رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


من يتصدى لرفع قدرة المواطنين على شراء المساكن؟

تقول خطة التنمية الثامنة (1425/1426هـ - 1429/1430هـ) في الفصل الثامن عشر المتعلق بالإسكان "يقدر الطلب التراكمي على المساكن بنهاية خطة التنمية السابعة، الذي عجزت السوق العقارية عن تلبيته، بنحو 270 ألف مسكن، وتراوح نسبة المساكن الشاغرة بين 12 و15 في المائة من إجمالي المساكن، وهي نسبة عالية نسبياً مقارنة بالمعدلات الطبيعية التي تراوح عادة بين 3 و5 في المائة, مما يدل على أن المعروض من المساكن يقع خارج نطاق القدرة الشرائية لفئات ليست قليلة من السكان. ويمثل هذا التحدي إحدى القضايا الرئيسة التي تهتم بها خطة التنمية الثامنة.
وأود أن أركز هنا على الاستنتاج والقرار اللذين خلصت إليهما الخطة من الأرقام أعلاه حيث تقول إن المعروض من المساكن يقع خارج نطاق القدرة الشرائية لفئات ليست قليلة من السكان, وبالتالي فإن القرار هو رفع القدرة الشرائية للسكان واعتبار ذلك التحدي إحدى القضايا التي تهتم بها خطة التنمية الثامنة، وهذا شيء أكثر من رائع، إذ يشير إلى أننا أدركنا أن هناك مشكلة إسكانية واستطعنا أن نشخص الأسباب وخلصنا إلى أن ضعف القدرة الشرائية للسكان هو أحد أهم الأسباب المؤثرة واعتبرنا معالجة هذه القضية تحديا يجب أن نتصدى له.
وبالتالي فنحن, والحمد لله, في مرحلة التفكير في الحلول المثلى لوضعها في خطط تنفيذية ودعمها بإصدار القرارات المناسبة لتطبيقها على أكمل وجه لمعالجة المشكلة الإسكانية التي بدأت تطل برأسها, حيث ارتفعت نسبة متوسط تكلفة إيجار المسكن إلى متوسط دخل الأسرة في المملكة من 26 في المائة خلال خطة التنمية السادسة إلى 30 في المائة خلال خطة التنمية السابعة، في حين انخفضت نسبة ملكية المساكن خلال الوقت نفسه من 65 في المائة إلى 55 في المائة نتيجة محدودية فرص التمويل العقاري، وعدم مواكبة قروض صندوق التنمية العقارية الطلب المتزايد عليها خلال السنوات الأخيرة.
لكن من يقد مسيرة التصدي للتحدي الذي ذكرته الخطة الثامنة, وهو رفع القدرة الشرائية للسكان لشراء مساكن لهم؟ من يمكن المواطن من أن يحصل على السكن المناسب في الوقت المناسب "في مقتبل العمر لا أرذله"؟ وما الجهات التي يجب أن تتفاعل وتتكامل في التصدي لهذا التحدي؟ وهل يمكن لهذه الجهات أن تتنازل عن آرائها وأهوائها في سبيل معالجة المشكلة الإسكانية التي لو تفاقمت لطال ضررها الجميع دون استثناء؟ وهل يمكن لهذه الجهات أن تتصور الوضع متكاملا لكي تحكم على الوضع حكما يتناسب مع خطورته, وبالتالي تتفاعل مع الواقع لا مع الخيال أو الماضي حسب القاعدة الفقهية التي تقول "الحكم على الشيء فرع من تصوره".
تقول الخطة الثامنة إنه ليست هناك جهة محددة منوط بها مسؤولية التنسيق والإشراف العام على قطاع الإسكان بشكل متكامل, بل توجد عدة جهات عامة وخاصة تنشط في مجالات محددة في هذا القطاع، وقد أناط الأمر السامي رقم 7/ب/48941 وتاريخ 26/9/1425هـ بوزارة الاقتصاد والتخطيط مهام متابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للإسكان، وإيجاد قاعدة معلومات إسكانية لجميع شرائح المجتمع بالنظر إلى حاجاتهم الإسكانية وكذلك المشاريع والقروض الإسكانية الحكومية والخاصة، وإعداد الدراسات والأبحاث والمسوحات الإسكانية.
وبما أن الاستراتيجية الوطنية للإسكان تستهدف زيادة معدل ملكية الأسر السعودية للمساكن من نحو 55 في المائة عام 1424/1425هـ (2004) إلى نحو 80 في المائة بحلول عام 1440/1441هـ (2020) فإن وزارة الاقتصاد والتخطيط ستعاني الكثير في تحقيقها إذا لم تلجأ إلى حلول ابتكارية غير تقليدية من ناحية وتبذل جهودا كبيرة في تحديد الجهات ذات الصلة بتطبيق الحلول وإيضاح الصورة لها ووضعها أمام مسؤولياتها، أما الحلول التقليدية فما هي إلا علاجات مؤقتة, خاصة إذا علمنا أن موارد صندوق التنمية العقاري عجزت في السنوات الأخيرة عن مواكبة الطلب المتزايد على القروض، حيث أصبحت الفجوة بين الطلبات المقدمة ومعدل استجابة الصندوق لها تزداد اتساعاً، وتقدر طلبات التمويل التي تنتظر الاستجابة بنحو 400 ألف طلب بنهاية خطة التنمية السابعة. وبالتالي فإن على الوزارة أن تتعاون تعاونا وثيقا بالدرجة الأولى مع وزارة المالية والمؤسسات المالية التابعة لها أو ذات الصلة بالأنشطة المالية، ومؤسسات الدولة التي تعاني سيولة كبيرة مثل مؤسسة التأمينات ومصلحة معاشات التقاعد, إضافة إلى التعاون مع وزارات التجارة والعمل والشؤون البلدية والقروية من أجل رفع القدرة الشرائية للمواطنين لشراء مساكن لهم في الوقت المناسب من حياتهم بضمان دخولهم الشهرية دون التأثير في مستوى معيشتهم، وأعتقد أن عليها أن تتحرك في اتجاهين، الأول تخفيض تكاليف المساكن (الأراضي، المواد، والعمالة) وهذا مقدور عليه لو تكاملت هذه الجهات لمعالجتها، والثاني توفير التمويل اللازم للمواطنين الذي يمكنهم من شراء مساكن بأقساط لا تتعدى 25 إلى 30 في المائة من دخولهم الشهرية.
ورفع القدرة الشرائية يستدعي كما هو معمول به في دول العالم إيجاد دورات مالية من خلال تطبيق نظام فاعل للرهن العقاري يتناسب والبيئة السعودية، دورات مالية تجعل الأصول العقارية "متعاظمة القيمة" قاعدة أساسية لها لتتحرك الأموال بطريقة انسيابية بين المطورين (بناء المساكن) وبنوك الرهن العقاري (التمويل) والمستفيدين (المشترين) ، وأصحاب المدخرات (السيولة المتاحة), مما يؤدى إلى توفير كميات كبيرة ومتنوعة من الوحدات السكنية التي تناسب أحجام الأسر السعودية كافة وبأسعار مناسبة في متناول اليد. وكلي ثقة بأن وزارة الاقتصاد والتخطيط قادرة على ترتيب تطبيق ذلك مع جميع الجهات ذات الصلة بتطبيق هذا النظام التي يجب عليها أن تنظر إلى الواقع وتتعامل معه لا أن تتجاهله من أجل مصالحها الضيقة، خاصة أن خادم الحرمين الشريفين ــ أيده الله ـــ الحريص كل الحرص على راحة المواطن وتلبية متطلبات العيش الكريم له ولأسرته, أمر بالإسراع في إصدار نظام الرهن العقاري في أسرع وقت ممكن.

كاتب اقتصادي
<a href="mailto:[email protected]">Abdalaziz3000@hotmail.com</a></p>

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي