رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


تناقضات اقتصادية تشوش على تفاؤلنا!!!

سوف أحاول اليوم طرح عدد من الملاحظات كنقاط فقط والتي يجمع بينها مشترك واحد، هو أنها تمثل تناقضات اقتصادية ممزوجة بخلل واضح، وفي بعض الحالات نجد تخبطا مختلطا بفساد داخلي وبيروقراطية يحيط ببعض تلك التناقضات. ويجب أن نقول إن كل تلك التناقضات كان يمكن أن تكون مقبولة قبل عقود بحكم حداثة التجربة الاقتصادية والتجربة البشرية لدينا، ولكنها يجب ألا تكون مقبولة في عصر أصبحت الحدود الاقتصادية في شفافة لدرجة أنها سوف لن ترى في الزمن القريب وسوف يكون جزءا من تنظيم الأمور الاقتصادية خارج "أيدينا" من خلال طاولة المفاوضات والالتزامات الدولية بسبب التوجهات الاقتصادية الحديثة. كما أن تلك الصور تشوش بصورة واضحة على التفاؤل الذي نشعر به في السنوات الأخيرة والتحولات التي يشهدها اقتصاد المملكة من خلال القرارات الحكومية الطموحة ونحن بطبيعة الحال نسعى لأن نصبح أمثولة عربية إسلامية في التطوير والتحديث.
وهنا نطرح عددا من التناقضات الاقتصادية وليس كلها، حيث يحتاج الأمر إلى دراسة وليس مقالا:
1. أن يكون لدينا سيولة عالية جداً ومستمرة في النمو منذ 2003 ويتوقع لها المزيد من الارتفاعات فهذا أمر محمود، ولكن أن لا يكون لدينا قنوات استثمارية نستطيع أن ننمي تلك السيولة ونوظفها بما يخدم الاقتصاد السعودي حاليا ويبني مدخرات لأجيالنا، فهذه مشكلة كبيرة. ولا بد من أن هناك من هو مسئول عنها، وقد أصبحت لدى الكثير من الزملاء غير السعوديين من النكات التي يوردونها لنا نحن أبناء البلد المهتمين بالشأن الاقتصادي لا داعي لذكرها.
2. أن يكون لدينا فرق تسويق من المختصين يجيبون بلاد الله في رحلات سياحية مغطاة التكاليف، ويذكرون أرقاما فلكية لرجال الأعمال الغربيين وغيرهم بهدف استقطاب رؤوس أموال للاستثمار في المملكة، والمواطن المسكين لا يعرف أين يضع مدخراته القليلة، وسوقه فيها ما فيها من الأمراض والعلل التي أعيت من يداويها. فهذا يؤكد تناقضاتنا الاقتصادية الحالكة. ويؤكد أن الاقتصاد يتبع السياسة لدينا وليس العكس كما يفترض. وأيضا أن نعرف نحن تلك الفرص من رجال أعمال وصحافيي تلك البلدان الغربية فهذه تناقض آخر لا يقل مرارة عن التناقض الأساس.
3. أن يكون لدينا أعداد من الأفراد الذين يعملون في مؤسسات خاصة وعامة تم استقطابهم للعمل في المملكة، فهو أمر كان لا بد منه في فترات معينة من عمر التنمية في المملكة، وأن يكلف ذلك الاستقطاب مليارات (نحو 100 مليار على مستوى الخليج حسب دراسة خليجية منشورة) فهذا أمر كان لا بد منه في زمن معين، ولكن بعد أكثر من خمسين سنة على فتح الباب، وما نزال نستقطب كل الأجناس، حتى يتعلموا ويجربوا بنا وعلينا سواء في الشارع أو في المستشفي أو في المصنع، فهذا هو التناقض الغريب. إذا ما كنا مستقدمين في كل الحالات فلماذا لا يتم استقدام أيد مدربة ومؤهلة تأهيلا كاملا نستطيع الاستفادة منها بشكل جيد وتدريب أبنائنا معهم على رأس العمل؟ لماذا يتعلم السائقون القيادة على جثث أبنائنا وبناتنا؟ ويتعلم بعض الأطباء الجراحة في أجسام أحبائنا، ويا ليتهم أطباء حقيقيون؟ ومع ذلك يحارب رجال الأعمال بكل الأسلحة محاولات السعودة رغم أنها تتم بحب الأيادي والأكتاف حتى يقبلها رجال أعمالنا الأعزاء.
4. أن يكون لدينا فساد فهو أمر موجود في كل دول العالم ولم أسمع بلدا لا يوجد فيه فساد، فحتى تقارير منظمة الشفافية العالمية، تتحدث عن الدول الأقل فسادا والأكثر فساد والدول التي تقع بين الطرفين ولم تتحدث عن دولة أفلاطون. ولكن السؤال المنطقي إذن أين نحن بين تلك الدول الموجود فيها الفساد (في القمة أم القاع)؟ هل تصدقون أننا من الدول النادرة التي لم تستطع بعض المنظمات الدولية تصنيفنا، حيث لم تفهم طبيعة الفساد لدينا وكيف يتم! ولكن إذا عرف السبب بطل العجب. إن لدينا فساداً في الأدوات التي يفترض أنها تعالج الفساد، فهذه هي العلة التي لا علاج لها.
5. أن يكون لدينا بطالة شبابية في معظم التخصصات وبالذات التخصصات المالية رغم أن العديد من المسئولين يقولون عنها إنها بطالة اختيارية (فنطزة) فهو أمر قد يكون مفهوماً، وهي قد تكون كذلك في بعض الحالات. ولكن أن يكون لدينا تحد كبير أمام الجهات الحكومية المهتمة بالقطاع المالي تنظيما وتطويرا وتحديثا وتوسيعا، وفي نفس الوقت نشاهد نسبة عالية من الاستقالات، التي في معظمها تكون نتيجة عدم الرضا عن السياسات الإدارية والمالية لتلك الجهات فهذا أمر يجب إعادة النظر فيه. كما أن مكافأة موظفي الجهات الحكومية المالية ذات الأهمية والحساسة قليلة في حين أنها تشرف على قطاعات مالية تدفع الكثير لمسئوليها وموظفيها يعادل في أسوأ الحالات ضعفي راتب أحد موظفي الجهات الحكومية الإشرافية تلك، فهذا باب للحسرة، وبالتالي ضعف الإنتاجية، أو باب للفساد، وبالتالي النتيجة معروفة.
6. أن يكون لدينا بطالة متفشية واضحة وفي نفس الوقت المؤسسات والشركات في القطاع المالي على وجه التحديد تشكو من عدم وجود الكفاءات البشرية الوطنية لشغل العديد من الوظائف سواء منها المتخصصة أو الأعمال العامة فهذه قمة التناقض وعدم التنسيق والضياع العام والخاص. وقد جاء موضوع الابتعاث وفتح جامعات جديدة ولكنه تأخر كثيراً، وبالتالي سوف نضطر إلى فتح باب الاستقدام على مصراعيه لسد تلك الفجوة. أين التخطيط؟
7. أن يكون لدينا غرف تجارية في جميع المناطق فهذا أمر مرحب به بل يجب أن يكون، ولكن أن تعمل تلك الغرف لصالح تجار معينين طول مدة عملهم في مجالس إدارات تلك الغرف، فهو الأمر الذي سبب فجوة بين قرارات الدولة في الإصلاح الاقتصادي وتطبيق تلك القرارات، التي هي لم تكن وليدة اليوم وكلنها أخذت سنوات من الإعداد لها والترتيب والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة. شخصنة الغرف التجارية، حتى إنه وفي بعض الحالات تجد أن كثيرا من أسماء الموظفين في تلك الغرف تنحدر من أسماء المسؤولين عن مجالس الغرف أو أقربائهم، وهو أمر ليس بدعة فهو الحال في كل الزوايا.
8. أن يكون لدينا نحو واحد وثمانون (81) شركة مساهمة في السوق يتم تداول أسهمها (عفوا أقصد جزءا بسيطا من أسهمها) فهو أمر جيد لسوق بلغت في لحظة جنون قيمتها أكثر من ثلاثة تريليونات ريال (ثلاثة أضعاف الناتج المحلي للمملكة)، ولكن أن يكون لدينا أكثر من 400 شركة مساهمة مغلقة. فإن أسئلة كثيرة تثار هنا وهناك ومنها لماذا هي مغلقة؟ ولماذا لا يتم العمل على فتح أبوابها لمعرفة ما يدور بداخلها؟ ولماذا لا يشُجع الجيد منها للدخول كشركة مساهمة مفتوحة وبالذات الكبيرة منها، والتي تشكل مفصلا مهما في الاقتصاد السعودي؟ في حين أن هناك شركات زادت رأسمالها من ثلاثة ملايين إلى 300 مليون في شهر طرحت للاكتتاب وبعلاوة إصدار لتكون صالحة للطرح لأن النظام لا يجيز أن يكون رأس المال أقل من 100 مليون ريال، بينما شركات قائمة رأسمالها بالمليارات لا أحد يرغب في طرحها.
9. أن يكون لدينا اكتتابات وشركات مرخصة حسب الأنظمة والقوانين السعودية والتي هي تتوافق في الأصل مع دستور البلاد ولا يفترض أن يكون هناك تناقض، وإن كان هناك فيفترض أن يعلن، ولكن أن يتم نشر فتاوى في الإعلام المحلي تحرم هذا الاكتتاب وتجيز ذلك الاكتتاب على أسس تختلف من شيخ إلى آخر ومن فكر إلى آخر فهذه ثالثة الأثافي!!! ما هو دور المؤسسة الدينية الرسمية لدينا؟ ولماذا لم تتدخل بتوضيح يحل هذا الإشكال كما تدخلت في مواضيع أخري سياسية واجتماعية وثقافية كثيرة! وهل هي راضية عن هذا؟ آمل أن لا تكون المسألة خاضعة لأمزجة أشخاص وأفراد!!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي