هل نحن في حاجة إلى إعادة هندسة المجتمع؟
<a href="mailto:[email protected]">fah_arab@yahoo.co.uk</a>
أن نكون مجتمعا متعدد النشأة والأهداف ومختلف الميول والعادات والثقافات فهو أمر مقبول, وذلك لترامي أطراف هذا الوطن الكبير, واختلاف بيئة كل منطقة فيه اجتماعيا أو جغرافيا, الأمر الذي يجعلنا نعتبرها مجموعة إيجابيات لا سلبيات إذا ما قيست من ناحية مردودها الفكري على الاصعدة كافة. والساعي إلى مزيد من المعلومات في هذا الصدد سيجد في المكتبات العامة والوطنية والجامعية مصادر كثيرة جدا عن مجتمع المملكة وثقافته. لكن أن يكون هناك قواسم مشتركة من السلبيات فهذا مدعاة للتساؤل عن أسباب تبني مالا نحبذه أو متفقون على إنه ممقوت. إن انتشار الحسد, والكذب, والخداع والغيبة والنميمة والنفاق والجهل, إضافة إلى انحدار الأخلاقيات في انتشار السباب العلني أو المبطن والتدليس في التعاملات البينية, أشاع الشعور بخليط من الغيظ والغضب والإحباط والملل, وهذا بالطبع يقع في دائرة عدم الرضا. فالبعض أراد التصدي لهذه الظواهر بالكتابة والخطابة سواء على مستوى الوسائل الإعلامية أو في المحافل المختلفة. والبعض يحاول إرضاء الجميع ظنا منه أنه سيعيش في سلام دائم. وبعض آخر تقوقع وفضل العزلة, وآخرون بحثوا عن راحتهم بالتقاعد والهجرة إلى أماكن بعيدة في محاولة للهروب من أي عصف ذهني يعكر عليه صفو ما تبقى له من عمر. وبقية هم من انغمس في هذه الخصال ليجاري التيار ويغنم ما لاح من الفرص ليحافظ على مكتسباته ويشتهر بسمعة عريضة, وهذا الأخير يفاقم بعمله المشكلة ويزيدها تعقيدا. بالطبع لا كاسب هنا فالقضية لم تعد اختلافات سطحية, وحالات عابرة, لقد أصبحت قضية مبادئ ونشأة في مجتمع تشابكت فيه خطوط الاتصال, واختلطت البدايات بالنهايات ولم نعد نفرق فيها بين الخط المستقيم والمتعرج, وبين زاوية الاتجاه واتجاهنا لأي زاوية, الذي حتم احتياجنا إلى إصلاح كبير في أحوال المجتمع. ما يهم الآن هو أن نتذكر أن تناولها يتطلب معرفة ودراية تامة بماهية الأسباب ومسار الانحراف عن الأصول عبر نصف قرن من الزمن, ثم إن التعامل معها يتطلب حكمة وفطنة لمواجهة ما يرمي إليه المتربصون, وما يترنم به الحاقدون من كل مكان وفي كل زمان.
إن الناظر إلى أعدائنا اليوم يجدهم يرتعدون من النهضة الإسلامية التي غطت بقاع الأرض ولله الحمد, ولقد كشفوا عن مخططاتهم في أنهم دائما ما يسعون إلى القضاء عليها بكل ما أوتوا من حيلة وقوة. إلا أن المؤلم في هذا الشأن أننا نخصب لهم الأراضي باختلاقنا المشاكل بين بعضنا البعض, ثم نسقيها بتبنينا أفكار وثقافات اجتماعية دخيلة, فآلت مواقفنا إلى عدم الاتفاق والوفاق وانعدم الانسجام بين الشرائح والفئات كافة, وبالتالي حصدنا التفكك وبدأنا في تصفية الحسابات. لقد بدت في الأفق مؤشرات هزيمتنا لذاتنا وبأيدينا بعد أن كنا نخشى الهزيمة من الغير. فقد تزعزع الإيمان, وتخلخلت العلاقات البينية من خلال نمو روح الشك, وانتشر الإغراء كسبب للأغواء. لقد تباينت مستويات تفكيرنا واهتماماتنا وتغايرت إلى أن أصبحنا لا نفرق بين البخل والحرص, وبين الخطأ والاجتهاد, وبين التفسير والتبرير. كما بات العنف وسيلة الضالين, والشغب ملاذ المنحرفين, فَوُلِد مصطلح "محاربة الإرهابيين". أما إذا مر الفرد بأزمة نفسية فعوضا عن أن يتعامل معها قبل تعامله مع الناس, يتبع هواه فيعادي الآخرين, وقد تصل به الحال إلى التآمر مع أمثاله فيتقولون زورا وبهتانا لتشويه سمعة الشرفاء والمصلحين. وإذا ما كان المريض مفوها, استطاع إبراز الذات بانتقاص الآخرين وتصيد أخطائهم وتضخيم سلبياتهم. وإذا ما عجز في أسلوبه هذا, استبدله بتمرير رسائله من دعايات ووشايات وإشاعات كاذبة عبر ضعاف النفوس متسببا في بلبلة فكرية عارمة. الأنكى من ذلك أن تنطلي هذه الألاعيب والمؤامرات على كثير من العوام فيصبحوا أبواقاً للباطل في وجوه المصلحين, وبذلك تستهدف اللحمة الداخلية لتحقيق أهداف القوى الخارجية التي تحاول بشكل مباشر وغير مباشر محو هويتنا الأصلية وإصدار هوية جديدة هشة لا تمت لنا بصلة.
إن الظواهر الاجتماعية والمشاكل التي تعرقل المسيرة, أفرزتها المواجهة بين الواقع القائم والبديل المأمول, وما ارتباك المجتمع أمامها إلا دلالة على أنه أصبح فريسة للجهل والتضليل, مما يؤكد أن طريق الإصلاح أصبحت وعرة وغيرممهدة. لقد عانى الأنبياء والرسل من المحن التي واجهوها في عصور الجهل والظلام إبان نشر الرسالة والدعوة إلى الله, إلا أن الله عز وجل وفقهم ونجاهم وأعلى كلمته في سماء الحق. من هنا يمكن أن ننهل من تراثنا الضخم وتجاربنا كأمة, وباتباع المنهج الإسلامي الصحيح ستكون لنا العزة بإذن الله. ما نخشاه هو تقهقر المصلح وتواريه وقد يعقب ذلك تقديم التنازلات على حساب الأهداف السامية, فينقسم المجتمع مترنحا بين مصدق ومكذب لقوة التيار, فيخنع ويبدأ المغرضون في سرقة المستقبل الذي أردناه مشرقا وراسخ البناء لأجيال الغد. لذلك نحن في حاجة إلى إعادة هندسة المجتمع بشمولية فكرية, وتهيئة أنفسنا لكل مقبل جديد سلمياً كان أم حربياً, نظرياً كان أم عمليا.
في الوقت الحاضر نتوخى من العقلاء والمصلحين والغيورين بمساعدة الأوساط الإعلامية المختلفة تكثيف مساعيهم في تحسين واقع المجتمع. نحن أمام قضية حري بنا أن ندرس أسبابها وأن نحاول جميعا إيجاد واقتراح أساليب علاجها. فمن المحبذ اتباع الأساليب اللينة التي تستهوي القلوب وتقبل بها العقول لتطمئن بها النفوس. كما علينا كسر الحواجز وإنهاء الفروقات بإجماع الرأي ووحدة الصفوف. وإذا ما أردنا أن نسلك سبيل الوحدة بيننا فلتكن عبر نشر الحب والإخاء والتواضع والتعاون لفك ما تعقد وحل ما صعب من مشكلات. حاجتنا الآن تعلم التعامل مع الأرزاق والخيرات والعطايا, مالية كانت أم عينية, فلابد من التوازن بين مبدأي الادخار والعيش في رخاء, والاهتمام بالمكاسب المتحققة على الأرض من إعمار أو أجهزة أو نظم لنورثها للخَلَف بكل أمانة كما ورث لنا أسلافنا خير التقاليد والأعراف والمثل. علينا أن نبدأ بالتثقيف الذاتي والاطلاع المستمر ونجاهد في تثقيف من حولنا, فبدون الثقافة والعلم سنكون مسرحا لتجارب الأمم والدول. ولا ننسى في خضم كل ذلك أن نبادل القيادة الرشيدة بكل الولاء, وأن نكون حربا معها على الأعداء, فنكون شعبا صفته الوفاء ونثبت أننا يد واحدة في السراء والضراء. والله المستعان.