رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


مستقبل أسعار النفط بين نظريتين: أسعار عالية أم منخفضة؟

<a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a>

الحلقة السادسة

6- محدودية طاقة التكرير وعدم مواءمة المصافي لنوع النفط المستخرج
تشير البيانات إلى أن الزيادة في استهلاك الدول الصناعية من النفط بلغ ضعف الزيادة في طاقتها التكريرية، مما شكل ضغطاً على مصافيها. كما تشير إلى أن عدداً من الدول المصدرة للمشتقات النفطية توقفت عن التصدير بسبب زيادة الاستهلاك المحلي، خاصة الصين. تشير البيانات إلى ارتفاع مستوى التشغيل في المصافي الأمريكية إلى أعلى ما يمكن حيث تجاوز 90 في المائة في السنوات الماضية بعد أن كان أقل من 90 في المائة بين 1974و 1993. عانت الولايات المتحدة من مشاكل كبيرة في قطاع التكرير خلال الأعوام الثلاثة الماضية بسبب المشاكل في عدد من المصافي، ثم توقف بعض المصافي بسبب الأعاصير في خليج المكسيك.

البيانات بين نظريتين
يستند أنصار نظرية التغيرات الهيكلية في تحليلهم إلى بيانات تبين الأمور التالية:
1- عدم مواءمة النمو في طاقة التكرير العالمية للنمو في الطلب العالمي على المشتقات النفطية، بالإضافة إلى مايوحيه ذلك للتجار من وجود عجز في الإمدادات.
2- انخفاض قدرة المصافي على التأقلم مع التغيرات الفصلية في الطلب.
3- تباين التوزيع الجغرافي لقدرات المصافي. فعدد وحدات التحويل في آسيا أقل من العدد في أوروبا بشكل كبير، ولايمكن رفع هذا العدد وقدرة هذه الوحدات بشكل كاف لأسباب عديدة.
4- عدم بناء مصاف جديدة في الولايات المتحدة، أكبر سوق للنفط في العالم، وانخفاض عدد المصافي فيها بشكل كبير خلال العقدين الماضيين من أكثر من 300 مصفاة في بداية الثمانينيات إلى أقل من 150 مصفاة حالياً.
5- قيام بعض الدول النامية بتطبيق قوانين بيئية تتطلب تغيير نوعية البنزين والمازوت المستخدم، بينما تزداد القوانين البيئية في الدول المتقدمة صرامة، الأمر الذي يعني تغيرا مستمرا في مواصفات المصافي، التي لا تتمتع بالمرونة الكافية لمقابلة هذه المتطلبات.

يرى مؤيدو نظرية التغيرات الهيلكية أن ارتفاع الأسعار لايعود فقط إلى عدم توافر النفط والعوامل التي تمت مناقشتها في الحلقات الماضية، وإنما أيضاً إلى وصول المصافي إلى أقصى طاقتها التكريرية من جهة، وعدم مرونة هذه المصافي للتأقلم مع متغيرات الطلب الفصلية من جهة أخرى. يؤكد هؤلاء أن هذه المشكلة لن تحل بالكامل لأنها تتطلب استثمارات ضخمة في جو استثماري صعب بسبب التقلبات في الصناعة من جهة، والقوانين البيئية التي تزداد صرامة يوماً بعد يوم، الأمر الذي يعني بقاء أسعار النفط في مستوياتها المرتفعة.

الرأي الآخر
يرى مؤيدو نظرية التغيرات الدورية أن هناك مبالغة في أثر محدودية الطاقة التكريرية على أسعار النفط والمشتقات النفطية، وأن هناك تشاؤما بقدرة صناعة التكرير العالمية على التوسع. صحيح أن هناك عجزا في المصافي التي تكرر النفط الثقيل، إلا أن ذلك أدى إلى أن كل الطاقة الإنتاجية الفائضة في العالم من النفط الثقيل الحامض، الأمر الذي لم يرفع أسعاره كما ارتفعت أسعار النفط الخفيف. فقد تجاوزت الحسومات، أو الفرق بين السعرين، 15 دولاراً للبرميل، بينما كانت بحدود خمسة دولارات تاريخياً. لذلك فإن أسعار النفط ستنخفض حتى لو لم يتم توسيع الطاقة الاستيعابية للمصافي، لأن هذا الفرق بين السعرين سيجعل أصحاب المصافي المتقدمة تقنياً يحولون طلبهم من النفط الخفيف إلى النفط الثقيل، كما حصل أخيرا.
يستدل أنصار هذه النظرية على محدودية أثر المصافي على أسعار النفط بالتحليلات الإحصائية التي توضح أن أسعار النفط تسبب ارتفاع أسعار البنزين، وليس العكس، وأن نحو 84 في المائة من التغيرات في أسعار البنزين في الولايات المتحدة تعود إلى التغيرات في أسعار النفط.
يرى أنصار نظرية التغيرات الدورية أن حكومات الدول المستهلكة ستعطل القوانين البيئية وستستخدم احتياطيها الاستراتيجي إذا نقصت إمدادات البنزين، الأمر الذي سيمنع الأسعار من الاستمرار في الارتفاع. فقد قامت الولايات المتحدة، وتحت وطأة إعصاري كاترينا وريتا، بتعطيل بعض القوانين البيئية التي تحظر استيراد نوعيات معينة من البنزين، الأمر الذي خفض أسعاره بشكل كبير عما كان عليه بعد الإعصار مباشرة.
ينتقد مؤيدو هذه النظرية بشدة مايدعيه البعض من أن انخفاض عدد المصافي في الولايات المتحدة خلال 25 سنة الماضية، وعدم بناء مصاف جديدة خلال تلك الفترة أسهم بشكل كبير في رفع أسعار النفط. فرغم أن هذه البيانات ليست صحيحة "حرفياً" لأن البيانات تركز على المصافي التي تتسلم النفط الخام فقط، إلا أن المصافي المتبقية توسعت بشكل كبير، حيث ارتفعت الطاقة التكريرية للولايات المتحدة بأكثر من 1.4 مليون برميل يومياً منذ عام 1994 ووصلت إلى أعلى مستوى لها خلال العقدين الماضيين رغم انخفاض عدد المصافي.
يؤكد أنصار هذه النظرية أن أزمة التكرير مؤقتة ويستدلون على ذلك بوصول طاقة العالم التكريرية إلى مستوى قياسي أخيرا بعد أن استمرت في الارتفاع للسنة الخامسة على التوالي. كما يستدلون بقدرة الصناعة على التأقلم مع الظروف الصعبة حيث تمت إضافة 2.7 مليون برميل يومياً في عام 2005 رغم ارتفاع التكاليف، ورغم المؤثرات السياسية والطبيعية.
تشير البيانات إلى أن العديد من الدول، خاصة في الشرق الأوسط وشرق آسيا، تقوم ببناء مصاف جديدة تتمتع بقدرات تكنولوجية متقدمة تمكنها من تكرير النفوط الثقيلة، كما تمكنها من التحول بسرعة وسهولة لمقابلة تغيرات الطلب الفصلية لإنتاج المشتقات المناسبة لتلك الفترة. كما أن هناك خططاً لتوسع ملحوظ في المصافي الأمريكية والأوروبية. بالإضافة إلى ذلك فإن التكنولوجيا الجديدة التي تمكن من تحويل الغاز إلى سوائل نفطية ستزيد من إنتاج هذه السوائل مع الزمن. هذه التطورات قد ترفع إنتاج المشتقات بأكثر من خمسة ملايين برميل يومياً خلال السنوات المقبلة.
لذلك، حتى لو فرضنا وجود أثر ضخم لمحدودية طاقة التكرير على أسعار النفط، فإن المشاريع الجديدة في الشرق الأوسط وآسيا، والتوسعات في كل من أوروبا وأمريكا، وارتفاع الفرق بين أسعار النفط الخفيف والنفط الثقيل، ورغبة الدول المستهلكة في تعطيل القوانين البيئية لتلافي أزمة في إمدادات البنزين ستؤدي إلى تخفيض أسعار النفط وستكون كل هذه التغيرات الهيكلية في النهاية .. دورية.
إن تجربة الولايات المتحدة بعد هذين الإعصارين تشير إلى أن التفاوت الجغرافي في قدرات المصافي لم يعد مهماً بالدرجة التي كان عليها في السابق حيث إن أي مشكلة تنتج عن ذلك يتم حلها بالتجارة الدولية في البنزين، والتي شهدت نمواً كبيراً في العامين الآخرين. إن نمو التجارة في البنزين والمشتقات النفطية هو أحد المسوغات الأساسية لقيام السعودية ببناء مصاف جديدة بهدف تصدير المشتقات النفطية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي