ليست هناك حاجة إلى عملة خليجية موحدة
<a href="mailto:[email protected]">amsultan@hotmail.com</a>
الأزمة التي أثيرت الأسبوع الماضي نتيجة وضع شروط جديدة على دخول التمور السعودية إلى الإمارات, دليل واضح على أن دول المجلس تجد صعوبة في استكمال متطلبات أبسط أشكال التعاون الاقتصادي وهو إنشاء منطقة تجارة حرة، ناهيك عن الوفاء بمتطلبات قيام اتحاد جمركي أو سوق مشتركة, ما يجعل الحديث عن قيام وحدة نقدية خليجية في أوائل عام 2010 يحمل الكثير من الأحلام ويفتقر إلى الحد الأدنى من الواقعية. فالتحديات التي تواجه خطوة من هذا النوع هائلة لا يمكن حتى مقارنتها بالمتطلبات المتواضعة لإقامة اتحاد جمركي التي عجزنا عن استكمالها بشكل مقبول. فبموجب الوحدة النقدية ستتخلى دول المجلس عن سلطاتها النقدية لسلطة مركزية، وستكون مضطرة للالتزام بمعايير في غاية التعقيد، وهي أعلى أشكال التكامل الاقتصادي التي يمكن تصور قيامها بين مجموعة دول مستقلة دون الاندماج السياسي التام.
وإذا أخذنا في الاعتبار التأخر الشديد وغير المبرر في إنجاز خطوة سهلة كإقامة اتحاد جمركي بين دول المجلس، حيث لا تزال دون استكمال حقيقي رغم ما يزيد على ربع قرن على قيام مجلس التعاون، مع أن تكلفتها الاقتصادية على الدول الأعضاء محدودة لا يمكن مقارنتها بتكلفة قيام وحدة نقدية، فليس علينا إلا أن نتخيل كم من الوقت سنحتاج إلى تحقيق تلك الوحدة. وبشكل عام يمكن إيجاز أهم أسباب عدم إمكانية قيام وحدة نقدية بين دول مجلس التعاون الخليجي بالتالي:
1- إن محاكاة تجربة الاتحاد الأوروبي المتمثلة في تتويج عملية التكامل الاقتصادي بوحدة نقدية هي محاكاة في غير محلها. فعملات العديد من الدول الأوروبية كالمارك الألماني والفرنك الفرنسي كانت عملات عالمية رئيسية لا يمكن تصور إخضاعها لمثبت مشترك يضمن ثبات سعر صرفها بينيا من خلال ربطها بعملة أخرى كالدولار الأمريكي مثلا، والسبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو إقامة وحدة نقدية كاملة بإصدار عملة أوروبية موحدة. دول المجلس، في المقابل، وضعها مختلف تماما، فهي دول صغيرة عملاتها مثبتة أمام الدولار، ما يجعل مجرد الاتفاق على مثبت مشترك لعملاتها أكثر من كاف لتثبيت سعر صرفها البيني وتحقيق جل إن لم يكن كل المكاسب التي يؤمل تحقيقها من قيام وحدة نقدية كاملة، ستضطر دول المجلس بسببها، دون مبرر أو فائدة تذكر، إلى الالتزام بقيود ومعايير صارمة يستحيل عمليا الوفاء بها.
2- إن معايير الوحدة النقدية المتبناة من قبل دول المجلس نقل حرفي لمعايير الوحدة النقدية الأوروبية، لا تتناسب مطلقا مع واقع وظروف اقتصادات دول مجلس التعاون. فالتذبذبات الحادة التي تتعرض لها الاقتصادات الخليجية تبعا للتقلبات التي تحدث في أسواق النفط العالمية تجعل من غير الممكن الالتزام بمعايير تحدد نسبا قصوى لعجز الميزانية والدين العام إلى الناتج المحلي أو حتى معدلات الفائدة والتضخم في حال تراجع أسعار النفط الخام، وهو ما يرفع من التكلفة الاقتصادية للوحدة النقدية ويعرض استقرار أي عملة خليجية موحدة لخطر كبير مستقبلا.
3- إن الحديث عن أن العملة الموحدة ستكون مرتبطة بالدولار فترة من الوقت ثم يتم تعويمها حديث غير واقعي، لا يراعي الضغوط المتباينة التي تتعرض لها عملات دول الخليج تبعا للتغيرات التي تحدث في إيراداتها النفطية. تعويم العملة الخليجية في مثل هذه الظروف سيجعل سعر صرفها عرضة لتقلبات عنيفة، تؤثر بحدة في استقرار النشاط الاقتصادي في دول المجلس، ما يجعل من الضروري استمرار ربطها بعملة أو سلة من العملات دون وجود أي إمكانية لتعويمها.
4- إن الصعوبات الكبيرة وغير المبررة التي واجهت إقرار دول المجلس خطوات تعتبر هامشية وسهلة كإقامة منطقة تجارة حرة واتحاد جمركي بين دول المجلس آثارها محدودة في اقتصادات دول المجلس، نظرا لتدني حجم تبادلها التجاري البيني وتماثل قواعدها الإنتاجية، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك في أن دول المجلس يستحيل أن تقدم على اتخاذ خطوة جريئة كهذه بالغة التأثير والأهمية ومع ذلك غير ذات جدوى، تلغي بموجبها عملاتها المحلية وتتنازل عن قدر كبير عن سيادتها الوطنية وقدرتها على صياغة سياساتها الاقتصادية.
5- إن إقدام بعض دول المجلس على توقيع اتفاقيات تجارة ثنائية منفردة مع دول أخرى في مخالفة صريحة واضحة لكونها عضوة في اتحاد جمركي، يؤكد أنها تجد صعوبة في التنازل عن سيادتها الوطنية في أمر يحمل مكاسب اقتصادية هائلة، باعتبار أن التفاوض بصورة جماعية مع دول العالم والمجموعات الاقتصادية الأخرى بشأن توقيع اتفاقيات تجارة حرة ثنائية يسهم في تقوية الموقف التفاوضي ويمكّن من الوصول إلى اتفاقيات أفضل بكثير من أي اتفاقية يمكن أن تصل إليها دولة عضو بصورة منفردة. ما يؤكد استحالة إقدام دول المجلس على التنازل عن عملاتها الوطنية وتسليم قرارات سياساتها النقدية لسلطة خليجية موحدة، والالتزام بمعايير مقيدة سيكون الالتزام بها في غاية الصعوبة في حال تغير الظروف الاقتصادية.
في ضوء كل ذلك فإن هناك حاجة إلى إعادة النظر في مشروع إقامة وحدة نقدية خليجية والاكتفاء بمثبت مشترك كونه يحقق معظم, إن لم يكن كل, المكاسب المرجوة من وحدة نقدية، الوصول إليها سيكون في غاية الصعوبة، وتأجيل إقرارها مرة تلو أخرى سيعرض الاستقرار الاقتصادي والبيئة الاستثمارية في دول المجلس إلى خطر كبير. فعدم وضوح الرؤية حول قيام عملة موحدة أثره أكبر بكثير من تأثير تأجيل قيام اتحاد جمركي أو حتى سوق مشتركة، ويحد من قدرة السلطات النقدية في دول المجلس على إجراء إصلاحات قد تكون مطلوبة بإلحاح وضرورية، يتم تأجيلها تحسبا لقيام وحدة نقدية، ما ينعكس سلبا على أداء السياسات الاقتصادية في دول المجلس.