* "الزائر الدولي " يعرف المشاركين بأمريكا والالتقاء بالنظراء المهنيين
أكد الدكتور يوسف بن أحمد القاسم الأستاذ المساعد في المعهد العالي للقضاء في الرياض عضو الوفد السعودي المشارك في برنامج الزائر الدولي الذي ينظمه المكتب الثقافي في وزارة الخارجية الأمريكية, أن الزيارة شهدت مناقشة العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك. وقال لـ "الاقتصادية" إنه من الطبيعي أن يحدث الاختلاف في الرؤى بين الجانبين, وهذا أمر يقع بين أصحاب الديانة الواحدة, فضلاً عن أصحاب الديانات والثقافات المختلفة، وأوضح أن انطباعاتنا كوفد عن هذه الزيارة كانت جيدة, ووفق المتوقع, حيث اطلعنا من كثب على معالم الحياة والطبيعة في هذه البلاد، وما تنعم به من تقدم علمي وتقني, وما ترفل به من حضارة عمرانية كبيرة. وطالب الدكتور القاسم بمراعاة الدقة في ترشيح الأعضاء المشاركين في برنامج الزائر الدولي, وأن يكون اختيارهم بمعايير معينة, بحيث يتحقق بينهم التكامل العلمي والثقافي بأنواعه، وتطرق إلى عدة أمور أخرى, وفيما يلي نص الحوار:
سمعنا بمشاركتكم في برنامج "الزائر الدولي", فهل يمكن أن تعطينا لمحة يسيرة عن طبيعة هذا البرنامج, وعن الوفد المشارك فيه؟
نعم, هذا البرنامج ينظمه المكتب الثقافي في وزارة الخارجية الأمريكية, ويدعى له سنوياً نحو 4500 زائر دولي حسب إحصائية إحدى نشراتهم الرسمية, حيث يأتي الزوار إلى الولايات المتحدة لمدة 21 يوماً, يقومون خلالها بزيارة عدد من المدن والولايات الأمريكية, وكثيراً ما يخص بالدعوة لهذا البرنامج الشخصيات المؤثرة والفاعلة في المجتمع, من علماء, ومثقفين, ومفكرين, وصحافيين .. إلخ, والهدف (المعلن) لهذا البرنامج هو التعرف على الولايات المتحدة, والالتقاء بالنظراء المهنيين من أجل مزيد من التفاهم والحوار البناء. ورشحت من قبل جامعة الإمام للمشاركة في هذا البرنامج مع مجموعة من أصحاب الفضيلة, وهم: الدكتور عبد الرحيم الهاشم أستاذ الفقه المشارك في كلية الشريعة في الأحساء, الدكتور عبد الرحمن الجريوي أستاذ الثقافة الإسلامية المساعد في كلية الشريعة في الرياض, الدكتور صلاح المبارك أستاذ الفقه المساعد في كلية الشريعة في الأحساء, الدكتور عبد الكريم الصايغ أستاذ السياسة الشرعية المساعد في المعهد العالي للقضاء, والدكتور ناصر الودعاني أستاذ أصول الفقه المساعد في كلية الشريعة في الأحساء .
ما انطباعاتكم عن هذه الزيارة, وهل كانت وفق المتوقع؟
انطباعاتنا عن هذه الزيارة كانت جيدة, ووفق المتوقع, حيث اطلعنا من كثب على معالم الحياة والطبيعة في هذه البلاد, وما تنعم به من تقدم علمي وتقني, وما ترفل به من حضارة عمرانية كبيرة, إلا أننا فوجئنا بالعديد من الظواهر السلبية التي تكدر صفو هذه الحضارة وهذا الرقي, ومن أبرزها على سبيل المثال لا الحصر, ما تشهده هذه البلاد من ضعف في الروابط الأسرية, ومن تفكك اجتماعي خطير, ينذر بكارثة إنسانية, ويكفي أن نؤكد ذلك بما ذكره الأستاذ aukram burton , وهو أحد ممثلي التعليم العام في ولاية كنتاكي, حيث ذكر أنه يوجد في هذه الولاية وحدها خمسة آلاف طالب مشرد, وأن 52 في المائة من الطلاب القاطنين في هذه الولاية يعيشون مع والد واحد (أب أو أم), ونظن أن هذه الإحصائية الصادرة من رجل مسؤول في التعليم كافية في تصوير جانب من هذه الظاهرة الخطيرة .
هل يمكن تسليط الضوء على أبرز إيجابيات هذه الزيارة؟
نعم, أبرز إيجابيات هذه الزيارة – إضافة إلى ما تقدم – أن الوفد الزائر قد تسنى له في هذا البرنامج زيارة العديد من الصروح الأكاديمية والتعليمية, والتعرف على عدد من المراكز الدينية, الإسلامية منها وغير الإسلامية, والالتقاء ببعض النخب الدينية والثقافية من شتى الثقافات والديانات المختلفة, كما انعقدت الحوارات, ووقعت المناقشات الهادئة حول العديد من الموضوعات ذات العلاقة, وقد أسهم في تعزيز هذه الحوارات المصارحة والمكاشفة في جميع اللقاءات التي تمت بين الجانبين, مما أضفى على هذا البرنامج طابع الجدية, والسخونة أيضاً.
