروة.
عملية طرح مسودة قانون نفطي للإقليم الكردي جاءت بمثابة مفاجأة للحكومة المركزية، التي تعد من جانبها لإصدار قانون قومي للثروة النفطية، وتقوم بهذه المهمة لجنة يترأسها نائب رئيس الوزراء برهم صالح وهو من القيادات الكردية. ولم يعد واضحا مصير هذه اللجنة والعمل الذي تقوم به وكان يفترض أن ينتهي قبل نهاية هذا العام.
على أن الحكومة الإقليمية استبقت الوضع بالحديث عن أن القانون الذي أصدرته سيطبق على المناطق المتنازع عليها، مثل كركوك والموصل المنتجة حاليا للنفط، إلى جانب المناطق الأخرى التي سيتم تطويرها، كما يؤكد أن أي قانون فيدرالي لن يتم الاعتداد به ما لم يتم الحصول على موافقة صريحة من الحكومة الإقليمية.
وكان الوزير الفيدرالي للنفط الدكتور حسين شهرستاني قد أعلن أن هناك جهة واحدة لها السيطرة القانونية على الثروة النفطية، هي الحكومة المركزية. وصرح فيما بعد وإبان حضوره مؤتمر منظمة الأقطار المصدرة للنفط الاستثنائي في أيلول (سبتمبر) الماضي، أنه سيصار إلى تشكيل لجنة برلمانية من مختلف أنواع الطيف السياسي للتوصل إلى اتفاق حول المواد المختلف عليها، مضيفا أن 90 في المائة من مواد القانون المقترح والمطروح أمام البرلمان تم الاتفاق عليها.
على أن الحكومة الكردية مستمرة في إبرام العقود مع الشركات الأجنبية مثلما حدث مع الشركة النرويجية "دي. إن. أو"، "جنتل" التركية، و"ويسترن أويل" الكندية وغيرها. والاتفاقات المعقودة تسير على نسق اتفاقيات قسمة الإنتاج التي تستمر لفترة خمس سنوات يمكن تمديدها إلى سبع، أما عمليات التطوير والاكتشاف فوضع نطاق زمني يستمر لفترة 25 عاما. ويعطي القانون الحق للوزارة الإقليمية في الدخول في تعاقدات في مجال الخدمات، وإدارة الحقول وإعطائها الحق في ذلك دون الرجوع إلى بغداد. ويغطي القانون مناطق: السليمانية، دهوك، أربيل، وإقليم كركوك، وهي المناطق المشبعة بالثروة النفطية.
البداية كانت مع الشركة النرويجية "دي. إن. أو" في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، التي بدأت الحفر قرب زاخو، واعتبر رئيس وزراء الإقليم نشيرفان البرزاني في الاحتفال الذي أقيم بهذه المناسبة، أن الوقت قد جاء كي يستفيد أهل كردستان من الموارد الطبيعية التي تذخر بها منطقتهم، وعلى رأسها النفط، ومجددا وعده ألا تسيطر الحكومة المركزية على موارد الإقليم مجددا.
ويرى الأكراد أن المرافق النفطية القديمة في كركوك وخانقين مثلا يمكن قسمتها مع الحكومة المركزية، أما تلك المقامة حديثا والاكتشافات التي ستتم فتكون تحت سيطرة الحكومة الإقليمية.
والقانون بهذه الصورة يعتبر خرقا للاتفاق بين الحكومة المركزية والأحزاب الكردية، الذي يقول بسيادة القانون الفيدرالي قبل الاستفتاء حول وضعية كركوك، ولو أن ذلك الدستور يضع كركوك ضمن الإطار العراقي العام ولا يعطي المسؤولين الأكراد سلطات قوية ومباشرة فيما يتعلق بإدارة مواردهم الطبيعية.