التطــوير في الحياة مطلوب حتى في القضاء ومرجعيته
في صباح يوم الأحد 3/8/1427هـ الموافق 27/8/2006 وأنا أقرأ صحيفة "الاقتصادية" شد انتباهي الحوار الموضوعي المنشور بعنوان "قضايا الوطن في حوار", الذي تم مع أحد المختصين وهو الشيخ الدكتور ناصر بن زيد بن داود القاضي في وزارة العدل إذ كان رده على الأسئلة المطروحة واضحا وصريحا لما يتسم به من موضوعية ودعوة صادقة لأهمية التطوير للجهات القضائية، ورأيه في تدوين الأحكام على أساس الرأي الراجح من أقوال الفقهاء، ويسوق ذلك بقناعة منه، وإقناع للقارئ بأسلوب سهل الفهم لكل قارئ مهما كان مستواه العلمي، فهو يجيب عن الأسئلة المطروحة عن جوانب متعددة لها بالقضاء وتدوين الأحكام, وكذلك تنظيم تنفيذ الأحكام القضائية، وأبرزت بعض العبارات التي تشد القارئ بخط عريض مثل: (عدم وجود الدوائر المختصة بأنواع القضايا خطأ .. والقاضي ليس موسوعياً) وعبارة (الرجحان لا يستمد من جماعة تقف أمام المستجدات وتساوم على إقرارها) وقوله (الرفض المطلق من المشايخ لكل مستجد أصبح معولاً لتكسير وحدة القضاء) وسياقه عبارة (العوائق النفسية تقف دون تطور المؤسسة القضائية من داخلها ولا بد من تدخل ولاة الأمر), كل هذه العبارات الواضحة جعلتني أقرأ كل ما كتبه مطولاً في صفحتين, إذ وجدت أنه يتفق مع ما سبق أن كتبته في مقالات وحوارات سابقة وما كتبه غيري من المهتمين بالتطوير وضرورته وحول تدوين الأحكام وأهمية ذلك. فإجابات الشيخ الفاضل كانت عن معرفة ودراية وعلم واسع, وخبرة عملية من خلال ممارسته القضاء لما يزيد على 20 سنة, فضلاً عن الخبرات العملية الأخرى التي نوه عنها في نهاية الحوار (كتعريف به). وقال بكل صراحة بعدم التحسس من كلمة (قانون) على اعتبار ما يعتقده بعض من يظن أن كل القوانين مخالفة للشريعة الإسلامية. وما طرحه فضيلة الشيخ صحيح إذ لا موجب لما يحصل من توجس وتحسس إذ إن كثيراً من القوانين تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية, بل قد تكون مستقاة منها كما نوه عن ذلك الدكتور عبد الرزاق السنهوري في مؤلفه "مصادر الحق في الفقه الإسلامي" وفي "الوسيط", وغير ذلك من بعض المؤلفات المقارنة لبعض الأساتذة.
ومن أهم ما أبرزه الشيخ في إجاباته أهمية تدوين الأحكام على أساس من القول الراجح من أقوال الفقهاء كمرجعية للقضاة والمحامين وغيرهم, وهو بذلك يؤكد على أهمية (.. مع الأحكام الفقهية في مدونة مرقمة سهلة التناول والتداول يكون استمدادها من أرجح الأقوال في المسألة من المصادر الفقهية .. إلخ).
كذلك دعوته الصادقة إلى توحيد القضاء كما نص على ذلك صراحة في النظام الأساسي للحكم بحيث يعالج الوضع القائم في تشتت نظر القضايا في عدد من اللجان شبه القضائية, وموضحاً مزايا هذا التوحيد وأهميته, فضلاً عن إيجاد اختصاص نوعي في دوائر متعددة حسب الاختصاص في كل محكمة عامة لتكون دائرة للنظر في الجنايات والجنح والمخالفات ودائرة للنظر في القضايا التجارية, ودائرة للنظر في القضايا المرورية وغير ذلك من الدوائر ذات الاختصاص النوعي الأخرى. وهذا يتفق مع ما سبق أن كتبته في مقال نشر في هذه الصحيفة بتاريخ 11/10/1425هـ الموافق 23/11/2004.
ومن الأمور التي أوضحها في إجاباته ــ أيضا ـــ أهمية تنفيذ الأحكام القطعية بتوحيد إجراءات ذلك بشكل أدق وأشمل مما هو عليه الآن, وهذا من الأمور المهمة جداً لكي تبقى للأحكام حجتها وقوتها في الفصل في المنازعات وإنهائها بشكل لا يجعلها معلقة بإجراءات روتينية عقيمة, وسبق أن ذكرت أن مشكلة عدم تنفيذ الأحكام تشغل بال الكثيرين وحلها يوجب إيجاد محاكم تنفيذية أو جهات مرتبطة بالمحاكم العامة لتنفيذ الأحكام بالإجراءات العادية أو بالوسائل الجبرية المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية (يراجع الحوار الذي تم معي ونشر في هذه الصحيفة بتاريخ 8/4/1423هـ الموافق19/6/2002, وكذلك مقالي الذي كتب في هذه الصحيفة السبت 30/11/2002).
وأكتفي بما تقدم ذكره دون إطالة كإشادة وتأييد لكل ما أبداه الشيخ الفاضل في إجاباته الواضحة والصريحة, فالتطوير من الأمور المهمة في كل المجالات بما فيها القضاء ومرجعيته لأن انضمام المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة العالمية يقتضي وجود معاملات مع شركات أجنبية واتفاقيات إقليمية ودولية مما يوسع التعامل في مجالات مختلفة, وهذا يستدعي التطوير بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية, ويحقق المواءمة والمرونة التي تكفل سرعة الإنجاز وسلامته, وتقضي على التحفظات التي تبدى من الجهات الأجنبية, إذ دائما ما تبدي بعض الشركات الأجنبية تحفظها على فض المنازعات عن طريق القضاء في المملكة العربية السعودية بحجة أنه لا توجد نصوص مكتوبة يمكن من خلالها معرفة ما يتوافر من حفظ للحقوق, ويكفل الوفاء بالالتزامات. وكثيرا ما تلجأ هذه الشركات إلى القضاء في الدول الأجنبية مثل فرنسا وغيرها لطلب النظر في النزاع الحاصل في عقد مبرم ومنفذ داخل المملكة العربية السعودية.
والحكومة الراشدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ وولي عهده الأمين ماضية في التطوير بخطوات متزنة ومدروسة بعناية, فقد سبق أن صدر الأمر الملكي بتطوير هيكلة القضاء إلى ثلاث درجات مع الاهتمام بالاختصاص النوعي في المحاكم, ولعله يصدر التنظيم المتكامل لذلك بما يحقق التطوير, الذي أشار إليه الشيخ الدكتور ناصر بن زيد بن داود, وغيره من المهتمين الذين يكتبون عن ذلك بين الحين والآخر. والله الموفق, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب في الشأن العام من منظور قانوني
* عضو مجلس الشورى