كازاخستان تتهيأ لاحتلال دور رئيسي على الساحة النفطية العالمية

كازاخستان تتهيأ لاحتلال دور رئيسي على الساحة النفطية العالمية

تتجه كازاخستان إلى لعب دور رئيسي بصفتها دولة مصدرة للنفط، وذلك عبر خطط لرفع طاقتها الإنتاجية إلى 3.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2015 من 1.2 مليون حاليا، وذلك من حقولها الرئيسية الأربعة، ابتداء بحقل كاشيجان الضخم، وهو أكبر حقل يتم اكتشافه خارج منطقة الشرق الأوسط خلال فترة العقود الثلاثة الماضية. ويتوقع أن يسهم كاشيجان بنحو مليون برميل في عملية رفع الطاقة الإنتاجية المتوقعة، وكذلك حقل تنجيز الذي يخطط له أن يضيف 700 ألف برميل يوميا و600 ألف من حقل كرمانا جازي، ونصف مليون برميل يوميا من حقل كاراشا نجانوك (انظر الجدول).
وتأمل القيادة السياسية لكازاخستان بزعامة نور سلطان نزاربييف، أن يسهم هذا في تعزيز أهمية البلاد السياسية والاقتصادية، خاصة وهي تحتل موقعا محوريا في منطقة أوروبا الآسيوية من الناحية الجغرافية، ابتداء من كبر حجمها، حيث تحتل المرتبة التاسعة عالميا من ناحية المساحة، كما أنها تتوسط روسيا والصين، وهي أيضا صاحبة أكبر احتياطي نفطي في الدول المتشاطئة في بحر قزوين، وأن نحو ثلثي الإنتاج من تلك المنطقة، بما في ذلك المنتج في أذربيجان وتركمانستان، يتدفق منها. فالمنطقة عموما تنتج نحو 1.8 مليون برميل نصيب كازاخستان منها 1.2 مليون تستهلك منها 200 ألفا وتصدر الباقي، أو مليون برميل يوميا إلى الأسواق الخارجية.
الاحتياطيات النفطية الكازاخية تراوح بين تسعة و29 مليار برميل، وهي بالتالي صاحبة أكبر احتياطي نفطي في المنطقة، ولهذا فهي تتمتع بأكبر حجم اقتصادي، حيث يصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 39 مليار دولار، وهو ما يضع دخل الفرد أكثر من 2600 دولار في العام. فكازاخستان تعتبر في النهاية من الدول القليلة السكان، الذين لا يتجاوز عددهم 15 مليون نسمة.
الإيرادات النفطية تمثل ثلث العائدات الحكومية ونصف الصادرات، كما أن الصندوق القومي للنفط يحتفظ باحتياطي من العملات الصعبة يبلغ 5.2 مليار دولار. أما الرئيس نزاربييف الذي بدأ صعوده السياسي إبان فترة الاتحاد السوفياتي عندما عمل سكرتيرا للجنة المركزية للحزب الشيوعي في كازاخستان، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي أصبح رئيسا مؤقتا عام 1995، وذلك حتى تم تعديل الدستور لينتخب رئيسا في العام التالي، على أنه تمكن من نسج علاقة جيدة مع واشنطن القطب الوحيد في عالم اليوم، خاصة فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب وفتح الباب أمام الشركات الأجنبية والأمريكية، تحديدا للعب دور في تنمية الصناعة النفطية في كازاخستان.
ويظهر هذا في أنه في بداية فصل الربيع الماضي انتهز نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني فرصة زيارته إلى كازاخستان ليشن هجوما على روسيا واستخدامها موارد الطاقة لديها لبسط هيمنتها على زبائنها، الأمر الذي لم تستسغه موسكو وردت بهجوم معاكس. وفي أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي استقبل الرئيس جورج بوش في البيت الأبيض نزاربييف، بصفته حليفا معتدلا في إقليم يقوم على إرث ديكتاتوري، الأمر الذي أثار علامات استفهام بسبب طبيعة نظام الحكم هناك.
ففي آب (أغسطس) الماضي، أطلق بوش مبادرة لمكافحة الفساد في الأروقة العليا، واعتبرها خطوة ضرورية في إطار حملته لنشر الحرية في العالم، لكن بعد أقل من ثلاثة أسابيع على إطلاق تلك الحملة بدأت الترتيبات للإعداد لزيارة نزاربييف الرسمية إلى واشنطن، وهي الزيارة التي تتخللها بعض الحميمية لأنها تتضمن زيارة لعائلة بوش الأب كذلك.
والصلة أن نزاربييف متهم بتلقي رشاوى في شكل مبلغ 78 مليون دولار من بعض رجال الأعمال الأمريكيين، عبر وسيط هو جيمس جيفن، للحصول على عقود نفطية، الذي ساعد نزاربييف كذلك على فتح حسابات سرية في الخارج، وهي القضية الموثقة بواسطة المدعي العام الأمريكي، ويتوقع للمحاكمة أن تبدأ في كانون الثاني (يناير) المقبل، لكن لا يتوقع لها أن تصل إلى مقام الرئاسة الكازاخية.
مؤسسة الشفافية الدولية التي تتابع حالات الفساد حول العالم وتنشر تقييما سنويا لذلك، أعطت كازاخستان 2.6 نقطة من أصل عشرة نقاط، الأمر الذي يضعها في المرتبة 107 من أصل 159 دولة غطاها المسح في القائمة المعدة لذلك، وهي بذلك سجلت تراجعا من المرتبة 65 التي احتلتها عام 2000. حكومة نزاربييف في ردها على هذا أطلقت برنامجا لمكافحة الفساد، ولو انه أستهدف موظفين متوسطي الحال.
ويفترض وفق الإجراءات المعتمدة أمريكيا ألا تتم توجيه دعوات أو عمليات استقبال للمسؤولين المتهمين بالضلوع في عمليات فساد وإفساد، لكن واقع الحال يشير إلى غير ذلك، وأن هذه هي الزيارة الثانية لنزاربييف إلى واشنطن في عهد بوش، إذ كانت الأولى قبل خمس سنوات.
وفي الإطار نفسه استقبل بوش كذلك إلهام علييف رئيس أذربيجان المتهم بتزوير الانتخابات، كما استقبلت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، ثيودور أوبيانج نجيما رئيس غينيا الاستوائية الذي قام بتهريب ملايين الدولارات لحساباته الشخصية في الخارج، وذلك وفقا لوثائق أمريكية رسمية، الأمر الذي يشير إلى أن هموم واشنطن في مكافحة الإرهاب وتوفير إمدادات الطاقة من خارج منطقة الشرق الأوسط تقدم على أي أمر آخر، حتى وإن كانت حقوق الإنسان، كما يقول يفجيني زهوفتس مدير مكتب كازاخستان العالمي لحقوق الإنسان.
من الناحية الأخرى، فإن الشركات الأجنبية والأمريكية تحديدا حصلت على عقودات مهمة لتطوير الصناعة النفطية في البلاد، واكتسبت الحركة في هذا الجانب أهمية منذ عام 2003 عندما أعلنت الحكومة عن مشروع جديد لتطوير منطقة بحر قزوين، إذ بدأت تتبع أسلوب المزادات.
وتنشط في الساحة شركات: "إكسون موبيل"، "شيفرون تكساكو"، وشركة لوك أركو الروسية، التي يضمها تحالف "كازمونجاز"، الذي اعتمد برنامجا للتطوير بتكلفة ثلاثة مليارات دولار حتى يمكن رفع الإنتاج بقرابة النصف إلى 450 ألف برميل يوميا هذا العام من حقل تنجيز، الذي يقدر لاحتياطياته أن تراوح بين 6 و9 مليارات برميل، وبالتالي يمكن رفع الإنتاج إلى 700 ألف برميل يوميا بنهاية هذا العقد.
وهناك أيضا كونسورتيوم "كاراشاجناك" الذي يضم شركتي "إيني" و"برتيش غاز" وفيه احتياطي يصل إلى 2.4 مليار برميل ومليار قدم مكعب من الغاز. ويخطط لمعدلات الإنتاج الحالية وهي في حدود 230 ألف برميل أن ترتفع إلى نصف مليون برميل في أربع سنوات.
ونسبة لأنه ليس لكازاخستان منفذ بحري مثل بقية دول بحر قزوين، فإن صادراتها النفطية تمر عبر واحد من ثلاثة منافذ: الشمالي عبر خطوط السكك الحديد الروسية، وغربا عبر خط أنابيب بحر قزوين وعبر الناقلات والبوارج، وجنوبا من خلال اتفاقيات المقايضة مع إيران. كما تصدر 300 ألف برميل إلى الصين عبر خط للسكة الحديد، وتخطط لبناء خط تصدير آخر بحجم يتراوح بين 300 و400 ألف برميل يوميا بحلول عام 2011.

الأكثر قراءة