رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


3- "المال والتشريع"

أن تقرأ في تشريع الإسلام إدخال جانب من حقوق المال وتنظيمه إلى دائرة مباني الإسلام وأصول العبادات متمثلا ذلك في "زكاة المال" التي جاءت بعد الصلاة في كلمات الكتاب والسنة الهادية، فهذا يحدثك بعلاقة اتصال بالغة بين المال والتشريع، وإذا كان القرآن تحدث عن تفصيل في العبادات والقصص فإن المال "بمفهومه العام" جاء ذكره تترى في القرآن، فيتحدث التشريع في القرآن عن قسمة المال الموروث حديثا مفصلاً مضمناً كثيراً من الإشارات والحِكم، وتُذكر أحكام النفقة على الوالدين والأقربين، ومصارف الزكاة، وقواعد تشريع أحكام الأموال الظاهرة والباطنة، كما هو مصطلح الفقهاء، فتلك المواصلة في التشريع لأحكام المال تشير إلى ضرورة الإدارة الصحيحة لأخذ المال وإنفاقه، لأنه يمثل قوة طاغية من الصعب أن تحيطها جهود بشرية بعدالة مطلقة؛ ولهذا سماه القرآن فتنة (إنما أموالكم وأولادكم فتنة).
ومن هنا لم تصل النظريات الوضعية إلى وضع تطبيق عادل "لنظام المال ومصارفه"، فهناك على أحسن الأحوال "أفكار واعدة" لكنها تصطدم بكثير من المفارقات حين التجزئة، أو التطبيق، بخلاف شريعة الإسلام العادلة فإنها ذكرت التراتيب المالية على تمام المقام والعدل.
وإذا قرأت المواريث كحكم مالي مفصل وتدوير المال بين الزوجين، والأصول والفروع، والحواشي، وذوي الأرحام، وأثر الحجب والتعصيب، والعول والرد، تصل إلى إدراك مؤكد بأصالة العلاقة بين المال والتشريع، وأن مزيداً من الثقة يجب أن توجد في نفوس المسلمين، ولا سيما الفقهاء في أهلية قواعد التشريع الإسلامي للنظر في صيغ العقود المعاصرة وأحكامها ونظم صناعة المال حينما يوجد الفقه الصحيح الذي يستصحب مقاصد الشريعة، التي تدعو المسلمين إلى التمكين في الأرض وتحريك الحياة إلى رحاب العدل والإحسان.
إن أصالة التشريع في ضبط المال وحقوقه ومصارفه لا يصح أن تفرض تحت دائرة من الاختصار لسعة الشريعة ربما تضطر الناس حينما تُضيق عليهم أحكام المعاش أن يدخلوا "نفق الحيل"، ومما يذكره الإمام ابن تيمية أن بعض الأمم الكتابية لما ضيق بعض أحبارهم عليهم المعاملات المالية بالتحريم الغالي شاعت فيهم الحيل، وفي المقابل فلا بد من هيمنة الشريعة لضبط الحقوق.
كل هذا إشارة إلى مرام الكلمات في بناء فقه معتدل للنظر في الأحكام التشريعية في المال، يكون قادراً على تمييز ما هو قضاء من الشارع، وما هو احتراف وتمكن من الإنسان، فإن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، حتى لا تُتجاوز الشريعة، وبالمقابل لا تُضيق سعة الله على عباده.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي