الضغوط النفسية مصادر الهدر الخفي (2 من 2)
<a href="mailto:[email protected]">Atrairy@Ksu.Edu.SA</a>
ثمة مصادر للضغوط النفسية غير التي أشرنا إليها في المقال السابق، والتي عرضنا فيها مصادر الضغوط النفسية ذات العلاقة ببيئة العمل، ويشكل صراع الدور أحد المصادر الرئيسة للضغوط، مما يعني أهمية العناية به وأخذه في الاعتبار، صراع الدور يحدث عندما يواجه الفرد التزامات عدة ويطالب بإنجاز هذه الالتزامات في الوقت نفسه، فمثلاً المرأة العاملة قد تجد نفسها ضحية صراع الدور مما يعرضها للضغط النفسي الذي يجهدها ويعرضها للإرهاق والإنهاك. ويحدث صراع الدور لدى المرأة عندما تتعارض مسؤوليات العمل ومتطلباته مع المسؤوليات الأسرية والمنـزلية، فعملها يحتاج منها وقتاً وجهداً لإنجاز المهمات الموكلة إليها، وفي الوقت نفسه التزاماتها الأسرية والمنزلية تحتاج هي الأخرى إلى إنجازها ولا تحتمل التأخير، كما لا يمكن إسناد هذه المهمات إلى فرد آخر كي يقوم بها بالنيابة عنها. وفي وضع كهذا تجد المرأة نفسها في حيرة من أمرها، ويبدأ الصراع النفسي يأخذ مكانه في ذاتها، حيث الشعور بالتقصير وتأنيب الضمير يبدأ ينهشها ويؤثر فيها، سواء كان هذا التقصير في العمل أو المنـزل، فكلاهما مهم بالنسبة لها، ولا يمكن إهماله أو التساهل فيه. فشؤون المنـزل من أبناء وزوج وضيوف وغيرها تحتاج إلى وقت لإنجازها وقد لا تجد متسعاً من الوقت لإنجاز ذلك, وإن أعطت هذه الأشياء جل وقتها واهتمامها فقد ينعكس ذلك على أدائها في عملها، حيث يكون الإنجاز والعطاء أقل مما يجب، نظراً لأنها لا تركز ذهنياً وليس لديها النشاط والحيوية اللازمين للقيام بدورها، بل قد تتحول إلى عامل إعاقة في بيئة العمل، مما يؤثر سلباً ويثير حفيظة الأخريات اللاتي يعملن معها.
إن التوفيق بين مستلزمات العمل ومتطلباته، ومتطلبات المنزل وشؤونه، ليس بالأمر الهين واليسير، إذ لا بد من استثمار كل دقيقة، والتفكير في الآليات، والطرائق المناسبة التي تسهل إنجاز هذه المهمات تجنباً للإخفاق إما في العمل، وإما في شؤون الأسرة، وهذا ما لا يرضاه أحد، وفي تجنب الإخفاق درءا للضغوط النفسية.
التذمر من قلة الوقت لدى الفرد وعدم قدرته على إنهاء الأعمال المنـزلية عبارة مترددة على ألسنة من يعانون من صراع الدور وضغوطه النفسية، حيث تعبر هذه الجملة عن صعوبة يواجهها الفرد، إذ لا يجد متسعاً من الوقت يكفي للقيام بالدور الأسري، وعلى الوجه المطلوب، وفي الوقت والظرف المناسبين، ودون تأخير، وتحدث مثل هذه الحالة عندما يتمكن العمل من الفرد ويحتل مشاعره حتى يصل به إلى مرحلة إهمال المنـزل وشؤونه، وكثيراً ما نسمع أفراداً يعبرون عن استحواذ العمل عليهم واستلابه لهم، حيث يصفون هذا الوضع بشعورهم ألا شيء أهم من العمل في خريطة تكوينهم النفسي، وحسبي بأفراد كهؤلاء أن أمورهم المنـزلية يعتريها الإهمال، مما يثير أفراد العائلة في وجه الأب، أو الأم الذي أو التي يقع منها هذا التقصير، حتى أن الأمور تتراكم وتتفاعل، مما يوصل الفرد إلى مرحلة الضغوط النفسية، ذلك أن شعور أفراد العائلة بالإهمال واللا مبالاة يقودهم للمناقشة المستمرة والانتقاد الحاد للفرد الذي صدر منه هذا الإهمال، مما يولد لديه إحساساً بالضيق والمرارة والألم، وهذا الوضع يمثل وضعاً نفسياً غير سوي.
إن التعارض الذي قد يحدث بين ارتباطات العمل والارتباطات العائلية يمثل أحد مصادر الضغوط النفسية، إذ قد يجد الموظف نفسه مضطراً إلى العمل في المساء أو الصباح، ومثل هذه المواعيد قد تتعارض مع مناسبة عائلية، مما يفقده حضورها أو قد يحتاج أحد أفراد العائلة المستشفى ولا يجد من يوصله لأن والده مشغول في العمل، وهذا ينطبق على عدم حضور الوجبات مع العائلة، مما يشعر أفراد العائلة بعدم الاهتمام من قبل رب الأسرة لهم، وهذا الشعور يلقي بظلاله وتبعاته على العلاقة بينهم، مما يحدث مناخاً أسرياً متوتراً تكثر فيه المشاكل، والخلافات، وتضطرب فيه الأوضاع، حتى يبدأ الفرد بتشتت ذهني وعدم قدرة على التركيز، لأن المشاكل الأسرية تبدأ في التأثير عليه، وقد تشغله حتى أنه يحضر لمكان العمل وهو غير صاف الذهن، ومتوتراً، ومشغولاً مما يصرفه عن العمل، ويؤثر في أدائه حتى أن زملاءه قد يلاحظون عليه ذلك، وقد تسوء علاقاته بهم. ومما قد يزيد الطين بلة بشأن الأوضاع الأسرية وتحولها إلى مصدر من مصادر الضغوط عدم كفاية الموارد المالية، فقلة المال أمام المتطلبات الأسرية، واحتياجاتها اليومية يضاعف من حالة الضغط النفسي الذي يتعرض له الفرد. ولا غرابة أن يعبر الفرد عن وضعه بقوله إنه عاجز عن الوفاء بالمتطلبات الأسرية أو أن يقول إن دخله قليل، ولا يفي بمطالب الأسرة الكثيرة أو غيرها من العبارات.
إن ما يلاحظه صاحب العمل أو الرئيس من تقصير قد يصدر من أحد العاملين لديه، ليس بالضرورة مرده بيئة العمل ذاتها، فبيئة العمل قد تكون جيدة ومتكاملة في الجوانب كافة، وزملاء العمل قد يتسمون بخصال حميدة كالتعاون فيما بينهم، ومحبة بعضهم البعض، لكن الأسرة ومشاكلها قد تنتقل مع الموظف أو العامل وتكون ملازمة له وهو في بيئة العمل، إذ لا يمكنه الفكاك من هذه المشاكل حتى تبدأ تؤثر في عمله حيث يؤجل بعض الأعمال ويؤخرها عن وقتها أو يؤديها ولكن بصورة خاطئة.
ترى هل صاحب العمل أو الرئيس مسؤول عن هذه المشاكل، لا بالطبع ليس مسؤولاً عنها، ولم يتسبب في حدوثها وهو متضرر منها، لكن إدراكه ومعرفته أن مصدر الإهمال وانخفاض جودة العمل الذي قد يلاحظه عند أحد موظفيه هو الأسرة قد يعينه على تسيير العمل، بما لا يضر بالعمل، ولا يضر بالموظف الذي يتعرض لحالة الضغط النفسي، وذلك على أقل تقدير خلال الفترة الحرجة التي يمر بها الفرد، وفي إدراكه الصحيح هذا عون للفرد لتجاوز الظرف والتخلص من الظروف الضاغطة المؤثرة في الأداء، وهذا بحد ذاته نجاح للرئيس الذي استطاع مساعدة الموظف والعودة به إلى الوضع الطبيعي الذي يحقق به الإنجاز الجيد ويحفظ له علاقات متوازنة مع الزملاء، ووضعاً أسرياً هادئاً خالياً من المؤثرات السلبية.
إن المجتمعات الإسلامية التي تحظى فيها الأسرة بمكانة ومنزلة عالية ضمن قيم وثقافة هذه المجتمعات, قد يترتب على التزام الأفراد وجهودهم المضنية التي يبذلونها من أجل العمل إهمال لبعض شؤون الأسرة وإخفاق في القيام بالأدوار اللازم القيام بها نحوها، وهذا الوضع من شأنه إحداث صراع يتولد عنه ضغوط تحدث آثاراً واضحة في حياة وصحة الفرد وعلاقاته الأسرية, وقد يكون الحل في مثل هذه الحالة إيجاد أنظمة عمل تساعد على التوفيق بين الالتزامات الأسرية ومتطلبات العمل حتى لا يكون القيام بأحدهما على حساب الآخر.
وحري بمدير قادر على معرفة أسباب الضغوط لدى العاملين لديه ومساعدتهم على تجاوز الظروف المحدثة لهذه الضغوط. أن يجد تقديراً ومحبة من قبل من يعملون معه، ومن ثم إخلاصاً في عملهم مما يحقق النجاح، والإنجاز المطلوب في بيئة العمل.