هل كان من فقرات البرنامج زيارة الجالية اليهودية؟
نعم، حيث كان من فقراته زيارة مدارس التعليم اليهودية، وحيث كان اللقاء موثقا بالصوت والصورة، لذا رأينا ضرورة التنبيه ـ في حينه ـ بأن هذه الزيارة هي في سياق الحوار الديني والثقافي، وليست في أي سياق آخر، كما انتقدنا ممارسات سياسة الاحتلال اليهودي ضد إخواننا في فلسطين، وكان هناك حوار ساخن ـ أيضا ـ حول بعض الموضوعات ذات العلاقة.
هل تعني أن هناك خلافاً في الرأي بينكم وبينهم؟
لا ريب أنه وقع خلاف في الرأي في كثير من القضايا المطروحة للنقاش, فالاختلاف يقع بين أصحاب الديانة الواحدة, فضلاً عن أصحاب الديانات والثقافات المختلفة, بل إنه كثيراً ما يكون محل تقدير واحترام الآخر, ولاسيما إذا كان الباعث عليه الثبات على القيم والمبادئ, كما لمسنا ذلك في مناسبات عديدة, ولهذا كان اختلاف الرأي صورة إيجابية, وليست سلبية, فمثلاً ظهر لنا من خلال بعض فقرات البرنامج أن هناك دعوة جادة إلى فكرة وحدة الأديان, حيث قمنا بزيارة إلى بعض المنظمات التي تعنى بتكريس هذا المفهوم, وقد بينا بوضوح أن الإسلام لا يقبل هذه الفكرة, بل إنها مثار جدل كبير بين طوائف النصارى بعضهم مع بعض, فضلاً عن غيرهم, ولهذا ينبغي أن يكون الهدف المشترك, هو الدعوة إلى التعايش السلمي بين جميع الثقافات المختلفة.
ما أهم رسالة قمتم بإيصالها إلى المثقف الأمريكي؟
أهم رسالة, هي: إن الإسلام دين عظيم, يهدي للتي هي أقوم في شتى مجالات الحياة, في مجال الفرد والأسرة والمجتمع, وفي مجال العلم والثقافة, وفي مجال الحكم والسياسة, وأنه رحمة لكل الأمم والشعوب, يأمر بالعدل والإحسان, وينهى عن الفحشاء والمنكر؛ كي تنعم المجتمعات بالخير والأمن والسعادة والحياة الهانئة, ورسالة أخرى وهي أنه يجب على الولايات المتحدة - بما أنها تؤمن بمبدأ الحرية والديمقراطية - أن تحترم إرادة الشعوب في تقرير مصيرها, بعيداً عن مواقف الإقصاء, وازدواجية المعايير, التي يجسدها كثير من مواقفها الرسمية, ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط, وذلك لتمرير بعض الأجندة السياسية والثقافية وغيرها على دول المنطقة, مما استدعى انتقادها من جميع عقلاء العالم, بدءا بقضية فلسطين, ومروراً بسياسة الاحتلال للشعوب المستضعفة, كما في العراق, وانتهاء بممارسات الظلم ومصادرة الحريات كما في معتقل جوانتنامو سيئ الصيت, وكما في محاكماتها غير العادلة في قضية الحصين, والتركي.
إذاً كانت قضية حميدان التركي حاضرة في بعض لقاءاتكم؟
نعم كانت حاضرة, وطرحنا هذا الموضوع على رئيس قضاة الاستئناف في ساندييغو, واستنكرنا هذه الممارسات القضائية الغريبة في بلد القانون, كما يقال!
وماذا كان جوابه ؟
أجاب بأنه لا يعلم شيئاً عن هذه القضية!
هل قمتم بزيارة بعض العائلات الأمريكية؟
نعم, حيث كانت الزيارات من فقرات البرنامج, وقد كانت فكرة حسنة, ولكن عكر هذا أن اختيار العائلة لم يكن وليد الصدفة, بحيث تلتقي النفوس والمشاعر على طبيعتها وسجيتها, وإنما تم تحديد العائلة بعناية, وكأنها تريد أن توجه رسالة مسبقة ومحددة, وهذا ما أفقد الزيارة قيمتها وبريقها.
هل كانت في هذا البرنامج جوانب سلبية أخرى؟
نعم, ولا مانع من تسليط الضوء على بعض الجوانب السلبية, التي يمكن تلخيص أبرزها في النقاط التالية:
أولاً: إن هذا البرنامج اشتمل على بعض الأجندة التي لا تتفق مع قيم أعضاء الوفد الزائر ومبادئهم, مما اضطر أعضاء الوفد إلى إلغاء بعض فقرات البرنامج, وبأسلوب حضاري.
ثانياً: تركيز البرنامج على زيارة جهات معينة, واختيار شخصيات محددة, ذات توجهات متشابهة, وطرح مشترك, مما أعطى انطباعاً للزائر لا يدع مجالاً للشك بأن هذا البرنامج لا يهدف إلى التعريف بالتعليم الديني في الولايات المتحدة, وتعزيز التفاهم المشترك مع نظرائنا المهنيين.
ثالثاً: كما أننا كنا نرغب أن يفسح المجال لأعضاء الوفد ليلتقي ببعض أطياف المجتمع, ولاسيما الطلاب الجامعيين؛ وذلك لتوضيح الصورة الحقيقية عن الإسلام, التي أسهم في تشويهها بعض وسائل الإعلام.
وسائل الإعلام – كما ذكرتم – كان لها دور في تشويه الصورة الصحيحة للإسلام, ما دور الجامعة وعلمائها قبل وبعد أحداث أيلول (سبتمبر) في تصحيح هذه الصورة, ولاسيما في أمريكا؟
بالنسبة إلى دور الجامعة في توصيل الصورة الصحيحة عن الإسلام قبل الأحداث, فإن الجامعة قامت بدور كبير داخل المملكة وخارجها, حيث اضطلعت بتعليم الطلاب – السعوديين وغيرهم – ما يحتاجون إليه من علوم شرعية, وعربية, وعلى المنهج الإسلامي المعتدل, كما قامت بإرسال الدعاة وطلبة العلم إلى العديد من المراكز الدينية والتعليمية خارج السعودية, وذلك لتقديم الدورات الشرعية, وعقد الندوات العلمية, بل كان لها صروح تعليمية في عدد من بقاع العالم, منها المعهد التعليمي في واشنطن.
أما بعد الأحداث الشهيرة, فلا شك أن الجامعة قد واجهها الكثير من العقبات بسبب الظروف السياسية الدولية الناتجة عن الأحداث, إلا أننا نرجو أن تواصل الجامعة المشوار الذي عهد منها خلال العقود الماضية. وقامت الجامعة مشكورة بتنظيم مؤتمر عالمي في حرم الجامعة, عرفت فيه أطيافاً عديدة من مثقفي العالم بأن الإسلام دين الرحمة, وأن الإرهاب – الذي هو العنف وسفك الدماء البريئة – ليس له دين.
هل لديك رسالة معينة تريد إيصالها إلى منظمي هذا البرنامج؟
نعم لدي رسالة, أو رسائل, ألخصها في الآتي:
1- إنه ينبغي على منظمي البرنامج مراعاة الخلفية الدينية والثقافية للوفد الزائر, بحيث لا تشتمل فقرات البرنامج على بعض الأجندة التي لا تتفق مع قيم أعضاء الوفد ومبادئهم؛ احتراماً لقيم الآخر, وحرصاً على إنجاح البرنامج؛ لئلا تتعرض بعض فقراته للإلغاء.
2- من الأهمية بمكان الإفصاح بدقة عن الهدف من هذا البرنامج, حرصاً على الشفافية, وبعداً عن الغموض والضبابية.
كما أتوجه للجهات المسؤولة في المملكة العربية السعودية, التي تقوم بترشيح المشاركين في هذا البرنامج, أتوجه لهم بالمقترحات الآتية:
1- مراعاة الدقة في ترشيح الأعضاء المشاركين في برنامج "الزائر الدولي", وأن يكون اختيارهم بمعايير معينة, بحيث يتحقق بينهم التكامل العلمي والثقافي بأنواعه, مع أهمية كون المرشحين على جانب من الحكمة, وعلى قدر من الثبات والمسؤولية.
2- ضرورة تعريف المرشح – قبيل السفر - بالبرنامج, وأهدافه, وأبعاده.
3- كما أقترح - أيضاً- أن ينظم من قبل الجهات المسؤولة برنامج مماثل للزائر الأجنبي, بحيث يعرف فيه الوفد الزائر بالعديد من الجوانب الإيجابيـة التي تشهدها المملكة العربية السعودية على كل الأصعدة.
هل هناك كلمة أخيرة تريد إيصالها عبر هذه الجريدة بمناسبة عودتكم من هذه الزيارة؟
* نعم, وهي أن نذكر نعمة الله التي أنعم بها علينا في هذا البلد, وأن نشكرها ونحافظ عليها, وأن نعي جيداً ما ذا يراد لنا, وأن نعد للسؤال جواباً, وأن نستحضر الرسالة الإسلامية السامية التي ينبغي أن نحملها عبر مشاركتنا في هذا البرنامج, وشكراً لكم, ولجريدة "الاقتصادية" على إتاحة هذه الفرصة.